الصراط المستقيم

خطبة الجمعة الموافق 10 ديسمبر2021 ..مواجهة الفساد مسئولية دينية ووطنية ومجتمعية

سبيل المؤمنين لمواجهة الفساد والمفسدين

كتب\ هاني حسبو.

جاء الإسلام ليقيم العدل في الأرض ويمنع الظلم بكل أحواله كما جاء الإسلام ليعم الخير والإصلاح ويختفي الشر والفساد.

وحذر  الإسلام من آثار الفساد والإفساد في الأرض، فقال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). (سورة الروم:41)

ويعتبر الفساد من أكثر الأمراض التي تفتك بالمجتمع وتجعله في أسفل سافلين لذا جاء الشرع ليحذرنا من الفساد بكل أشكاله ويحذرنا من المفسدين ومن كل طرقهم.

والفساد هو خروج الشئ عن الاعتدال قليلا كان هذا الخروج أو كثيرا.

بلغت خطورة الفساد أن حذر الله منه أيما تحذير وأخبرنا أنه سبحانه لا يحبه فقال تعالى:

” ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام  وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد  وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد  ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد “البقرة 204-207

بل وأخبرنا سبحانه أنه لا يحب المفسدين تأكيدا على شناعة هذا الأمر العظيم:

“وقالت الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ۝ “المائدة64.

ونهى الله عز وجل عن الإفساد في الأرض فقال سبحانه:

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين} (الأعراف:56)

وبلغ من عظيم خطورة الفساد أن جعل الله الفساد بمنزلة القتل فقال تعالى:

“مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”المائدة32.

وحذرنا الله عز وجل من اتباع سبيل المفسدين فقال تعالى:

” وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين“الأعراف 143.

وبلغ من عظيم تحذير الشرع من الفسادوالمفسدين أن جعل الله عاقبة هذا الفعل حدا يسمى حد الحرابة جعله للمحادين الله ورسوله والمفسدين في الأرض فقال سبحانه:

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۝ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:33، 34].

وهاهي السنة تؤكد على هذه الحقيقة فثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال:

يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه في سننه.

عن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي ﷺ دخل عليها غضبان يقول: ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق بين أصبعيه السباحة والوسطى فقالت له زينب رضي الله عنها: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم إذا كثر الخبث!  متفق عليه يعني إذا كثرت المعاصي عم الهلاك .

وللفساد صور شتى منها القتل وأخذ المال :

” وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد“البقرة 205.

“أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها كأنما أحيا الناس جميعا”. …  (سورة المائدة، الآية 32)

بل أن شئت فقل إن كل من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض قال تعالى:

“ابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)

ومن أعظم صور الفساد نشر الأفكار السيئة والعقيدة الخبيثة وترويج المخدرات وهذا من صور الإفساد في الأرض.

والغش من صور الفساد في الأرض وذلك لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر على صبرة طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟))، قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: ((أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني))؛ رواه مسلم.

والرشوة من أعظم صور الفساد الرشوة وذلك لقول الله تعالى “سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ” المائدة 42.

وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وكما بين الشرع خطورة وصور الفساد بين كذلك علاج هذل المرض العضال ومنها:

عدم تخون الأهل و الرعية فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا”

وعن أبي أمامة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم . رواه أبو داود

وتعين تقوى الله عز وجل العبد على البعد عن الفساد

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا ، وشبك بين أصابعه . قال : فما تأمرني ؟ قال :  اتق الله وعليك بخاصتك ، ودع عنك عوامهم “رواه أحمد وغيره.

ومن أعظم الوسائل النافعة لعلاج الفساد دعء الله عز وجل أن يرزقنا الأمانة ويبعدنا عن الخيانة فعن أبي هريرة-رضي الله عنه مرفوعاً: «اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بِئْسَ الضَّجِيعُ،وأعوذُ بِكَ منَ الخِيَانَةِ، فَإنَّهَا بِئْسَتِ البِطَانَةُ».

ومن أسباب علاج الفساد أيضا تعويض الضرر ويتمثل ذلك في وجوب الدية على الجنايات وكفريضة الزكاة بأنواعها المختلفة مثل زكاة المال والفطر ومثل العقوبات المتمثلة في الحدود والقصاص والتعزيرات كما قال الله تعالى :

“وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” البقرة/179.

وكذلك الكفارات التي شرعت لإصلاح خلل في تصرفات خاصة مثل كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة الجماع في نهار رمضان.

وأخيرا التوبة من أعظم وسائل علاج الفساد قال الله تعالى:

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .”

المائدة 38-40

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.