الصراط المستقيم

تداعيات خوارج الزمان على الانتماء للأوطان

بقلم / ا. د. أحمد كريمة *

فى التشريع الإسلامى الإنتماء المسلم للدين الإسلامي لا يمنع منة انتسابه إلى قوميته وموطنه ، وفى الحياة العملية فى صدر الإسلام ودعوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد أشخاص ينتسبون مع إسلامهم إلى أوطانهم مثل : سيدتنا مارية القبطية – رضى الله عنها –  وسادتنا : سلمان الفارسى – رضى الله عنه – ، وصهيب الرومي ، وبلال الحبشى ، والنجاشى ، وغيرهم – رضى الله عنهم – وقدم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الطيبة فى محبته لمولده المكاني ” مكة ” ومهاجره الدعوي ” المدينة ” وهذا ثابت بمرويات صحيحة ووقائع وشواهد فى حوادث وأحداث معاصرة فإن فرق منسوبة إلى الإسلام تهون أو تحاول محو الهوية الوطنية ، بمزاعم باطلة ، فمن ذلك :

أ ) جماعة الإخوان : فى أدبياتهم ” الوطن حفنة تراب عطن وعفن ” هذا ثابت وموثق لمرشديهم ، وعدم الاعتداد بحدود الوطن وخصائصه الدستورية والجغرافية والأمنية ، على خلاف منهج صحيح الإسلام فى تقرير أن العالم شعوب وقبائل ، قال الله – عز وجل – ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” – الآية 13 من سورة الحجرات – ، ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ” – الآية 1 من سورة النساء – ، وفى الحديث النبوى الشريف : ” يا أيها الناس : إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، وليس لعربى على أعجمي ، ولا لعجمي على عربى ، ولا لأحمر على أبيض ، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى ” – أخرجه الشيخان – ، وابقي المسلمون الأوائل على أسماء دول وشعوب وعلى حضاراتهم أمثال : العراق ” حضارة بابل ” ، الشام ” الحضارة الفينيقية ” ومصر ” الحضارة المصرية القديمة ” ولم يغير أسماء موطن النشأة تحت مسمى جديد بل ابقى على الحجاز واليمن وعمان ، وقطر والبحرين وغيرها ، فالزعم الإخواني فى التنكر للوطن مخالف تماماً لما استقرت عليه الأمور تاريخيًا ودستورياً .

ب ) فرق المتسلفة : يكادون عمل مرجعية لموطن النشأة فى الخليج وشبه الجزيرة العربية فالمرجعية الدينية عندهم لأشياخ موطن النشأة فقط ، ولا يعتدون بغيرهم ، مع تكفيرهم فى الماضى ، لما يضيق المقام عن ذكره لدول وشعوب مجاورة لموطن نشأتهم ! وفى الوقت الراهن يجيشون الاتباع لموطن النشأة على أنه وحدة ” صحيح الاعتقاد ” و ” تطبيق الشريعة” حتى مع تغير الأحوال من الفكر الوهابي إلى ” الترفيه ” والأسرة واحدة ! ، ومنذ وقت قريب كانوا يعدون أكياساً وصناديق للفتوى فى مساجد يسيطرون عليها لإرسالها خارج مصر إلى مرجعياتهم للأجوبة ! ، وثبوت ونهاية شهر رمضان ، وما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لهم وقنوات إعلامية كلها تتعصب لموطن النشأة سالف البيان ، وما تنشره إصدراتهم ” مجلات ودوريات ونشرات : مؤسسات متسلفة ” كلها تسير فى مخطط : هدم مؤسسة الأزهر الشريف وأعلامه ورموزه لصالح موطن نشأتهم باشاعات وتدليسات ، ووصلت الأمور بهم إلى الاتهام ” زيغ وفساد العقيدة ” ومؤداه إلى التكفير والإخراج عن الملة لعدم تجزؤ العقيدة الإسلامية ، قال الله – عز وجل – : ” خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ” – سورة التغابن – ، وطمس مصطلح ” العقيدة الإسلامية ” ” الإيمانيات الإسلامية ” إلى ” العقيدة السلفية التي ابتدعها ابن تيمية وابن القيم – غفر الله لهما – ، محمد بن عبد الوهاب النجدي ووكلاؤه ، المخالفة فى مجملها لصحيح الإسلام بالإضافة إلى ترويج الأزياء البدوية : النقاب للنساء ، والعترة للرجال ، على أنها زى الإسلام تدليسًا وتزويرًا ! .

ج ) تنظيم الدولة الإسلامية ومن يماثله : من أدبياتهم القضاء على القوميات للشعوب والدول بدعوى حكم سياسي موحد ” الخلافة ” و ” دولة دينية ” تحاكي ما فى القرون الوسطى لمسيحيين ! والتصور ” الإخواني ” ذاته فى التنكر للوطن .

وعليه : فإن هذه الاتجاهات تعادي المواطنة ، ومدنية المجتمع ، والانتماء الوطني ، لأفهام قاصرة ، وحسابات خاطئة ، والمستفيد الأول قوى مخابراتية عالمية تريد تجزؤ المجزئ بإشعال صراعات وقودها أوطان المسلمين .

والله الهادي إلى سواء السبيل

*الاستاذ الدكتور  أحمد محمود كريمه استاذ الفقه والشريعة الاسلامية بكلية الدراسات الاسلاميه والعربية جامعة الأزهر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.