خطبة الجمعة الموافق 19 إبريل 2024…التاجر الصدوق ومنزلته
إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.
الْحَمْدَ لِلهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًاعَظِيمًا(٧١)﴾ [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى الثابت في محكمه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69]والثابت في محكمه: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 80]والثابت في محكمه:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84]والثابت في محكمه: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]والثابت في محكمه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ – فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54 – 55]والثابت في محكمه: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2] {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 21] والثابت في محكمه: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 24] . والثابت في محكمه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119] والثابت في محكمه: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] والثابت في محكمه: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35] والثابت في محكمه : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم: 41] والثابت في محكمه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم: 54] والثابت في محكمه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 56، 57].
وخير الهدي هدي محمد الثابت في الصحيحين عنه ﷺ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ. وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ. وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتُبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» ()،والثابت في الصحيحين عنه ﷺ من حديث حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا. فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا. وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا: مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» (). و الثابت في الصحيحين عنه ﷺ:” آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ” ()،والثابت في الصحيحين عنه ﷺ أنه صَعِدَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» – لِبُطُونِ قُرَيْشٍ – حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 2] ()،ووالثابت في الصحيحين عَنْ أبي سفيان في حديثه الطويل في قصة هرقل عظيم الروم قال هرقل: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ وَالصِّلَةِ()والثابت في الصحيحين عنه ﷺ من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا؟ وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا، فَغَزَا فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاَةَ العَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَجَمَعَ الغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لِتَأْكُلَهَا، فَلَمْ تَطْعَمْهَا فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ، فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتِ النَّارُ، فَأَكَلَتْهَا ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الغَنَائِمَ رَأَى ضَعْفَنَا، وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا “. ().والثابت في الصحيحين عنه ﷺ من حديث أَسْمَاءَ، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ»().
الأسباب الدافعة للموضوع :
أولاً : -التمهيد والتذكيرُ بمعنى التِّجَارَةُ الصدْقُ فِي اللُّغَةِ وَالاِصْطِلاَحِ وبالأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ بالموضوع كالأْمَانَةِ و أَنْوَاعُ بَيْعِ الأْمَانَةِ ولماذا سميت بذلك.
ثانيًا:- التذكير بمَنْزِلَــــةُ الصِّــــــدْقِ،وأنه من رب العالمين بل و من صفات النبيين،وأبرز صفات نبينا الصادق الأمين حتى قبل بعثته ﷺ بل هُوَ مَقَامُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ،ومنزلته وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ الْأَعْظَمِ الَّذِي مِنْهُ تَنْشَأُ جَمِيعُ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ،ومفتاح الصّدّيقيّة ومبدأها، وهي غايته؛ولذا خَصَّ اللَّهُ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
ثالثًا:- التذكير بوجوبه وأن الله أمــــر بالصــــدق وكذلك الرسول ﷺ:
رابعًا:- التذكير بفضل الصدق بوجه عام والصدق في التجارة بوجه خاص أولاً : من القـــــــــرآن:فمَنْ صَدَقَ اللهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ،وسِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ،وأعد لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا،وجعل الله له فَرَجًا ، وَمَخْرَجًا كما في قصة الثلاثة الذين خلفو،ولهم الجنان والرضا والرضوان ،ومُدْخَلُ الصِّدْقِ، وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ. وَلِسَانُ الصِّدْقِ، وَقَدَمُ الصِّدْقِ، وَمَقْعَدُ الصِّدْقِو ثانيًا: من السنـــــــــــــة:بحصول البركة في البيع والشراء ونحوهما من المعاملات،وضمن الرسول الله ﷺ للصادق الجنة،فعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِو الصّدق يهدي إلى البرّ وةللصدق أثر في صلاح التجارة والتّجّار في قبول العمل وذا تحليت بالأمانة والصدق فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا.
