أراء وقراءات

حنظلة… الشهيد والشاهد الأمل

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير

في عالمٍ يُعيد تدوير القهر كما يُعاد تدوير البلاستيك، يظهر “حنظلة”… ذاك الاسم الذي يبدو عابرًا، لكنه في الحقيقة مرآةٌ لعالمٍ مائل، ورمزٌ يحمل في طياته التاريخ والهوية والمأساة.

حنظلة الشهيد… أول الرمز

ليس حنظلة مجرّد رسمة، بل سيرة تبدأ من حنظلة بن أبي عامر، الصحابي الشهيد في غزوة أُحد، الذي لقب بـ”غسيل الملائكة”، لأنه مات في سبيل الله قبل أن يغتسل من جنابة ليلة عرسه، فاغتسلته الملائكة.
ذلك الذي انشغل بالفردوس الأعلى عن صلاة الفجر، بينما ينشغل بعض “المسلمين المعاصرين” عن الفجر بفيلم أو ليلة سهر، أو لا ينشغلون أصلًا.

حنظلة الكاريكاتير… وجهٌ للحق المغيّب

ثم يأتي حنظلة ناجي العلي، ذاك الطفل الفلسطيني الذي أدار ظهره للعالم منذ أول رسمة عام 1969، ولم يكبر أبدًا، لا يبتسم، لا يظهر وجهه، لأنه مرآتنا جميعًا.
يرفض أن يتواطأ مع الأكاذيب، أو أن يشارك في زيف اتفاقيات التسوية، تلك التي جعلت من الضحية شريكًا للجلاد… برعاية أممية.
كان حنظلة ناجي العلي كاريكاتيرًا، لكنه أيضًا بيان سياسي بوجه طفل، وقف في وجه الطغاة، حتى قتله الرصاص في شوارع لندن، ليبقى ظهره أكثر وضوحًا من وجوه السياسيين العرب.

سفينة حنظلة… الأمل المحاصر

وفي تموز/ يوليو 2025، ظهر حنظلة ثالث سفينة حرية حملت اسمه، انطلقت من صقلية نحو غزة المحاصرة، كسفينة أمل تحمل على متنها إنسانية العالم.
لكنها، مثل كل رموز الكرامة، لم تصل.
صُوّرت، وتحدثت عنها “الجزيرة”، ثم اختفت… كما اختفت كثير من قضايا الأمة في بحر النسيان الدولي.

غزة… هي حنظلة

غزة التي تُقصف منذ قرابة عامين، وتعيش تحت الحصار، هي “حنظلة”.
طفلٌ يولد بلا أطراف، يكبر غاضبًا، يُغتال، ثم يُسجّل في دفاتر الأمم المتحدة كـ”حالة إنسانية”.
حنظلة هو الجدار الذي كتب عليه لاجئ فلسطيني اسم ابنه الشهيد.
هو الدمعة في عين أم، والبوستر على حائط المخيم، واللكمة التي تُحرج المطبع، والنكتة التي تفضح المثقف حين يصمت.
هو الصرخة التي لم تُطلق، والرصاصة التي لم تُطلق، والحق الذي لم يُنسَ.

خاتمة: كلنا حنظلة

إذا كان العالم يحاول أن يُبيد غزة، فإن حنظلة يُدير ظهره كي نرى كم نحن صغار أمام صمته الصلب.
هو ليس مجرد كاريكاتير… بل رمزٌ حي.
طفل في غزة رآه يرمي حجرًا على دبابة أميركية الصنع.
قال له الطفل: “سأكبر وأشبهك!”
فردّ حنظلة، مبتسمًا ابتسامة لم نرها من قبل:
لا تحتاج أن تكبر… فكلنا حنظلة… كلنا حنظلة”.

 

السفير د. أحمد سمير

عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة

السفير الأممي للشراكة المجتمعية

رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى