الوجه الآخر لسيدة القطار ..
بقلم / اللواء بهاء البجاوي
إن واقعة القطار والتى كان أبطالها سيدة القطار والمجند ورئيس القطار لها وجه آخر يحمل معانى قوية وخطيرة بعيدة تماماً عن الصخب الإعلامى الذى صاحب الواقعة.
وهذا الوجه الآخر وتلك المعانى التى يحتويها تتعلق بطبيعة العلاقة بين الشعب والجيش. فالعلاقة بين الشعب المصرى وقواته المسلحة بالفعل هى علاقة من نوع مُتفرد وفريد وربما نادراً ما تجد مثل هذه العلاقة بين جميع شعوب العالم وجيوشها.
وهى علاقة قديمة منذ بدء التاريخ وكانت دائماً بمثابة حبل المشنقة لمن يريد أن يعبث فى هذه العلاقة فبعد أن ينخدع ويتصور أنه قد نجح فى الوقيعه بينهما، إذا به يفيق فجأة ليجد نفسه قد قام بلف حبل هذه المشنقة حول عنقه دون أن يشعر.
وعلى مدار العصور نجد أن جميع من حاول تعكير صفو هذه العلاقة للوقيعة بين الشعب والجيش.. أو إهانة الشعب أمام أو باستخدام الجيش كوسيلة أو العكس إهانة الجيش أمام أو بإستخدام الشعب كوسيلة. نجد أن كل هؤلاء سواء كانوا ملوك أو أمراء أو سلاطين أو رؤساء حكموا مصر أو جاؤوها معتدين دائماً ما كان تصرفهم هذا هو سبب سقوطهم ونهايتهم المأساوية.
وذلك لأن كُلاً من الشعب والجيش لا يقبل الإهانة للآخر ويرفض تماماً وبشكل قاطع أن يُستخدم كأداة لإهانة الآخر أو أن يقف مكتوف الأيدى أمام هذه الإهانة ..بل يكون كلاهما هو الدرع الواقى للآخر دون أن يطلب ويجده السند الذى يلجأ إليه فى وقت المِحنّ .والسبب فى ذلك أن الجيش من الشعب ويوجد لكل أسرة جندى أو ضابط يمثلها فى هذا الجيش.
وقد تجلى هذا المعنى كثيرا عبر تاريخ مصر، وخلال الأعوام الماضية ظهر ذلك بوضوح فى ثورة ٣٠ يونيو عندما ابى الجيش الإهانة للشعب من الجماعة الإرهابية التى استولت على الحكم فى غفلة من الزمن.. ورفض أن يقف موقف المُتفرج.. وبدون طلب وجد الشعب جيشه ينتفض مدافعاً عنه وحامياً له من بطش هذه الجماعة ليسترد له كرامته .وكانت النتيجة هى تلاحم الإثنين وردع الباغى وايقاع أشد العقوبة بهذه الجماعة الإرهابية واسترداد حكم مصر .
وإذ بنا نشاهد نفس المشهد ولكنه معكوس هذه المره فى الأسبوع الماضى أثناء واقعة تطاول رئيس قطار على أحد جنود قواتنا المسلحة بسبب ثمن التذكرة.. (( وعلى الرغم من التناول الخاطئ لهذه الواقعة بسبب المغالاة فى مظاهر الاحتفاء والتكريم والذى أفقدها رونقها )) إلا أن الواقعة فى حد ذاتها قد أكدت على نفس معنى ( الدرع والسند ).. حيث جسّد تصرف ورد فعل سيدة القطار عندما رأت أن هناك إهانة تُوجه إلى الجيش المُتمثل فى الجندى.. جسّدَ إحساس الشعب بجيشه ورفضه التام لهذه الإهانة ورفضه أن يصبح مُتفرجاً وسارع بدون طلب فى الوقوف فى وجه الباغى ( رئيس القطار ) ليصبح بذلك هو السند والدرع الواقى للجيش..
وكما رد الجيش للشعب هيبته من الإخوان بعد ٣٠ يونيو.. فقد رد الشعب للجيش هيبته فى هذه الواقعة.. ونال ( رئيس القطار ) أشد العقاب..
وواقعة القطار وأحداث ثورة ٣٠ يونيو ما هم إلا نموذج من مئات الأحداث التى مرت على مصر وأكدت على هذا التلاحم.
ليكون هذا التلاحم الذى يتجلى فى تلك المواقف درس لمن تُسوُّل له نفسه ( أياً ما كان ) وسواء كان بالداخل أو الخارج أن يحاول اللّعِب فى هذه المنطقة الخطِرة.
وكأن كُلاً من الشعب والجيش يقولان له ممنوع الإقتراب أو التصوير،وإلا
سوف ترى الوجه الآخر الذى ينطبق عليه حينئذ ( يا داخل بين الشعب وجيشه ما ينوبك إلا كسر رقيتك).