خامسًا:- التذكير بأسبـــاب تحصيـــل الصدق وهى كثيرة منها:
1- صحبة الأبرار أهل الصدق و2- الحياء3- إشاعة الصدق في الأسرة 4- معاقبة الكاذب في الأسرة ولو بالإعراض عنه5 – تحرى الصدق وتوقى الكذب6- معرفة عاقبة الكذب والكذابين والمتشبع بما لم يعط في الدنيا ولآخرة7- الدعاء : إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى :
سادسًا:- لمعالجة هذه القضية على النحو التالى:
التِّجَارَةُ فِي اللُّغَةِ وَالاِصْطِلاَحِ
الصدْقُ لُغَةً
الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ للصدقِ
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ
الأْمَانَةُ فِي اللُّغَةِ
وَفِي الاِصْطِلاَحِ
بَيْعُ الأْمَانَةِ
الأْمَانَةُ لُغَةً:
وَفِي الاِصْطِلاَحِ
أَنْوَاعُ بَيْعِ الأْمَانَةِ
مَنْزِلَــــةُ الصِّــــــدْقِ :
أولاً : الصدق من صفات رب العالمين
ثانيًا : الصدق من صفات النبيين:
ثالثًا : الصِّدْقَ هُوَ مَقَامُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ:
رابعًا : مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ الْأَعْظَمِ الَّذِي مِنْهُ تَنْشَأُ جَمِيعُ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ:
خامسًا : الصّدق مفتاح الصّدّيقيّة ومبدأها، وهي غايته:
سادسًا : خَصَّ اللَّهُ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ:
الأمــــر بالصــــدق من الكتاب والسنة:
فضل الصدق بوجه عام والصدق في التجارة بوجه خاص
أولاً : من القـــــــــرآن:
1- مَنْ صَدَقَ اللهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ:
2- لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ:
3-أعد لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا:
4- من لزم الصدق ْجعَل الله له فَرَجًا ، وَمَخْرَجًا كما في قصة الثلاثة الذين خلفوا:
5- لهم الجنان والرضا والرضوان :
6- مُدْخَلُ الصِّدْقِ، وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ. وَلِسَانُ الصِّدْقِ، وَقَدَمُ الصِّدْقِ، وَمَقْعَدُ الصِّدْقِ:
ثانيًا: من السنـــــــــــــة:
1-حصول البركة في البيع والشراء ونحوهما من المعاملات.
2- ضمن الرسول الله ﷺ للصادق الجنة:
3- إذا تحليت بالأمانة والصدق فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا:
4-عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ:
5-الصّدق يهدي إلى البرّ والكذب يهدي إلى الفجور:
6-أثر الصدق في صلاح التجارة والتّجّار :
7 – أثر الصدق والبر في قبول العمل :
ثالثًا: من أقوال سلف الأمـــــــــــــة:
1- قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ:
2- الصِّدْقُ نَجَاةٌ:
علامات التاجر الصدوق:
1- لا يغش ولا يخدع
2- ولا يروج سلعته بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ.
3- ومن علامات صدقه لا يتلقى الْجَلَبِ ولا الركبان فيغرر بهم
4- لصدقه مع الله يعلم أنه يرزق إذا لم يحتكر وإذا احتكر حرم الرزق
5- لصدق أخوته لا يبع على بيع أخيه
6-من صدقه لأمته لا يتاجر مع العدو
7- لصدقه مع الله ومع الناس يتقي الشبهات
8- لصدقه بوعد الله تحلى بالسَّمَاحَةُ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَاسْتِعْمَال مَعَالِي الأَْخْلاَقِ، وَتَرْكُ الْمُشَاحَّةِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ بِالْمُطَالَبَةِ.
9 – من علامات صدقه يتصدق مطلقاً ويتصدق من مال تجارته ليتقي الشبهات.
10 –الوفاء بالعهود.
تلك عشرة كاملة وعند الله المزيد:
من أسبـــاب تحصيـــل الصدق:
1- صحبة الأبرار أهل الصدق:
2- الحياء:
3- إشاعة الصدق في الأسرة:
4- معاقبة الكاذب في الأسرة ولو بالإعراض عنه:
5 – تحرى الصدق وتوقى الكذب:
6- معرفة عاقبة الكذب والكذابين والمتشبع بما لم يعط في الدنيا ولآخرة
7- الدعاء : إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى :
هذا آوان الشروع في الموضوع
مصطلحات الخطبة
التِّجَارَةُ فِي اللُّغَةِ وَالاِصْطِلاَحِ: هِيَ تَقْلِيبُ الْمَال، أَيْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِغَرَضِ الرِّبْحِ. (). وَهِيَ فِي الأَْصْل: مَصْدَرٌ دَالٌّ عَلَى الْمِهْنَةِ، وَفِعْلُهُ تَجَرَ يَتْجُرُ تَجْرًا وَتِجَارَةً.
الصدْقُ لُغَةً: قال ابن منظور: (الصِّدْق نقيض الكذب صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقاً وصِدْقاً وتَصْداقاً وصَدَّقه قَبِل قولَه وصدَقَه الحديث أَنبأَه بالصِّدْق قال الأَعشى:
فصدَقْتُها وكَذَبْتُها … والمَرْءُ يَنْفَعُه كِذابُهْ
ويقال صَدَقْتُ القومَ أي قلت لهم صِدْقاً) ().
الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ للصدقِ :
الصدق: (هو الخبر عن الشيء على ما هو به، وهو نقيض الكذب) ().
وقال الباجي: (الصدق الوصف للمخبر عنه على ما هو به) ().
وقال الراغب الأصفهاني: (الصدق مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معا، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا تاما) ().
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الأَْمَانَةُ فِي اللُّغَةِ: ضِدُّ الْخِيَانَةِ، مَصْدَرُ أَمِنَ، يُقَال: أَمِنَ أَمَانَةً فَهُوَ أَمِينٌ، ثُمَّ اسْتُعْمِل الْمَصْدَرُ فِي الأَْعْيَانِ مَجَازًا فَقِيل الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ ().
وَفِي الاِصْطِلاَحِ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي يُوجَدُ عِنْدَ الأْمِينِ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَمَانَةً بِعَقْدِ الاِسْتِحْفَاظِ كَالْوَدِيعَةِ، أَوْ كَانَ أَمَانَةً مِنْ ضِمْنِ عَقْدٍ آخَرَ، كَالْمَأْجُورِ وَالْمُسْتَعَارِ، أَوْ دَخَل بِطَرِيقِ الأَْمَانَةِ فِي يَدِ شَخْصٍ بِدُونِ عَقْدٍ وَلاَ قَصْدٍ، كَمَا لَوْ أَلْقَتِ الرِّيحُ فِي دَارِ أَحَدٍ مَال جَارِهِ، فَحَيْثُ كَانَ ذَلِكَ بِدُونِ عَقْدٍ لاَ يَكُونُ وَدِيعَةً، بَل أَمَانَةً فَقَطْ ().
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالأْمَانَةِ أَنَّ الأْمَانَةَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنَ الْوَدِيعَةِ؛ لأنَّ الْوَدِيعَةَ نَوْعٌ مِنَ الأْمَانَةِ.
بَيْعُ الأْمَانَةِ
الأْمَانَةُ لُغَةً: الاِطْمِئْنَانُ، يُقَال: أَمِنَ أَمْنًا وَأَمَانًا وَأَمَنَةً: إِذَا اطْمَأَنَّ وَلَمْ يَخَفْ، فَهُوَ آمِنٌ وَأَمِنٌ وَأَمِينٌ. وَأُمِنَ الرَّجُل وَأَمِنَ أَيْضًا: صَارَ أَمِينًا، وَالْمَصْدَرُ: الأْمَانَةُ. وَاسْتُعْمِل فِي الأْعْيَانِ مَجَازًا فَقِيل: الْوَدِيعَةُ مَثَلاً أَمَانَةٌ.
وَأَمَّنَ فُلاَنًا عَلَى كَذَا: وَثِقَ بِهِ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ ().
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: يُطْلَقُ (بَيْعُ الأْمَانَةِ) عَلَى مَا فِيهِ اطْمِئْنَانٌ مِنْ قِبَل الْبَائِعِ، لأِنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَبَيْعُ الأْمَانَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الثِّقَةِ وَالاِطْمِئْنَانِ فِي التَّعَامُل بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ.
وَهَذِهِ الأْمَانَةُ وَالثِّقَةُ تَارَةً تَكُونُ مَطْلُوبَةً مِنْ قِبَل الْمُشْتَرِي، وَتَارَةً تَكُونُ مَطْلُوبَةً مِنْ قِبَل الْبَائِعِ.
فَإِنْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهَا تَتَحَقَّقُ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ؛ لأِنَّ الْمُشْتَرِي أَمِينٌ عَلَى الْمَبِيعِ حَتَّى يَرُدَّ لَهُ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ، وَيَأْخُذَ الْبَائِعُ مَبِيعَهُ.
أَمَّا إِذَا كَانَتْ مَطْلُوبَةً مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ – وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ بِثَمَنِ مَبِيعِهِ وَشِرَائِهِ لَهُ – فَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ بِمِثْل الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ فَهُوَ بَيْعُ التَّوْلِيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْعُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَهُوَ بَيْعُ إِشْرَاكٍ، وَإِنْ كَانَ بِالثَّمَنِ مَعَ زِيَادَةٍ فَبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَل مِنَ الثَّمَنِ فَهُوَ بَيْعُ الْوَضِيعَةِ أَوِ الْحَطِيطَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْمَبِيعَ، مِنْ مُسَاوَاةٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، وَكَانَ بِسِعْرِ السُّوقِ، فَهُوَ بَيْعُ الْمُسْتَرْسِل أَوِ الْبَيْعُ بِسِعْرِ السُّوقِ.
وَيُقَابِل بَيْعُ الأْمَانَةِ بَيْعَ الْمُسَاوَمَةِ، وَهُوَ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الثَّمَنِ الأْوَّل الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْبَائِعُ.
أَنْوَاعُ بَيْعِ الأْمَانَةِ:
بَيْعُ الأْمَانَةِ يُطْلَقُ عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ، وَبَيْعِ التَّلْجِئَةِ، وَبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَالْوَضِيعَةِ، وَالإْشْرَاكِ، وَبَيْعِ الْمُسْتَرْسِل أَوِ الْبَيْعِ بِسِعْرِ السُّوقِ.
مَنْزِلَــــةُ الصِّــــــدْقِ :
أولاً : الصدق من صفات رب العالمين وقول الله:{ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ } [آل عمران: 95]:
فصدق الله العظيم الذي بلغ قولُه وحديثُه في الصدق أعلى ما يكون:قال تَعَالَى: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87]،وقال تَعَالَى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا } [النساء: 122].
قال السعدي : فصدق الله العظيم الذي بلغ قولُه وحديثُه في الصدق أعلى ما يكون، ولهذا لما كان كلامه صدقا وخبره حقا، كان ما يدل عليه مطابقةً وتضمنًا وملازمةً كل ذلك مراد من كلامه، وكذلك كلام رسوله ﷺ لكونه لا يخبر إلا بأمره ولا ينطق إلا عن وحيه ().
وفي قوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا} إخبار بأن حديثه وأخباره وأقواله في أعلى مراتب الصدق، بل أعلاها. فكل ما قيل في العقائد والعلوم والأعمال مما يناقض ما أخبر الله به، فهو باطل لمناقضته للخبر الصادق اليقين، فلا يمكن أن يكون حقًّا().
لذا قال تعالى : {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ وَعَدْلًا فِي الطَّلَبِ().
ثانيًا : الصدق من صفات النبيين:
قال تَعَالَى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم: 41].
وقال تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم: 54]
وقال تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 56، 57].
قال السعدي : أي: اذكر في الكتب على وجه التعظيم والإجلال، والوصف بصفات الكمال. {إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} جمع الله له بين الصديقية، الجامعة للتصديق التام، والعلم الكامل، واليقين الثابت، والعمل الصالح، وبين اصطفائه لوحيه، واختياره لرسالته.{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} أي: رفع الله ذكره في العالمين، ومنزلته بين المقربين، فكان عالي الذكر، عالي المنزلة().
ثالثًا : الصِّدْقَ هُوَ مَقَامُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ:
قال ابن القيم : أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْبِرِّ. وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ: مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالصَّبْرِ. بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الصِّدْقِ فَقَالَ {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصِّدْقَ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ. وَأَنَّ الصِّدْقَ هُوَ مَقَامُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ().
رابعًا : مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ الْأَعْظَمِ الَّذِي مِنْهُ تَنْشَأُ جَمِيعُ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ:
قال ابن القيم : وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ الْأَعْظَمِ. الَّذِي مِنْهُ تَنْشَأُ جَمِيعُ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ، وَالطَّرِيقُ الْأَقْوَمُ الَّذِي مَنْ لَمْ يَسِرْ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْمُنْقَطِعِينَ الْهَالِكِينَ. وَبِهِ تَمَيَّزَ أَهْلُ النِّفَاقِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَسُكَّانُ الْجِنَانِ مِنْ أَهْلِ النِّيرَانِ. وَهُوَ سَيْفُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ الَّذِي مَا وُضِعَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا قَطَعَهُ. وَلَا وَاجَهَ بَاطِلًا إِلَّا أَرْدَاهُ وَصَرَعَهُ. مَنْ صَالَ بِهِ لَمْ تُرَدَّ صَوْلَتُهُ. وَمَنْ نَطَقَ بِهِ عَلَتْ عَلَى الْخُصُومِ كَلِمَتُهُ. فَهُوَ رُوحُ الْأَعْمَالِ، وَمَحَكُّ الْأَحْوَالِ، وَالْحَامِلُ عَلَى اقْتِحَامِ الْأَهْوَالِ، وَالْبَابُ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ الْوَاصِلُونَ إِلَى حَضْرَةِ ذِي الْجَلَالِ. وَهُوَ أَسَاسُ بِنَاءِ الدِّينِ، وَعَمُودُ فُسْطَاطِ الْيَقِينِ. وَدَرَجَتُهُ تَالِيَةٌ لِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ أَرْفَعُ دَرَجَاتِ الْعَالِمِينَ. وَمِنْ مَسَاكِنِهِمْ فِي الْجَنَّاتِ تُجْرَى الْعُيُونُ وَالْأَنْهَارُ إِلَى مَسَاكِنِ الصِّدِّيقِينَ. كَمَا كَانَ مِنْ قُلُوبِهِمْ إِلَى قُلُوبِهِمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَدَدٌ مُتَّصِلٌ وَمَعِينٌ ().
خامسًا : الصّدق مفتاح الصّدّيقيّة ومبدأها، وهي غايته:
قال ابن القيم : وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ. وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ. وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتُبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»().فَجَعَلَ الصِّدْقَ مِفْتَاحَ الصِّدِّيقِيَّةِ وَمَبْدَأَهَا. وَهِيَ غَايَتُهُ. فَلَا يَنَالُ دَرَجَتَهَا كَاذِبٌ أَلْبَتَّةَ. لَا فِي قَوْلِهِ:، وَلَا فِي عَمَلِهِ، وَلَا فِي حَالِهِ. وَلَا سِيَّمَا كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَنَفْيِ مَا أَثْبَتَهُ. أَوْ إِثْبَاتِ مَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ. فَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ صِدِّيقٌ أَبَدًا.
وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ. بِتَحْلِيلِ مَا حَرَّمَهُ. وَتَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ. وَإِسْقَاطِ مَا أَوْجَبَهُ، وَإِيجَابِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ، وَكَرَاهَةِ مَا أَحَبَّهُ، وَاسْتِحْبَابِ مَا لَمْ يُحِبَّهُ. كُلُّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِلصِّدِّيقِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ مَعَهُ فِي الْأَعْمَالِ: بِالتَّحَلِّي بِحِلْيَةِ الصَّادِقِينَ الْمُخْلِصِينَ، وَالزَّاهِدِينَ الْمُتَوَكِّلِينَ. وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْهُمْ.
فَلِذَلِكَ كَانَتِ الصِّدِّيقِيَّةُ: كَمَالَ الْإِخْلَاصِ وَالِانْقِيَادِ، وَالْمُتَابَعَةَ لِلْخَبَرِ وَالْأَمْرِ، ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، حَتَّى إِنَّ صِدْقَ الْمُتَبَايِعَيْنِ
