احدث الاخبار

تأمُلات مُسافر (٤) التكامل.. بقلم : الدكتورأمين رمضان

صورة تعبيرية

إذا كان للتنوع جماله وبهاؤه، فإن حياته وبقائه في تعاونه وتكامله، هذا التكامل في عالم الحيوان والنبات والكون محكوم بالسنن الربانية أو القوانين الطبيعية كما يسميها العلماء، لأنها مسخرة ومستسلمة في آن واحد، مسخرة للإنسان – (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم)  سورة البقرة (٢٩) – ومستسلمة لهذه السنن – (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) سورة آل عمران (٨٣)، وهكذا تحول التنوع إلى سيمفونية حية عندما عزف أنغامه على أوتار التكامل أو التعاون.

التنوع في عالم الإنسان ظاهر جداً، وهو نعمة، لكن الإنسان جعل من هذا التنوع في معظم الأحيان نقمة، ليس على الإنسان فقط ولكن على الأرض كلها، لأن الإنسان يملك حرية الاختيار، ويملك في داخله الخير والشر، والناظر على قارات الدنيا لا يخفى عليه إدراك ذلك، فالدمار ظاهر للعيان، ورائحة الدم تنبعث من كل مكان، والموسيقى الجنائزية التي تعزفها آلات الموت والفساد والاستبداد، ولا يستمع أحد لصراخ أمنا الأرض أو بكائها على حالنا الذي وصلنا إليه، أقربها حادث لاس فيجاس الذي حدث بالأمس، وراح ضحيته حوالي ٥٠ قتيل و ٢٠٠ جريح، طبقا للإحصائيات المعلنة حتى ذلك الوقت، شخص أمريكي واحد يقتل ويصيب هذا العدد الضخم بدم بارد.

وأنا في ماليزيا لفت نظري بينما أتصفح جريدة ستارز Stars الماليزية، بعد أول يوم من وصولنا جزيرة لانكاوي Langkawi الماليزية، صورة لمسيرة من الماليزيين على إحدى صفحات الجريدة، ضمت المسيرة أعراق مختلفة من الماليزيين، صينيين وهنود ومالاي وغيرهم، كانوا يحتفلون بالتنوع والتعايش معاً تحت علم واحد هو علم ماليزيا، قلت لنفسي: متى يمكن أن نرى مثل هذه المسيرة في أوطاننا؟!!!

لعن الله كل من صب النار والبنزين على طوائف أي شعب، وأجج نار الإحن والضغائن لتدور رحى الحرب المعلنة وغير المعلنة بينهم، ليعيش في هذا الجو المستبدين والفاسدين ليجنوا الملايين ويستقر وجودهم، متحولين إلى مصاصي دماء للأوطان والشعوب، لكنه وجود على فوهة بركان.

حان الوقت ليعرف كل شعب أن سفينة الوطن لن تسير إلا بتعاون طوائف الوطن كلها معاً، وأنه مستحيل أن يتقدم الوطن ويزدهر ونار الكراهية والبغضاء والانتقام متأججة في قلوب أبناءه تجاه بعضهم بعضاً.

آن للشعب أن يعي عدوه الحقيقي الذي يشعل نيران الفتن بدلا من الانشغال بإطفائها، وعندما يطفئ نار مشتعلة، يشعلون له أخرى، ليظل في نفس الدوامة، مُغَيَّبْ.

عندما أجد في وطني مسيرة تحتفل بالتنوع والتكامل بين طوائف الوطن المختلفة، كما رأيتها في ماليزيا على صفحات الجرائد، يكون الوطن قد بدأ يسير في الطريق الصحيح، وطن التنوع.

الدكتور أمين رمضان
aminghaleb@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.