إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.
من الأسباب الدافعة للموضوع:
أننا على أبواب عام هجرى جديد.
لابد من التذكير ببعض الدروس المستفا دة من الهجرة مثل الاعداد والتخطيط الجيد مع الأخذ بالأسباب والتوكل على الله.
بيان صورمن الإعداد والتخطيط الجيد فى الهجرة.
للاستفادة من سنة التخطيط النبوي في هذه الهجرة وغيرها.
بدأ نبينا صلى الله عليه وسلم في التفكير في الهجرة والاستعداد لها منذ سمع ﷺ من ورقة : (..يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ»، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ،..) ().وقول ورقة هذا نتيجة استقراءه لأحوال الأنبياء من قبله فقد وجد أنهم انتصروا بعد هجرة وإخراج أو تهديد بذلك :
كما قَالَ تَعَالَى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13)وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}[إبراهيم: 13، 14]
الهجرة والأخذ بالأسباب من تخطيط جيد وإعداد:
أعدّ الرسول ﷺ عدّته للهجرة ،ووضع خطتها، وكانت في غاية الإحكام والدقة ونهاية الحيطة، بتوجيه الله له، ووحيه الأمين، في أمور شرحها وبيانها وذكر معجزاتها يطول، منها:
أولاً: فترة الإعداد لهذه الهجرة:
بدأت فكرة الهجرة والاستعداد لها منذ سمع ﷺ من ورقة : (..يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ»، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ،..) ().
هذا فضلاً عن استقراءه لأحوال الأنبياء من قبله وجد أنهم انتصروا بعد هجرة:
قال تعالى:{ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت:26.
ثانيًا:محطات الإعداد وصورها إجمالاً:
إن شئت فقل إن كل أحداث السيرة قبل الهجرة كانت بمثابة الإعداد والاستعداد لها حتى الدعوة والتربية السرية لأ صحابه ﷺ في دار الأرقم ونحو ذلك مما تقدم ذكره تفصيلاً وإليك أغلبه إجمالاً:
فبدأ بالتالي:
عرض نفسه ﷺ على القبائل.
– إرساله ﷺ أصحابه إلى الحبشة مرتين.
تحسسه ﷺ الأراضي الصالحة للهجرة بنفسه ورحلة الطائف.
عدم قبوله ﷺ بعض العروض للهجرة لأنها لم تستفوف الشروط المطلوبة كعرض الطفيل بن عمرو الدوسي.
التقاؤه ﷺ بالأنصار وبيعة العقبة الأولى والثانية والثالثة .
إرساله ﷺ لمصعب بن عمير وابن أم مكتوم وغيرهما معلمين لأهل المدينة وممهدين لهجرة النبي ﷺ وأصحابه إليها:
بشائر الهجرة:بقوله ﷺ: أريت دار هجرتكم:
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْمُسْلِمِينَ: «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ» وَهُمَا الحَرَّتَانِ،.. ().
إرساله ﷺ لأصحابه أولاً قبله حتى لم يبق إلا هو ﷺ ومن أعدهم للهجرة معه أو للوازمها أو المستضعفين:
= فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: «نعم.
أما المستضعفين:
دعا لَهُم رسول الله ﷺ فِي قنوت الصَّلَاة: «اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بْن الْوَلِيد وَسَلَمَة بْن هِشَام وَعَيَّاش بْن أبي ربيعَة وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك() على مُضر() وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِم سِنِين كَسِنِي() يُوسُف».
ثالثًا: اتخاذ مبدأ السرية والحيطة:
اتخاذ مبدأ السرية والحيطة:
= قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ()، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُتَقَنِّعًا()، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ()، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ() بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَعَمْ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ – بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ – إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بِالثَّمَنِ»….. ().=
وقد تجلت السرية والحيطة واضحة في عدة أمور ،وصور منها:
مباغتته لأبي بكر دليل على لأنه لم يعلمه بساعة الصفرولا بيومهاوهذا واضح من رد ابي بكر على القَائِل له: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُتَقَنِّعًا، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا: بقوله: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ ،وقوله ﷺ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ»
مجيئه ﷺ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ.
فاختيار الوقت غير المطروق الذي يأوي فيه الناس إلى بيوتهم هربا من حر الظهيرة، هو اختيار بتخطيط محكم، حيث لا يرى أحد رسول الله ﷺ ساعة انطلاقه للهجرة، ويحافظ على الكتمان التام فيه().
– مجيئه ﷺ مُتَقَنِّعًا.
قد أخفى وجهه، بحيث لو أن بعض الناس رأى ذلك الرجل فلا يمكن أن يعرف وقد تقنع بثوبه().
مجيئه ﷺ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهم فيها
قوله ﷺ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ»ليتبين هل في البيت غير أهله فأجابه أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
قَالَتْ عَائِشَةُ: (فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ ()الجِهَازِ() ) فهذا إما لمباغتة الرسول لهم فجهزوا أسرع جهاز لا يستغرق وقتًا كثيرا أو لأنهم لا يريدون أن يتجهزا بجهاز يلفت النطر إلى أن من يحمله مسافر وعلى كلا الاحتمالين في هذا ما فيه من بالغ لحيطة والحذر والسرية.
الخروج من غيرالراحلتين بعد دفعهما إلى الهادي مِنْ بَنِي الدِّيلِ :
(…وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيَا خِرِّيتًا، وَالخِرِّيتُ المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ العَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ،().
الخروج من خوخة أبي بكر :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْخُرُوجَ، أَتَى أَبَا بَكْرِ ابْن أَبِي قُحَافَةَ، فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ، ثُمَّ عَمَدَ إلَى غَارٍ بِثَوْرٍ- جَبَلٍ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ- فَدَخَلَاهُ()
الخروج من خوخة أبي بكر: فلم يكن الخروج من الباب العادي الذي يخرج منه آل أبي بكر لاحتمالات المراقبة من العدو، إنما كان من مخرج احتياطي ِ().
كتمان الأمر: وحصر أمر الهجرة تحديدا بآل أبي بكر لمشاركتهم في الإعداد للهجرة، وهم عائشة وأسماء، وأم رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وبعلي بن أبي طالب، حتى لا يتسرب الأمر، وكل واحد من هؤلاء له دور ما في عملية الهجرة().
– الخروج إلى الغار أولاً:=( .. ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا ()فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ
الخروج إلى الغار ليلاً:
لقول عمر الآتي : ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتِلْكَ اللَّيْلَةُ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ.
– الحراسة والحيطة والحذر في الطريق إلى الغار وقبل الدخول فيه:
مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: ذَكَرَ رِجَالٌ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَأَنَّهُمْ فَضَلُّوا عُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَلَيْلَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ، وَلَيَوْمٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ، لَقَدْ خَرَجَ رَسُولُ ﷺ لِيَنْطَلِقَ إِلَى الْغَارِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَاعَةً خَلْفَهُ حَتَّى فَطِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا لَكَ تَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْ وَسَاعَةً خَلْفِي؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَذَكُرُ الطَّلَبَ فَأَمْشِي خَلْفَكَ، ثُمَّ أَذَكَرُ الرَّصْدَ، فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ بِكَ دُونِي؟» قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا كَانَتْ لِتَكُونَ مِنْ مُلِمَّةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِي دُونَكَ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الْغَارِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَتَّى أَسْتَبْرِئَ لَكَ الْغَارَ، فَدَخَلَ وَاسْتَبْرَأَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي أَعْلَاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْرِئِ الْحُجْرَةَ، فَقَالَ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَتَّى أَسْتَبْرِئَ الْحُجْرَةَ، فَدَخَلَ وَاسْتَبْرَأَ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَزَلَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتِلْكَ اللَّيْلَةُ خَيْرٌ مِنْ آلِ عُمَرَ”()
– حدد سلفاً ﷺ ثلاثة أيام للاختباء في الغار، حتى يهدأ الطلب من مكة، وتكف عن الملاحقة:
( …..فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ ..)
موقف أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها من التعمية على جدهها:
حيث قَالَتْ: ” فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ، قَالَتْ: قُلْتُ: كَلَّا يَا أَبَهْ ، إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا “. قَالَتْ: ” فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا، فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةِالْبَيْتِ، كَانَ أَبِي يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ ، ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا الْمَالِ “. قَالَتْ: ” فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ، إِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا، فَقَدْ أَحْسَنَ، وَفِي هَذَا لَكُمْ بَلَاغٌ “. قَالَتْ: ” وَلَا وَاللهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا، وَلَكِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُسْكِنَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ ”
رابعًا: – توزيع الأدوار على المشاركين في عملية الهجرة على النحو التالي:
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يتلقط الأخبار:( ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا ()فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ، ثَقِفٌ ()لَقِنٌ()، فَيُدْلِجُ () مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا، يُكْتَادَانِ بِهِ () إِلَّا وَعَاهُ()، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ) ().=
وكان دوره واضحا محددا هو أن يمضي يستمع لأخبار قريش وقرارتها، والخطط المناسبة للحيلولة دون الهجرة، وإبلاغها للقيادة النبوية حيث يتصرف عليه ﷺ بما يحبط هذه الخطط، ويدمر هذا الكيد، وكان اختيار عبد الله لهذه المهمة عن قصد فكما وصفته عائشة رضي الله عنه أنه شاب لقن فطن.
عامر بن فهيرة () يعفو على الأثر: وقدوم عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه إلى الغار، قد هيىء عامر رضي الله عنه والغنم لإعفاء أثره بعد عودته من الغار بحيث لا يستطيع العدو أن يتابع الأثر، ويصل إلى موقع الصاحبين فيه().
وأيضًا ابن فهيرة وغنمه للزاد كذلك:( ..وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً() مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا () عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ()، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا()، حَتَّى يَنْعِقَ() بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ()، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ)
وَيأَمَر عليا أَنْ يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ:
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فِي قَوْلِهِ – عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} [الأنفال: 30] قَالَ: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ – يُرِيدُونَ النَّبِيَّ – ﷺ – وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ. فَأَطْلَعَ اللَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ – نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَبَاتَ عَلِيٌّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ – ﷺ – وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ – حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا، يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ – ﷺ – فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ، فَرَأَوْا نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ فَبَاتَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ»
وَيأَمَر عليا أيضًا برد الودائع التي كانت عنده للناس:
“وأقام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ثلاث ليالٍ وأيامها -يعني بعد هجرة رسول الله – ﷺ – وصاحبه- حتى أدى عن رسول الله – ﷺ – الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لحق رسولَ الله – ﷺ ” ().
هـ – اختيار الدليل المناسب : (المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ ): (…وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيَا خِرِّيتًا، وَالخِرِّيتُ المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ، ،
خامسًا: – الخروج من الغار إلى المدينة على النحو التالي:
1 – اختيار طريق الساحل: ( ..وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ،……().
وهذا من عظمة التخطيط النبوي كذلك حيث أن النبي ﷺ لم يمض من الطريق المعتاد، الذي تمضي منه القوافل الذاهبة والغادية من الشام وإليها، إنما اختار طريقا آخر، قد يكون أقصر من الطريق العادي، ومن أجل هذا احتاج الركب إلى الدليل الخبير في مجاهل الطرق ومساربها.
2 – أخذ الحيطة والحذر والسرية أثناء الرحلة على طول الطريق:
وتجلى ذلك في صور منها:
أ- الحراسة المستمرة لرسول الله من بين يديه ومن خلفه:
كان أبو بكر رضي الله عنه ( يَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَاعَةً خَلْفَهُ حَتَّى فَطِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا لَكَ تَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْ وَسَاعَةً خَلْفِي؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَذَكُرُ الطَّلَبَ فَأَمْشِي خَلْفَكَ، ثُمَّ أَذَكَرُ الرَّصْدَ، فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ بِكَ دُونِي؟» قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا كَانَتْ لِتَكُونَ مِنْ مُلِمَّةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِي دُونَكَ..) ().
ب- استخدام التورية والتعريض:( هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ ):
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى المَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ ﷺ شَابٌّ لاَ يُعْرَفُ، قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، قَالَ: فَيَحْسِبُ الحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ.
وَفِي حَدِيثِ الهجرة من الفوائد و الدروس والعظات الكثيرمنها:
اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ عَلَى هِدَايَةِ الطَّرِيقِ إِذَا أُمِنَ إِلَيْهِ.
واستئجار الْإِثْنَيْنِ وَاحِدًا على عمل وَاحِد جَازَ وَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا الَّذِي اشْتَرَطَاهُ إِذَا جَاءَ الْأَجَلُ أَوْرَدَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ أَنَّهُمَا وَاعَدَا الدَّلِيلَ بِرَاحِلَتَيْهِمَا بَعْدَ ثَلَاثٍ ().
وَاسْتَنْبَطَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ جَوَازَ إِجَارَةِ الدَّارِ مُدَّةً مَعْلُومَةً قَبْلَ مَجِيءِ أَوَّلِ الْمُدَّةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْأَصْلِ فَيَلْحَقُ بِهِ الْفَرْعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ().
– وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَمَزَ بِالتَّرْجَمَةِ – أي (بَابُ هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا)- إِلَى تَوْهِينِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ : ( زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا ) ().
5- قَالَ ابن بَطَّالٍ : الصِّدِّيقُ الْمُلَاطِفُ لَا يَزِيدُهُ كَثْرَةُ الزِّيَارَةِ إِلَّا محبَّة بِخِلَاف غَيره ().
6- «قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، أُرِيتُ سَبِخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ» ().
قال ابن خزيمة : فَالْأَرْضُ السَّبِخَةُ هِيَ طَيِّبَةٌ عَلَى مَا خَبَّرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْمَدِينَةَ طَيْبَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ طَيِّبَةً وَهِيَ سَبِخَةٌ، فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَرَ بِالتَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ فِي نَصِّ كِتَابِهِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ الْمَدِينَةَ طَيْبَةٌ أَوْ طَابَةٌ مَعَ إِعْلَامِهِ إِيَّاهُمْ أَنَّهَا سَبِخَةٌ، وَفِي هَذَا مَا بَانَ وَثَبَتَ أَنَّ التَّيَمُّمَ بِالسِّبَاخِ جَائِزٌ ” ().
بوب ابن خزيمة عليه بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّزَوُّدِ لِلسَّفَرِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ ﷺ وَمُخَالَفَةً لِبَعْضِ مُتَصَوِّفَةِ أَهْلِ زَمَانِنَا ().
عدم الرضى بالذلة والخنوع تحت من يخالفك ويحاربك في دينك.
– تشير الهجرة إلى أن الإسلام لا يعرف وطنا ولا قوما بعينهم، يكون حكرا عليهم، فالقوم في الإسلام هم المسلمون، والوطن فيه الذي ترتفع على قممه شامخات: راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، يعمل المسلم على امتدادها حيث استطاع.
الهجرة حدث عظيم في تاريخ الأمة ولهذا أرخ بها المسلمون تاريخهم، ولم يكن انتقال الصحابة من أرضهم سياحة وإِنما خرجوا قسرا إِلى أرض ذات وباء تاركين أموالهم وأولادهم وأرضهم، لكن الله عوضهم خيرا، فصححها لهم وبارك لهم في مُدِّها وصاعِها.
عداوة المشركين والشياطين للحق وأهله، وأنهم لما عجزوا عن مواجهة الحجة بالحجة لجأوا إِلى منطق القوة والتآمر لتصفية رأس الدعوة وقتله. فحين ييأس المبطلون من إيقاف دعوة الحق والإصلاح، وحين يفلت المؤمنون من أيديهم ويصبحون في منجى من عدوانهم، يلجؤون آخر الأمر إلى قتل الداعية المصلح، ظنًا منهم أنهم إن قتلوه تخلصوا منه، وقضوا على دعوته، وتأبى سنة الله إلا أن تعاملهم بنقيض قصدهم سوآء تمكنوا من قتل المصلح والداعي إلى الله – كما في قصة أصحاب الإخدود – أو لم يتمكنوا كما في قصة الهجرة تبقى كلمة الله ودينه ودعوته هى العليا والأخرى هى السفلى.
حفظ الله لرسوله – ﷺ – ورعايته له حيث أطلعه على مؤامرتهم، وأمره أن لا يبيت في فراشه تلك الليلة التي تواعدوا فيها للغدر به.
أن الإيمان الصحيح إذا دخل القلوب لابد أن يؤتي أكله وثمرته من العمل الظاهري والجهاد بالنفس والمال.
– التضحية بالنفس ،والمال ،والوطن من أجل دين الله ۵.
أهمية الحياة في مكان يسهل معه فهم الإسلام.
التخطيط الجيد وطول مدته أحد أهم عوامل النصر والنجاح.
التخطيط الدقيق للإِفلات من مؤامرة الأعداء، والأخذ بالأسباب المشروعة وهذا لا ينافي التوكل على الله.
إن تفكير قائد الدعوة، أو رئيس الدولة، أو زعيم حركة الإصلاح في النجاة هو ومن معه من تآمر المتربصين والمغتالين، وعمله لنجاح خطة النجاة ليستأنف حركته أشد قوة ومراسا في ميدان آخر، لا يعتبر جبنا ولا فرارا من الموت، ولا ضنا بالتضحية بالنفس والروح.
الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله أحد عوامل التوفيق.
– أهمية حفظ السر في نجاح الأعمال العظيمة
جواز التورية