اَلْعَقِيدَة وَأَثَرِهَا فِي بِنَاءِ اَلْفَنِّ وَالْإِبْدَاعِ

بقلم / مدحت مرسي
عِنْدَمَا نَتَكَلَّمُ عَنْ اَلْعَقِيدَةِ يَجِبُ أَنْ نَتَذَكَّرَ … صِفَات اَلْعَقِيدَةِ اَلْقَوِيَّةِ
* هِيَ عَقِيدَةٌ رَبَّانِيَّةٌ . . . هِيَ اَلْمَنْهَجُ اَلْأَخِيرُ لِلْحَيَاةِ اَلْبَشَرِيَّةِ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ
* هِيَ يُقَام عَلَيْهَا صَرَّحَ كَبِيرٌ وَهُوَ صَرَّحَ اَلشَّرِيعَةَ
*وَهِيَ تَكْفُلُ سَعَادَةَ اَلْإِنْسَانِ فِي اَلدَّارَيْنِ
*وَهِيَ تَجْمَعُ بَيْنَ : الروح ،
-اَلرُّوحِ وَالْجَسَدِ فِي نِظَامِ اَلْإِنْسَانِ
-وَالْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ فِي نِظَامِ اَلْكَوْنِ
-وَالْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ فِي نِظَامْ اَلدِّينْ
وَهُنَا نُقْطَةُ مُهِمَّةِ
أَلَّا وَهِيَ أَنَّ اَلْأَعْمَالَ كُلَّهَا وَالتَّصَرُّفَاتُ جَمِيعًا مَبْنِيَّةً عَلَى اَلْعَقِيدَةِ وَانَعَكَاسَاتَهَا
*ومَنْ هُنَا كُلَّ عَمَلٍ لَا يَرْتَبِطُ بِالْعَقِيدَةِ فَلَا وَزْنَ لَهُ
وَاَلْعَقِيدَةُ هِيَ جُذُورُ هَذَا اَلدِّينِ وَمَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ اَلْجُذُورِ ضَارِبَةً فِي أَعْمَاقِ اَلْأَرْضِ فَإِنَّهَا لَنْ تَحْمِلَ فُرُوعُ هَذِهِ اَلشَّجَرَةِاَلْبَاسِقَةِ
فَالْعَمَلُ اَلْعَامُّ وَالصَّالِحُ خَاصَّةٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِيمَانٍ مُتَمَكِّنٍ فِي جَوَانِبِ اَلنَّفْسِ وَأَغْوَارِهَ.وَأَعْمَاقِ اَلْفُؤَادِ.وَمَسَارِبِ اَلضَّمِيرِ
*وَنُحِبُّ أَنْ نُنَوِّهَ هُنَا لِشَيْءِ
أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اَلسَّهْلِ أَنْ تُنْقُلَ اَلْعَقِيدَةُ اَلرَّبَّانِيَّةُ بِوَسَائِلَ بَشَرِيَّةٍ وَتَفْكِيرٍ إِنْسَانِيٍّ ..
