أراء وقراءات

حديث بين المرايا والظل

حدث كشف الهوية وأيقظ الوعي

بقلم / عصام زايد

مقدمة الحكاية

لم تكن حكايتي حكاية أسماء أو شعارات،

إنها قصة إنسان آمن بأمته

ثم وقف فجأة أمام مرآة لا تكذب،
فأبصر وجهه عاريا

وسمع سؤالاً تهرب منه كثيرا
من أنا ومن نحن؟
ولماذا بعنا بوصلتنا بهذا الهوان؟

الحكاية بدأت عندما

كنت أعيش في قصر من مرايا،
تعكس صورتي مكللةً بأمجاد ماض تليد
أغفو على وسادة التاريخ،
وأرتوي من نهر أسماء غابرة

خلدت في بطون الأضابير
حتى نسيت أن أسأل: من أنا؟
ولم يخطر في بالي

أن سؤالاً كهذا يسأل

فالدم الذي في عروقي

عصارة نصر قديم،
والأرض التي تحت قدمي

صلبة صخرية بنيت طبقة

فوق طبقة من قصص الغابرين

ثم جاء الحدث كالعاصفة،
فكسر المرايا

وتناثر زجاجها كسيوف

كاشفاً وجوه ومشاهد بلا أقنعة.

هناك

رأيت قافلة للعرب

تتهادى بلا بوصلة

على بحر من الرمال
تحمل رايات بيضاء

التفت بها كأكفان،
تحتمي بظل الطغاة،
وتطأطئ رأسها
وتمد أعناقها في الرمال

تستجدي الخلاص
بكسرة خبز ممزوجة بالدماء

هناك

رأيت الأسواق مزدحمة،
أسواقَ صمت،
يباع فيها الحق رخيصا،
ويشترى الأمان

بأكوام من جثث شهداء

رأيت الفجر مصلوبا
على أعلى مآذن المدينة
والنور مذبوحا

بدم بارد يسيل
والقناديل تذوي
قنديلاً بعد آخر

ثم كان

أشد المشاهد وجعاً

حين اختزلت القضية

في فك حصار، وأبريق ماء،
ونسينا أن القضية قد بيعت

بطعنة من الشريف وبقبضة زعيم

ونقيق مجالس تدار فيها الكؤوس

طريق النصر

لا يشترى من مواخير الليل،
ولا يقايض على موائد القمار،
بل ينتزع من بين أنياب الجوع،
ويروى بعرق ودماء الصابرين الأحرار

سألت بصوت يرتجف
في أي ليلة.. بعنا عرضنا؟
متى استبدلنا.. البصر بالعمى،
والكرامة بخبز معجون بتراب الشهداء

الآن أدركت

أن أمة بلا بوصلة لن تبلغ شاطئها،
وأن الفجر لا يكتبه إلا من كسر قيوده

وأن الحرية لا تولد إلا من رحم الدماء الطاهرة،

هكذا

ما بين المرايا والظل،
تعلمت أن الحق لا يستعاد في صمت،
ولا يولد النور من رفات في القبور
بل من صرخة حرة، في فجر جديد
تستعاد فيه الكرامة بخطوة شجاعة،
حين نكسر المرايا الزائفة
ونمشي نحو الضوء،
على أرض تناثرت عليها
شظايا مرايا تلمع كالنجوم
تدلنا على الطريق.

عصام زايد 

كاتب وباحث وخبير في علوم الإدارة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى