المفكر عصام زايد يكتب : جدار الجهل معول هدم حضارتنا

جدار من الجهل يلف كل مكان تذهب إليه .. في جلسات الأصدقاء و بين الأحبة و على أرفف الكتب وداخل المجلدات والسير الذاتية و التاريخية .. جبال من الركام تصخر وهبو يزكم الأنوف يضغط على الصدر فتحدث نوبات الإعياء المتكرر ولا نعي الأسباب أو نبحث عن الدواء..

كيف دخل إلينا متسللا دون أن نشعر بخيوطه العنكبوتية وهي تنسج لتلتف حولنا .. وبشرنقته الحريرية و هي تحكم إغلاق الكثير منمنافذناالفكرية ؟ متي بدأنا نحفر أساسات بنائه بهمة و نشاط لنضيف له كل يوم طوبة جديدة حتي صار حجمه بحجم أجيال مضت و أخري تولد في كل ثانية.

سطحية التناول و محاربة التجديد و عبادة القديم  و عدم الإحساس بضرورة فتح النوافذ لتغيير الهواء الفاسد واستعذاب الماء الأسن والخوف من التفكير والركون للأمر والتفويض المخل وترك موازين القياس .. كلها مؤشرات على إن الجدار قد تم تشييده على أسس قوية حتي أصبح من الصعب معرفة أصوله وعمق تأثيره .. و صار هواء يستنشق و غذاء لفطرة يزداد فسادها ..  تري في الظلم عدلا و في الخلل ملاذا .. و في الفقر غني و في الإنحراف قاعدة …

متي بدأ التشييد وبأي أدوات تم البناء ؟!

بدأ أولا بجعل أول أمر إلهي للإنسان ” اقرأ ” أمراً ثانويا في حياته .. فبدلا من القراءة الديناميكية التفاعليه .. تم تحسين القراءة التقليدية الجاهزة للمجلدات و الكتب التي سطرها الأولون فحسب ، كانت تلك القراءة فيما ندر تلقينا تقليديا .. لا حوارا بين الأجيال وبين الواقع الحاضر و الماضي ، بل كانت تحاول إقسار الماضي على الحاضر و لو بالقوة ، وكان ذلك تحجيرا لواسع و تقزيما لمارد و إغتيالا لروح الإبداع لصحوة الأمل في النفوس ..

بعد أن تم تغييب المعني الحقيقي للقراءة .. تم إغتيال السؤال في مهده و أعتبر من الجدل العقيم و الترف الفكري وتحولت المجتمعات إلى مجتمعات الإجابات المعلومة المسبقة .. مايريده المستوي الأعلي يأتي بمذكرة تفسيرية فيتم تبني كل ما فيها من إجراءات بلا سؤال عن الجدوي أو التطوير أو التحسين .. قطعان من البشرية العجماء يقودها راعي بقر لا يهم إن كان يلبس القبعة التكساسية أو العقال الخليجي.

كان لغياب “التساؤل و السؤال و التدبر دورا هاما في فقدان بوصلة التقدم على المستوي الشخصي و المجتمعي و التنظيمي و المؤسسي، عندما بهت داخلنا أهمية التساؤل بكل أنواعه و إختفت تلك الخاصية وإستبدلنا بها فكرة الكسل الفكري و التلقي بلا سؤال وترك التفسير لجهة وحيدة وعدم الرغبة في سماع أكثر من وجهة نظر”[1] .. فقد عالمنا الإسلاميقوة أن تعمل معه السنن الربانية في إحداث الأثر و التحكم فيه (وإنتقلت لغيرها من المجتمعات فالسنن لا تحابي أحداً)، فلننظر مثلا في سنة التدافع وهي إحدي أقوي السنن الربانية كيف نطلب منها أن تحدث الأثر الإيجابي في الرقي و التقدم و قد منع عنها محركها ووقودها الأساسي ألا و هو السؤال ومحاولة معرفة السبب .. هل يمكن الأخذ بالأسباب و نحن نجهل خواص السبب وخصائصه والتي لاتبرز للسطح إلا بالتدبر والمقارنة؟  وهكذا في باقي السنن الأخري ، غيبنا سنة فغاب معها جميع السنن الأخري. السنن الربانية تعمل ككتلة واحدة قلبها العلم الواعي و محركها التساؤل ببواعثة الكثيرة.

هل يمكن أن يعيش الإنسان بلا تساؤلات ؟ هل يمكن تصور تطور للحضارة الإنسانية بلا تفعيل لخواص الملاحظة و الفروق و الكيفية و السبب و المسبب .. ولماذا تحدث الظواهر و الأحداث و كيف يمكن تطويعها و الإستفادة منها سواء بإكتشاف استخدامات جديدة لها  أو تجنب أضرارها وتأجيل توقيت حدوثها ؟

بدون وجود مناخ يتيح الحصول على اجابات شفافة لكل التساؤلات لتوقفت البشرية عند زمن الإنسان الصياد .. ولم يكن بالإمكان التمتع بالتواصل الإنساني الذي يحدث حالياً.. أو بالتطور الحضاري في إستخدام الخامات الأولية التي ما وجدت إلا لتحقيق أهداف النمو و غاياته .. سواء كانت تلك الخامات ظاهره للعيان أو مخفية في باطن الأرض أو على سطح النجوم …. إقرأ معي قول الله تعالي  ” أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ[2]

الأسباب كثيرة لتطاول جدار الجهل في البنيان ذكرت منها غياب المفهوم الصحيح لإقرأ و كذا العزوف عن التساؤل و معرفة السببية والأخيرة هي الناتج الحقيقي للجهل فبها تم قتل أجيال سابقة و أخري في طور التكوين .. و توقف إبداعنا عند إبتكار طرق كثيرة تستنفذ كل مواردنا في إستهلاك و إنتاج شكلي.

فهل نعيد للقراءة و للتدبر أدوارهم القيادية لقيادة حضارة جديدة للقيم الفاعلة كما أرادها خالقها .. ؟

[1]البوصلة القرأنية للدكتور أحمد خيري العمري

[2]لقمان آية 20

المفكر عصام زايد يكتب : جدار الجهل معول هدم حضارتنا 1

بقلم / عصام زايد

Exit mobile version