أراء وقراءات

حين يتحول التأثير إلى عبء: صانع المحتوى بين الشعبية والمسؤولية المجتمعية

بقلم / الدكتورة هناء خليفة

لم تكن المنصات الرقمية في بداياتها أكثر من مساحة للتعبير، لكن مع الوقت، تحولت إلى سلطة موازية للإعلام التقليدي، فيها تُصنع الرموز، تُحرك العقول، تُعاد صياغة القيم.

وفي قلب هذه المنظومة يقف “صانع المحتوى”، ذلك الشخص الذي بات صوته يصل إلى ملايين، بينما لا يمر بأي نوع من التأهيل أو الرقابة.

*لكن السؤال الذي أصبح يفرض نفسه بإلحاح: هل الجميع مؤهل لحمل هذه الأمانة المجتمعية؟

حين يصبح التافه هو الأكثر تأثيرًا

 

في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة الرقمية العربية تصاعدا لافتاً في المحتوى الذي يمكن وصفه بأنه “تافه” أو “فارغ”:

▪️تحديات غريبة بلا معنى.

▪️مواقف تمثيلية تُثير الجدل فقط.

▪️مشاهد استعراضية تخالف قيم المجتمع.

ورغم ذلك، يحصد هذا النوع من المحتوى نسب مشاهدة ضخمة، ويتحول صانعوه إلى “نجوم” يتابعهم الملايين، خاصة من فئة الأطفال والمراهقين.

لكن ما الثمن؟

▪️تشويه الذوق العام.

▪️إضعاف المعايير الأخلاقية.

▪️تسليع الإنسان وتحويله إلى أداة ترفيه فقط.

▪️تزييف الواقع والانفصال عنه.

بين الحرية الفردية والمسؤولية الجماعية

وقد انتشر مؤخرًا خبر القبض على عدد من مشاهير التيك توك بتهم تتعلق بـ”الإساءة للمجتمع”، أو “التحريض على سلوكيات غير أخلاقية”… وهنا يظهر التحدي الحقيقي:

هل المشكلة في المحتوى فقط؟ أم في غياب البوصلة المجتمعية والمعرفية لدى صناع هذا المحتوى؟

أم في خلل بين الحرية الفردية والمسؤولية الجماعية؟

إن اتخاذ الإجراءات القانونية هو خطوة ضرورية، لكنها لا تكفي ما لم تُصاحبها حركة وعي شاملة تشمل:

الأسرة، المدرسة، الإعلام، والأهم من ذلك: صناع المحتوى أنفسهم.

ما الذي يمكن أن يقدّمه صانع المحتوى المسؤول؟

١- احترام القيم المجتمعية دون الوقوع في النفاق أو التنميط.

٢-الموازنة بين الجاذبية والبناء المعرفي.

٣- تقديم نماذج واقعية ملهمة بدلاً من الترويج للنجاح السهل و الفارغ.

٤- التفكير في الأثر قبل التفاعل.

٥- مراعاة الفئات العمرية والاختلافات الثقافية في المحتوى المعروض.

من المسؤول؟

المسؤولية لا تقع على صانع المحتوى وحده، بل تمتد إلى:

▪️المنصات نفسها التي تتحكم في الوصول والانتشار.

▪️الجمهور الذي يدعم ويشارك ويعلق.

▪️المجتمع الذي أحياناً يصفق للمحتوى المثير، ثم يشكو من نتائجه.

لكن يبقى على صانع المحتوى العبء الأكبر، لأنه من يملك القرار: أن يبني أو يهدم.

ليس كل تأثير نجاحاً…

الشعبية لا تعني دائمًا التأثير الإيجابي، و الترند ليس دليل جودة.

إن المسؤولية المجتمعية اليوم تتطلب أن نعيد النظر في المعايير التي نقيم بها صناع المحتوى، وأن نشجع من يحملون قيمة حقيقية، حتى لو لم يكونوا “الأكثر تفاعلاً”.

صانع المحتوى الحقيقي هو من يُحترم لا لأنه ممتع فقط، بل لأنه صادق، مسؤول، ومؤثر بوعي.

دكتورة هناء خليفة 

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى