احدث الاخبارالصراط المستقيم

خطبة الجمعة الموافق 28أكتوبر 2022….حق الوطن

إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.

الدافع للحديث عن هذا الموضوع عدة أمور منها:

بيان بعض ما يستحقه الوطن علينا مثل التعليم والتعلم ومحاولة رفع الجهل عن الناس لأن الجهل مع الظلم أساس كل شر والعدل مع العلم أساس كل خير ؛والله لا يقدس أمة أقامت الحدود على الضعفاء دون الشرفاء ولم تأخذ لضعيفهم من قويهم فإذا وفيناه هذا الحق استغفر لنا الوطن وبكى علينا عند موتنا وإذا لم نوف لم يستغفر لنا ولن يبكى علينا عند موتنا بل استراح منا ومن أمثالنا.

من حقه علينا أن نبذل له النفع العام كالزكاوات والتي بها تُستمطر المطر وتقينا ميتات السوء ويداوى المرضى ونمنع عن الوطن الشر العام وذلك بأمور منها إقامة الحدود فإذا وفينا بهذا الحق نجى ونجونا جميعا وإلا هلك وهلكنا جميعا ولا يبكى علينا ولا نبكي عليه والحالة هذه ومن حقه ألا يبكي علينا فالجزاء من جنس العمل,طالما لم نتداع له ونبكي عليه.

فمن حق الوطن على أبناءه لينقذوه من الغرق وينجوه وأهله من الهلاك أن يأخذوا على يد الظالم ولا يداهنوه لينجوا جميعا كما ضرب لنا ﷺ مثلا لذلك فقال:” مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا.

ومن حق الوطن علينا أن نجعله يحيا الحياة الحقيقية وهي :

الحياةُ في إقامة الحدود:

قَالَ تَعَالَى: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 179].

قَالَ الزجاجُ:ومعنى الحياة في القصاص أن الرجل – إذا علم أنَّه يُقْتَل إنْ قتَل -أمسك عن القتل ففي إمساكه عن القتل حياة الذي همَّ هو بقتله. -وحياة له؛ لأنه من أجل القصاص أمسك عن القتل فَسَلِم أن يقتل. ().

قَالَ ابنُ كثير:وَقَوْلُهُ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} يَقُولُ تَعَالَى: وَفِي شَرْع الْقِصَاصِ لَكُمْ -وَهُوَ قَتْلُ الْقَاتِلِ -حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ لَكُمْ، وَهِيَ بَقَاءُ المُهَج وصَوْنها؛ لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ القاتلُ أَنَّهُ يُقْتَلُ انْكَفَّ عَنْ صَنِيعِهِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ حَيَاةُ النُّفُوسِ().

هلاك من كانوا قبلنا بترك اقامة الحدود لا سيما على الشريف:

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ”

ومن حق الوطن أيضا:

أن تَأخذَ الأُمةُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ:

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: «أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟» قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «صَدَقَتْ، صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟»

ويستريح الوطن بموت الأشرار والمفسدين :

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ»().

قَالَ بن حجر: قَوْلُهُ : (مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا) زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ : (مِنْ أَوْصَابِ الدُّنْيَا ) وَالْأَوْصَابُ جَمْعُ وَصَبٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ دَوَامُ الْوَجَعِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى فُتُورِ الْبَدَنِ وَالنَّصَبُ بِوَزْنِهِ لَكِنْ أَوَّلُهُ نُونٌ هُوَ التَّعَبُ وَزْنَهُ وَمَعْنَاهُ وَالْأَذَى من عطف الْعَام على الْخَاص .

قَالَ بن التِّين: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمُؤْمِنِ التَّقِيَّ خَاصَّةً وَيَحْتَمِلُ كُلَّ مُؤْمِنٍ وَالْفَاجِرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْكَافِرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْعَاصِي .

وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: أَمَّا اسْتِرَاحَةُ الْعِبَادِ فَلِمَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْمُنْكَرِ فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ آذَاهُمْ وَإِنْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا وَاسْتِرَاحَةُ الْبِلَادِ مِمَّا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْمَعَاصِي فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْجَدْبُ فَيَقْتَضِي هَلَاكَ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ وَتَعَقَّبَ الْبَاجِيُّ أَوَّلَ كَلَامِهِ بِأَنَّ مَنْ نَالَهُ أَذَاهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يُنْكِرَ بِقَلْبِهِ أَوْ يُنْكِرَ بِوَجْهٍ لَا يَنَالُهُ بِهِ أَذًى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِرَاحَةِ الْعِبَادِ مِنْهُ لِمَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ ظُلْمِهِ وَرَاحَةُ الْأَرْضِ مِنْهُ لِمَا يَقَعُ عَلَيْهَا مِنْ غَصْبِهَا وَمَنْعِهَا مِنْ حَقِّهَا وَصَرْفِهِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ وَرَاحَةِ الدَّوَابِّ مِمَّا لَا يَجُوزُ مِنْ إِتْعَابِهَا وَاللَّهُ اعْلَم.

