الصراط المستقيم

بين التوكل والتواكل… الألف وحدها لا تصنع الفرق!

 ✍️بقلم/محمد أحمد نجم 

حين نسمع كلمتي التوكل والتواكل، قد يخيّل للبعض أن الفرق بينهما لا يتعدى حرفًا في اللفظ، لكن الحقيقة أن الفرق بينهما أبعد من ذلك بكثير، بل هو فرق بين الوعي والغفلة، بين الثقة بالله والعمل وبين الاتكالية والكسل.

التوكل: عبادة قلبية لا يراها أحد

التوكل على الله ليس مجرد شعور عابر، بل هو عبادة خفية، لا يُدركها إلا من أخلص قلبه لله وفهم معنى الإيمان الحقيقي. قال تعالى:

“وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ” [الطلاق: 3]
فالله هو الكافي، والمُعين، لكن التوكل لا يعني التراخي ولا التنصل من المسؤولية، بل له شروط وضوابط يجب أن تتوافر حتى يتحقق.

فالمؤمن المتوكل لا يترك السعي، ولا يركن إلى الأحلام الوردية، بل يأخذ بالأسباب، ويفعل كل ما بوسعه، ثم يفوّض أمره لله عز وجل، على يقين أن ما كتبه الله له هو الخير، حتى وإن خالف ما يشتهي أو يتمناه.

قال تعالى:

“قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ” [التوبة: 51]

التواكل… كسل مُقنّع باسم الدين

أما التواكل، فهو أن يُلقي الإنسان بنفسه في دائرة الكسل واللامبالاة، متذرعًا بالإيمان، متكئًا على الأماني، منتظرًا أن تأتيه المعجزات من السماء وهو لم يُحرّك ساكنًا، ولم يبذل جهدًا.

المتواكل يظن أنه متوكل، لكنه في الحقيقة اتخذ من “الثقة بالله” شماعة لفشله وعجزه، وترك ما يجب عليه فعله، ناسياً قول الفاروق عمر بن الخطاب:

“لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة”.

الفرق الجوهري بين المتوكل والمتواكل

  • المتوكل يعمل ويجتهد، ثم يسلم الأمر لله، واثقًا أن ما كتبه الله له خير.

  • المتواكل يجلس وينتظر، ويزعم أن الرزق سيأتيه بلا سعي ولا تعب.

وقد بيّن النبي ﷺ هذا الفارق العظيم بقوله:

“لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا”. [رواه الترمذي]
فالطير لا تبقى في أعشاشها تنتظر الرزق، بل تخرج وتسعى وتبذل جهدها، وهي على يقين أن الله رازقها.

ثمرات التوكل.. معية الله

إن أعظم ثمرة للتوكل الحقيقي، هي معية الله سبحانه وتعالى. ومن كان الله معه، فهل يخشى شيئًا؟
تأمل قول النبي ﷺ لأبي بكر الصديق يوم الهجرة وهما في الغار:

“ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟” [رواه البخاري]
كلمات تزلزل القلوب وتُعلّمنا أن التوكل مقام رفيع لا يناله إلا من طهّر قلبه وثبت يقينه.

رسالة أخيرة… كن متوكلًا ولا تكن متواكلًا

إن أردت أن ترى التغيير في حياتك، فابدأ بالتوكل على الله كما يجب، واعلم أن المعجزات تبدأ من قلبك، من لحظة الصدق، ومن عملك وسعيك. لا تنتظر أن يأتيك النجاح على طبق من ذهب، بل خذ بالأسباب، وارتقِ بعملك، وتسلّح بإيمانك.

“الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل”
“فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم” [آل عمران: 173-174]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى