الوعي الانتقائي على منصات التواصل: هل نعيش داخل فقاعة رقمية؟

بقلم / د. هناء خليفة
في العالم الرقمي، لا يرى الإنسان كل شيء… بل يرى ما تشاء له الخوارزميات أن يراه.
المستخدم يدخل منصة التواصل، معتقدًا أنه مطّلع على كل الآراء، لكنه في الحقيقة يعيش داخل فقاعة معلوماتية تحاصر وعيه وتوجّهه.
هذه الحالة تُعرف بـ”الوعي الانتقائي”، وهي إحدى أخطر نتائج تفاعلنا اليومي مع المحتوى الرقمي، حيث يتشكل الوعي تدريجيًا بما نحب أن نسمعه، لا بما يجب أن نعرفه.
*ما المقصود بالوعي الانتقائي والفقاعة الرقمية؟
الوعي الانتقائي هو ميل طبيعي لدى الإنسان للتركيز على المعلومات التي تُعزز قناعاته المسبقة، وتجاهل ما يخالفها.
ومع تطور خوارزميات الذكاء الاصطناعي، باتت المنصات الرقمية تعيد تشكيل وعي الأفراد بطريقة ناعمة وغير مباشرة، من خلال إنشاء “فقاعات رقمية” (Filter Bubbles) تعرض فقط ما يتفق مع سلوك المستخدم واهتماماته، مما يكرّس وعياً مشوّهًا ومنغلقًا على ذاته.
*الواقع بالأرقام:
تشير دراسة لمعهد Pew Research نشرت عام 2022 إلى أن 65% من المستخدمين لا يتعرضون لآراء سياسية مختلفة على منصات التواصل، مما يُشير إلى فقر التنوع في المحتوى المعروض، وانغلاق دوائر الوعي.
كما كشفت دراسة لـMIT أن الأخبار التي تُعزز المعتقدات تنتشر بسرعة تفوق الأخبار المعارِضة بـ6 مرات، مما يسهم في تضخم “الوعي الزائف” داخل المجتمعات الرقمية.
*التأثيرات الخطيرة على الوعي الجمعي:
١- انغلاق فكري وتكوين وعي مغلق يؤمن بأن ما يراه هو الحقيقة الوحيدة.
٢- رفض الرأي الآخر وتعميق فجوة الحوار المجتمعي.
٣- تضليل الوعي الجماعي من خلال تضخيم قضايا وإخفاء أخرى.
٤- سهولة اختراق وعي المستخدم وتوجيهه سياسيًا أو ثقافيًا أو اقتصاديًا.
*كيف نحمي وعينا من الفقاعة الرقمية؟
الخروج من الفقاعة الرقمية لا يتحقق تلقائيًا، بل يتطلب وعيًا نقديًا متجددًا:
١- تنويع مصادر المعلومات عن وعي، وليس فقط عبر خوارزميات المنصة.
٢- تقصّد متابعة الآراء المختلفة كتمرين على توسيع الوعي.
٣- تحليل المحتوى بعين ناقدة بدلًا من التفاعل العاطفي.
٤-إدراك أن الوعي مسؤولية شخصية ومجتمعية، لا منتَج جاهز يُقدَّم لنا.
* وختاماً: الوعي هو الحصن الوحيد أمام الفوضى الرقمية
في عصر الإعلام الرقمي، لم تعد المعركة على الحقيقة فقط، بل على الوعي ذاته: من يُشكّله؟ كيف؟ ولمصلحة من؟
أن نعيش داخل فقاعة رقمية، ونعتقد أننا نملك وعيًا شاملًا… هو أخطر أشكال الخداع.
ولهذا، فإن بناء وعي نقدي، منفتح، ومتزن أصبح ضرورة، لا رفاهية.“`