كَمَا أَنَّكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْقِلَ اَللَّبَنَ اَلطَّاهِرَ بِكَاسٍ أَثَرُهَا خَمْرٌ
وَأَيْضًا لَيْسَ مِنْ اَلسَّهْلِ أَنَّ تَنَقِلَ اَلتَّصَوُّرِ اَلْإِسْلَامِيِّ اَلصَّافِي بِقَوَالِبَ فَلْسَفِيَّةٍ جَافَّةٍ فَهِيَ سَتُطْفِئُ أَنْوَارَهُ وَإِشْعَاعَهُ وَتَقْتُلُهُ
وَمِنْ هُنَا نَدْخُلُ لِلْمَوْضُوعِ اَلْفَنِّ وَالْإِبْدَاعِ
فَمِنْ اَلتَّصَوُّرَاتِ اَلْفَلْسَفِيَّةِ اَلْفَاسِدَةِ مَا يَقُولُونَهُ عَنْ اَلْفَنَّانِ اَلْمُبْدِعِ وَالتَّقَدُّمِيِّ اَلْمُتَطَوِّرِ أَنَّهُ كَائِنٌ أَثِيرِيٌّ مُقَدَّسٌ ذُو جَنَاحَيْنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْتَكِرَ وَيُبْدِعُ قَبْلَ أَنْ يُلْهِمَ فَيَفْقِدُ صَوَابُهُ وَعَقْلُهُ
ودَامَ اَلْإِنْسَانُ يَحْتَفِظُ بِعَقْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبْدِعَ وَيَبْتَكِرُ وَيَخْتَرِعُ فَنًّا وراجت عبارة سيئة تقول: ” اَلْفُنُونِ جُنُون ”
نعم إنَّ عَبْقَرِيَّةَ اَلْفَنَّانِ ذَكَاءً وَلَكِنْ لَيْسَ كَأَيَّ ذكاء..اِنْفِعَالٍ وَلَكِنْ لَيْسَ كَأَيَّ اِنْفِعَالَ ..إِنْتَاجٍ وَلَكِنْ لَيْسَ كَأَيَّ إِنْتَاج
هُوَ اِنْفِعَالٌ ذَكِيٌّ مُنَظَّمٌ دُونَ اِنْفِعَالٍ عَمِيقٍ يَقْتُلُ صَاحِبَةً أو يمرضه وَإِنْتَاجًا وَاقِعِيًّا حَيًّا قَابِلاً لِلتَّطْبِيقِ وَنَافِعًا لِلْمُجْتَمَعِ
وَهُنَا اَلْمَدْخَلُ اَلْمَطْلُوبُ اَلْخَاصُّ مِنْ اَلْمَوْضُوعِ
كَثِير مِنْ يَطَّلِعُونَ وَيُقْرَؤُونَ وَيُحْفَظُونَ وَلَكِنْ قَلِيلاً هُمْ اَلْفَنَّانُونَ اَلْمُبْدِعُونَ
أَيُّهَا اَلْأَحِبَّةُ اَلْكِرَامُ
هُنَاكَ أَشْخَاصُ مُنْتَظِمُونَ غَايَةً فِي اَلِانْتِظَامِ فِي أَفْكَارِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ سَوَاءٌ مَا كَانَ يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالْفِكْرِ أَوْ اَلْحَيَاةِ اَلْعَامَّةِ فَهْم فِي اَلْغَالِبِ يُنَظِّمُونَ أَفْكَارًا لَيْسَتْ أَفْكَارَهُمْ وَأَعْمَالٌ لَيْسَتْ أَعْمَالَهُمْ
هَؤُلَاءِ يُقَدِّسُونَ نِظَامُ اَلنَّمْلِ وَالنَّحْلِ فِي بِنَاءِ اَلْخَلِيَّةِ هَذَا كُلُّ مَا يَرَوْنَهُ اَلنِّظَامَ وَهِيَ غَايَتُهُمْ فَهُمْ لَا يَرَوْنَهُ وَسِيلَةً يُسْتَعَانُ بِهَا لِاقْتِبَاسِ كَلِمَةِ اَلسِّرّ فَتَخْرُجُ مِنْ فَمِ شَاعِرِ أَوْ رِيشَةِ فَنَّانِ أَوْ إِبْدَاعِ كَاتِبٍ
فَهَذِهِ اَلْأَشْيَاءُ لَا يَفْهَمُهَا إِلَّا مِنْ أَعَدَّ اَلْعُدَّةَ لَهَا وَتَرَبَّى عَلَى اَلِاسْتِنْتَاجِ وَالْإِبْدَاعِ وَمُوَاجَهَةِ اَلْحَقَائِقِ
نَعَمْ بدُونُ اَلذَّكَاءُ يَقْتُلُ اَلِانْفِعَالُ صَاحِبَهُ أَوْ يُمَرِّضُهُ فَلَابُدُّ مِنْ ذَكَاءِ مُتَفَوِّقٍ لِكَيْ يَسْتَطِيعَ اَلشَّخْصُ أَنْ يَجِدَ حَلٌّ مُنَاسِبٌ لِلْمُشْكِلَاتِ اَلَّتِي يُوَاجِهُهَ فَيُبْدِعُ فِي اِسْتِخْرَاجِ اَلْمَعَانِي مِنْ اَلنُّصُوصِ وَطُرُقٍ جَدِيدَةٍ لِلتَّطْبِيقِ
كَلِمَةَ اَلسِّرِّ ..إِنَّ اَلْعَبْقَرِيَّ اَلْفَنَّانَ اَلْمُبْدِعَ تَنْتَظِمُ عَلَاقَتَهُ بِمُجْتَمَعِهِ اَلْخَاصِّ فِي صُورَةِ تَعَارُضٍ وَاخْتِلَافٍ يَصْحَبُهُ شُعُورٌ بِالْحَاجَةِ إِلَى إِنْهَاءِ هَذَا اَلْخِلَافِ وَإِقْنَاعِ اَلْآخَرِينَ بِوُجْهَةِ نَظَرِهِ
وَالسُّؤَالُ اَلطَّبِيعِيُّ ..اَلْآنِ لِمَاذَا فَتَحَتْ هَذَا اَلْمَوْضُوع ….اَلْإِلْهَام
يَجِبُ أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ أَيَّ عَمَلٍ فَنِّيٍّ مُبْدِعٍ لَهُ مَاضٍ فِي نَفْسِ صَاحِبِهِ تَجَارِبَ قَدِيمَةً تَرَكَتْ أَثَرًا عَمِيقًا فِي نَفْسِهِ قَدْ يَخْتَفِي مِنْ اَلسَّطْحِ وَلَكِنْ لَا يَعْنِي هَذَا أَنَّهَا اِنْتَهَتْ
لِذَلِكَ كَانَتْ اَلذَّاكِرَةُ هِيَ جُذُورُ اَلْعَبْقَرِيَّةِ اَلْمُبْدِعَةِ فَهِيَ تُمَكَّنَ اَلْمُبْدِعُ مِنْ أَنْ يَصِلَ لَحْظَةَ اَلْإِدْرَاكِ اَلْمُبَاشِرِ اَلَّتِي تُسَمَّى اَلْإِلْهَامَ
فَمًا يُمَيِّزُ شَخْص عَنْ آخِرٍ هُوَ نَوْعُ ذَاكِرَتِهِ وَالطَّرِيقَةُ اَلَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا فِي حَيَاتِهِ
فَهَذِهِ اَلذَّاكِرَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ ذَاكِرَةٌ صَرِيحَةٌ شُعُورِيَّةٌ أَوْ ذَاكِرَةٍ خَفِيَّةٍ لَا شُعُورِيَّةً هِيَ اَلَّتِي تَنْتِجُ حَصِيلَةُ اِطِّلَاعَاتِهِ وَتَمْرِينَاتهُ وَتَجَارِبَهُ وَتَحَدَّدَ لَهُ اَلطَّرِيقُ اَلَّذِي يَسْلُكُهُ
وَلَا يَكُونُ اَلْفَنَّانُ مُبْدِعًا مَا لَمْ يَتْرُكْ أَثَرًا فِي مُجْتَمَعِهِ
وَمِنْ هُنَا يَبْدَأُ اَلْإِبْدَاعُ وَالْعَبْقَرِيَّةُ اَلْفَنِّيَّةُ مِنْ اَلْمُجْتَمَعِ وَتَنْتَهِي فِي اَلْمُجْتَمَعِ
تَبْدَأُ مِنْ اَلشُّعُورِ بِالِاخْتِلَافِ وَالْخِلَافِ عَنْ اَلْآخَرِينَ فِي أَفْكَارِهِمْ وَتَصَوُّرَاتِهِمْ وَغَايَاتِهِمْ وَتَنْتَهِي بِتَوْجِيهِ هَذِهِ اَلْعَبْقَرِيَّةِ إِلَيْهِمْ
مدحت مرسي
تربوي وخبير تنمية بشرية