أراء وقراءات

جان باتيست دي لاسال 

بقلم الفنان / أمير وهيب 

 أجزم بيقين أن الابتكار يخلق مجاله ، بمعنى أن اي ابتكار يتحول تدريجيا لكي يصبح مادة هامة نافعة للاستخدام و خلق فرص عمل.

مثال : شخص يدعى ” ماركوني ” ينسب له اختراع الراديو ، فيتحول الراديو الي جهاز له مصانع لتصنيعه و الي محطات بث و قنوات و استوديوهات و مذيعين و عاملين و جمهور مستمع لا يمكن حصره و لكن من المؤكد أن الراديو اصبح مجال يدور في فلكه ناس عددهم بالملايين.

و الكلام ينطبق على التليفون و السيارة و قائمة لا يمكن حصرها ، بدأت ب ” فكرة ” ، من عالم في معمله أو عامل في مصنعه أو رسام في مرسمه أو كاتب في مكتبه.

و كلها تنسب لشخصيات معروفة باسمها و منهم من تم تسجيل الابتكار على اسمه مثل ، كاريير في التكييف ، و بيرد للتليفزيون و اوتيس المصعد و غيرهم.

و هناك شخصيات ، قامت بتعديل الابتكار المثيل ليصبح فيما بعد على شكل جديد كما لو كان لم يسبق له مثيل.

و اشهر نموذج جماهيري هي رياضة كرة القدم ، كرة القدم التي تمارس اليوم بهذا الشكل لم تكن منذ البدء على هذا النحو ، بل كانت تمارس و لكن لا أحد يستطيع أن يجزم متى و لمن تنسب فكرة مباراة في كرة القدم. ولكن المعلومة المؤكدة أنه الاتحاد الانجليزي في سنة ١٨٦٣.

هذه المقدمة استهدافا لإيضاح اصل فكرة ” المدرسة ” بشكلها الحالي ، فصل ودكك تلاميذ وسبورة و مدرس يشرح.

 * الفكرة و التنفيذ هي لشخص فرنسي ، على ما يبدو ، و هذا هو المؤسف ، أن هناك نسبة كبيرة من الإعلاميين يذكرون اسم شخص أمريكي بدلا منه ، متوهمين ، استنادا لقوة امريكا ، على أنه أصل الفكرة.

* هذا الشخص الفرنسي اسمه ” جان باتيست دي لا سال ” ( ٣٠ أبريل ١٦٥١ – ٧ ابريل ١٧١٩ ).Jean Baptiste De La Salle

* أسس جان باتيست دي لا سال أول مدرسة معلمين في سنة ١٨٦٥ و تكتب بالإنجليزية Normal School

 وكان رائدا في أساليب التعليم الحديثة ، مما جعله شخصية بارزة في تاريخ التعليم. كما أسس مجتمعا من المعلمين وشبكة من المدارس للفقراء، مما كان له تأثير كبير على علم التعليم الحديث و المعروف بللغة الإنجليزية بـ Pedagogy ومعناه فن و علم التعليم.

* اي أن اول خطوة في التعليم ، اعداد ” معلم ” لذلك ، و اكرر ، أهنه أسس أول مدرسة مخصصة لتدريب المعلمين، وكان ذلك ابتكارا رائدا في مجال التعليم.

* ” جان باتيست دي لاسال ”  رائد علم التربية الحديث و يعتبر أبا علم التربية الحديث لابتكاراته التعليمية، والتي تضمنت هيكلة الفصول الدراسية حسب القدرات، واستخدام اللغة العامية في التدريس، وتوفير التعليم الديني والعلماني.

جان باتيست دي لاسال يوجه المدرسين داخل فصل في فرنسا.

* أسس مدارس ” الإخوة ” المسيحيين في سنة ١٦٨٥ ايضا لتوفير مجموعة متخصصة من المعلمين تركز على تعليم الفقراء. ساهم في إنشاء مدارس للفقراء ، فقد أنشأ هو ومجتمعه العديد من المدارس في مختلف أنحاء فرنسا والتي وفرت تعليما عالي الجودة للأطفال الذين لولا ذلك لكانوا قد أهملوا.

* تقوم المدرسة بتدريب المعلمين على معايير أصول التدريس و المناهج الدراسية.

* في سنة ١٦٨٥ ، أنشأ جان باتيست دي لا سال معهد إخوة المدارس المسيحية ، و يشير مصطلح ” norm ” و معناه نموذج إلى هدف هذه المؤسسات المتمثل في غرس وتعزيز معايير معينة داخل الطلاب.

* تضمنت “المعايير” المعايير السلوكية التاريخية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى المعايير التي عززت القيم المجتمعية المستهدفة والأيديولوجيات والسرديات السائدة في شكل مناهج دراسية.

* و بعد أن أرسى قواعد التربية و التعليم في فرنسا انتشرت هذه المدارس في كل أوروبا.

* وصلت مصر في سنة ١٨٤٧ اي منذ ١٧٨ عام استجابة لدعوة من الخديوي اسماعيل لإنشاء هذه المدرسة الكاثوليكية في مصر و كانت مدرسة القديس يوسف في حي الخرنفش.

* و المدرسة الثانية هي مدرسة دي لاسال الظاهر في سنة ١٨٥٨ اي منذ ١٦٧ عام بعد أن أهدى الخديوي سعيد أرضها للأخوة الرهبان الكاثوليك لتأسيسها وهي اكبر مدرسة من حيث المساحة في القاهرة و تحتوي على صالة ألعاب رياضية و ملاعب و مسرح كبير و فندق و قبل كل ذلك فصول تعليم لكل مراحل التعليم من الحضانة حتى ثانوية عامة.

* اما اول مدرسة اطفال تم تأسيسها في الولايات المتحدة كان ذلك في سنة ١٨٥٦ و كانت تدار باللغة الألمانية ، اي بعد مدرسة الخرنفش بحوالي عشر سنوات.

* و اول مدرسة باللغة الإنجليزية في امريكا للاطفال كان سنة ١٨٦٠ اي بعد دي لاسال الظاهر بسنتين.

* و عندما أتأمل حال التعليم في مصر الٱن مقارنة بهذه التواريخ أشعر بمدى الاستهتار و الاستخفاف في اعداد المعلم وفي دور المدرسة .

* في فترة تاريخية كان مدير مدرسة دي لاسال الظاهر ، راهب اكتسب شهرة على نطاق كل المدارس في القاهرة و الاسكندرية لما يتمتع به من موهبة سمحت له إدارة معظم المدارس و كانت فترة إدارته ، سنة دراسية ( ١٩٦٢/٦٣ ) و الفترة التي عاصرتها هي من ١٩٧٩ الي ١٩٨٥ و اسمه ” جاك بولاد ” و تكتب بالفرنسية Jacques Boulad

جاك بولاد ، مدير مدرسة دي لاسال ، و المشهور بدوره ” التربوي ” و ” التعليمي “

* اتذكر له مشهدين لا انساهم ، يوم ما انتظرت سيارة المدرسة و عند صعودي السيارة انا و اخي فوجئنا أنه هو من يقود اتوبيس المدرسة لأن السائق لم يحضر.

* المشهد الثاني ، في سنة ١٩٨٠ ، أثناء إلقاء كلمة في طابور الصباح أوضح أنه يفضل تلميذ له نشاط فني او رياضي و ترتيبه العاشر على الفصل افضل من هو ترتيبه اول الفصل و ليس له أي نشاط.

* التربية و التعليم ، اصبح مجال ، بل أصبح اهم مجال في حياة الانسان ، هو بناء الشخصية و الإدراك و رؤية مستقبل.

* و لكن و بكل أسف لازال التربية و التعليم ” مسألة صعبة ” في مصر .

* و يمكنني أن اساعده والمكلف بحل هذه المسألة ، في اول خطوة هي اعداد ” مدرس ” وفي الخطوة الثانية بناء مدرسة جميلة من الناحية المعمارية وفي الخطوة الثالثة ” مناهج ” تناسب عملية بناء الشخصية المصرية.

أمير وهيب 

فنان تشكيلي وكاتب ومفكر 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى