بقلم: د. أمين رمضان
“هذه مجرد تأملات شخصية، ليس الهدف فرضها على أحد، أو إثبات أنها الحق، لكنها دعوة للآخرين لتحفيز آلة التأمل الشخصي عندهم، بعيون عالمهم هم لا عالم غيرهم”
لكل عمل غاية منه، بل إن الحياة كلها لها غاية كبرى.
والإنسان قد يدرك الغايات أو لا يدركها، وعدم إدراكه لها، لا يعني أنها غير موجودة.
والغايات إما أن تكون مادية أو معنوية أو مادية ومعنوية في نفس الوقت مثل مشاعر السعادة التي يشعر بها الإنسان عندما يحقق إنجاز يحصل به على شهادة أو كأس أو مال أو لقب.
وكل منا عاش هذه اللحظات ويعرفها جيداً.
عندما تغيب الغاية تصبح الحياة أو العمل بلا معنى، وعادة ما يغيب الشغف والدافع والسعادة عن الإنسان، وتتحول الحياة إلى حركة ميكانيكية لآلات بشرية، أكثر منها حركة إنسانية لكائن إنساني بكل ما يحمل داخله من كنوز لا تقدر بثمن، مثل عقل وقلب ونفس وروح وجسد.
في كتابه “العادات السبع للناس الأكثر فاعلية”، ذكر المؤلف ستيفن كوفي أن العادة الأولى هي أن يكون الهدف أمام عينيك قبل أن تبدأ العمل، لأن الهدف هو الغاية من العمل، وبالتأكيد فإن الهدف مقصود ليحقق غاية أخرى من وجودة، وهذه الغاية تختلف من شخص لآخر، بحسب الغاية الكبرى لحياته والتي تحددها قيمه الجوهرية ومعتقداته العميقة، أو هويته ورسالته.
وعندما يكون الدافع لهذه التأملات هو شعيرة من شعائر المسلمين، وهي صيام شهر رمضان،
وعندما نعلم أن الصيام بصور مختلفة موجود في شعائر الديانات السماوية، والفلسفات البشرية، إلا أنني سأقتصر في تأملاتي على الانطلاق من نور شهر رمضان، بكل تجلياته الإيمانية والتربوية للإنسان، ليفيض خيره على الحياة كلها عندما تتحقق الغاية من صيامه.
السؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه في هذا السياق هو:
هل للشعائر في الإسلام غايات؟ ولماذا؟
عندما نتأمل بعض الآيات التي تتحدث عن الشعائر في القرآن مثل:
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة ١٨٣]
﴿ٱتۡلُ مَاۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ﴾ [العنكبوت ٤٥]
﴿ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرࣱ مَّعۡلُومَـٰتࣱۚ فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُوا۟ مِنۡ خَیۡرࣲ یَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُوا۟ فَإِنَّ خَیۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [البقرة ١٩٧]
وهكذا بقية الشعائر…
نجد أنه كل شعيرة تنتهي بغاية منها
فالصيام غايته التقوى
والصلاة غايتها محاربة الفحشاء والمنكر
والحج غايته التزود بخير الزاد وهو التقوى
عندما نتأمل أكثر، يمكن أن نقول إن ثواب الشعائر عند الله الشعائر لمن يؤديها ويحقق غاياتها، أما الغايات منها فهي للمجتمع كله، لسعادته وأمنه وازدهاره .
باختصار الغاية الكبرى من هذه الغايات هي ازدهار الحياة كلها.
فهل واقعنا الذي نعيشه يدل على ذلك؟…
للتأملات بقية بإذن الله…