احدث الاخبار

حضارة العبيد .. بقلم : الدكتور أمين رمضان

قبائل استراليا البدائية

كنت أشاهد مجموعة من الأفلام الوثائقية عن الساحل الشمالي لإستراليا، لفت انتباهي جملة قيلت أثناء الفيلم، وهي أن القبائل البدائية التي تعيش هناك، وتكيفت مع ظروف الحياة، واستطاعت بذكاء كبير أن تصل لمصادر المياه والغذاء، ليستمر بقائها، لا يمكن حصارها والقضاء عليها، لأن شرايين حياتها موجودة تحت أقدامها وعلى مد بصرها وأيديها أينما تحركت.

جال بخاطري مقارنة سريعة بين هذا الإنسان البدائي، الذي استمد وسائل وجوده من البيئة التي يعيش فيها رغم قسوتها، وبين إنسان الحضارة المادية الآن، فوجدت الأول حراً، والثاني عبداً، وأن الإنسان عندما كان يصنع الحضارة، فإنه في حقيقة الأمر كان يصنع أدوات استعباد الإنسان للإنسان، أو كان يصنع حضارة العبيد.

نعم حضارة العبيد، لأن شرايين حياة الناس، أصبحت خارج سيطرتهم، وانتقلت أزرارها إلى أناس خارج حدود الأوطان، أو داخلها، فأصبحت خارج حدود الإنسان، وأصبحت ضغطة زر واحدة هنا أو هناك، كفيلة بطرد الإنسان خارج هذه الحضارة ليعود إلى عالم الإنسان الأول، لكن هيهات له أن يستمر، لأن الفطام أصبح مستحيلاً، بعد أن أصبحت شرايين حياته خارج سيطرته هو.

هذه الورطة الإنسانية حدثت، لأن الحضارة التي صنعها الإنسان، حضارة مادية في الأساس، ولم تكن حضارة إنسانية، دعك من المظاهر الإنسانية التي تظهر منها هنا أوهناك، ذراً للرماد في العيون، وخجلاً من صورتها البشعة في كل مكان.

فوسائل الدمار تحصد الإنسان في كل مكان، والمادة هي المحرك الأساسي للجشع الإنساني بلا حدود، حتى صارت الحكومات ووكالات الاستخبارات العالمية، شريكاً في تجارة المخدرات لتزود حركات التمرد بالأسلحة؛ كما كشف ذلك ابن أكبر تاجر مخدرات مكسيكي وهو بابلو اسكوبار، ومن قبله صحفي التحقيقات الأمريكي جاري ويب؛ وليصبح غسيل الأموال وحشاً كاسراً أنيابه دول ومؤسسات وشركات وعصابات، تتصارع عندما تتضارب المصالح، وتتعاون عندما تتفق هذه المصالح، وفي الحالتين تسيل دماء البشر أنهاراً.

أما العالم الذي صار قرية واحدة صغيرة، كما خدعونا، فلم يكن ذلك لننعم فيها بالحرية والسياحة، بل للتجسس العالمي، ومراقبة الإنسان في كل خصوصياته وهمساته وكلماته، قرية اقتحمت بدون استئذان، كل عورات الإنسان، فكم من الناس الآن خلف أسوار السجون، بسبب كلمة أو همسة، بل بسبب الصمت أحياناً، والغريب أن الإنسان يدفع من ماله ثمن العيون التي انفتحت عليه ليلاً ونهاراً، لتنقض عليه الوحوش البشرية من كل مكان، تنهش فيه بوحشية وتحوله إلى فريسة، تحركه كيفما شاءت، بعد أن تجري له عمليات غسيل للدماغ ليلاً ونهاراً، وهو مسكين لا يستطيع أن يتخلص من أنياب وأظافر الوحوش المغروزة في جسده وعقله، ومنها كل وسائل التواصل الاجتماعي وشركات المحمول وكبرى شركات التكنولوجيا وغيرها عبر الأجهزة باهظة الثمن التي يدفع الإنسان ثمنها من قوته وقوت أسرته أحياناَ.

باختصار، أحاط الخطر بالأرض من كل مكان، وصارت سجناً كبيراً يتحرك فيه الإنسان، فحيثما تحرك، تراقبه عيون الحضارة المادية، وتقتله أسلحتها الفتاكة، لتجلس الوحوش البشرية على جثث القتلى، وأطلال المدن والدول، كأنها بوم يطرب للخراب.

تُرَى ما الحل؟ قبل فوات الأوان!!!

الدكتور امين رمضان

مقالات ذات صلة