ومن عظيم الآيات أن

الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ  وسائر الوطن يحاربُ مع المسلمين:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: ” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ.

ومن الآيات الباهرات

إِنَّ الْعَالِمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ الوطن:

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ – رضي الله عنه – قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ , وَالْآخَرُ عَالِمٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : ” فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ , كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِنَّ اللهَ , وَمَلَائِكَتَهُ , وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ , وَالْأَرَضِينَ , حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا , وَحَتَّى الْحُوتَ , لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ.

بعض ما يغذى فينا حب الوطن :

الاعتصام بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا:

الأدلة من القرآن :

{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]

{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [الأنفال: 46]

{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]

الأدلة من السنة :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ “()

أن يجد فيه الأمن والكفاية:

 

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»()

أن لا يجد فيه من يروعه:

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا»

ولو بالإَشَارَة إِلَيه بِحَدِيدَةٍ:

عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ»

فضلا عن ان يحمل عليه السلاح:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا»

 

 

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”

يَتَعَلَّقُ بِالْوَطَنِ بِأَنْوَاعِهِ الثَّلاَثَةِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، أَهَمُّهَا: قَصْرُ الصَّلاَةِ، وَجَمْعُ الصَّلَوَاتِ، وَالإِْفْطَارُ فِي رَمَضَانَ، وَالأُْضْحِيَّةُ، وَصَلاَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

قَصْرُ الصَّلاَةِ:

أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَاطِنَ فِي وَطَنِهِ الأَْصْلِيِّ أَوْ وَطَنِ الإِْقَامَةِ، لاَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ؛لأَِنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةُ السَّفَرِ، وَلاَ يَكُونُ الْقَاطِنُ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَطَنَيْنِ مُسَافِرًا، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ إِذَا عَادَ إِلَى وَطَنِهِ الأَْصْلِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِ الإِْتْمَامُ مِنْ حِينِ الدُّخُول إِلَى الْوَطَنِ، سَوَاءٌ نَوَى الإِْقَامَةَ فِيهِ مُدَّةً، أَوْ أَقَامَ فِيهِ فِعْلاً، أَوْ نَوَى الْمُرُورَ فِيهِ لِمُتَابَعَةِ السَّفَرِ، وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ إِذَا دَخَل بَلَدًا وَنَوَى فِيهِ الإِْقَامَةَ، أَوْ أَقَامَ فِيهِ فِعْلاً الْمُدَّةَ الْقَاطِعَةَ لِلسَّفَرِ، – بِحَسَبِ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ – فَإِنَّهُ يُعَدُّ مُقِيمًا وَيُتِمُّ الصَّلاَةَ.

الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ صَلاَتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ صَلاَتِيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، جَمْعَ تَقْدِيمٍ أَوْ جَمْعَ تَأْخِيرٍ بِشُرُوطِهِ.

وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا: لاَ جَمْعَ فِي السَّفَرِ.

الإْفْطَارُ فِي رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ:

لِلْمُسَافِرِ بِشُرُوطِهِ أَنْ يُفْطِرَ فِي رَمَضَانَ مَا دَامَ مُسَافِرًا، وَإِنِ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ الشَّهْرَ كُلَّهُ وَالْعُمْرَ كُلَّهُ، فَإِذَا انْقَطَعَ سَفَرُهُ، فَإِنْ كَانَ الاِنْقِطَاعُ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَانَ – بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ – وَجَبَ عَلَيْهِ الإِْمْسَاكُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ حُرْمَةً لِلشَّهْرِ، ثُمَّ الصِّيَامُ فِيالأَْيَّامِ الأُْخْرَى، وَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُ السَّفَرِ فِي اللَّيْل لَزِمَهُ الصِّيَامُ فِي الأَْيَّامِ الأُْخْرَى، مَا لَمْ يُسَافِرْ.

وَانْقِطَاعُ السَّفَرِ يَكُونُ بِالْعَوْدَةِ إِلَى الْوَطَنِ الأَْصْلِيِّ وَلَوْ كَانَ مُرُورًا فِيهِ، أَوْ بِأَنْ يُصْبِحَ مُقِيمًا فِي وَطَنِ الإِْقَامَةِ بِشُرُوطِهِ.

الإْعْفَاءُ مِنَ الأْضْحِيَّةِ:

ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الأُْضْحِيَّةِ الْوُجُوبُ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهُمْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَاشْتَرَطَ الأَْوَّلُونَ لِوُجُوبِهَا الإِْقَامَةَ، وَقَالُوا: لاَ تَجِبُ الأُْضْحِيَّةُ عَلَى الْمُسَافِرِ؛ لأَِنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ لاَ يَجِدُ مَا يُضَحِّي بِهِ بِشُرُوطِهِ، فَيَكُونُ فِي تَكْلِيفِهِ بِهَا حَرَجٌ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَعَلَيْهِ فَإِذَا انْقَطَعَ السَّفَرُ قَبْل فَجْرِ يَوْمِ عِيدِ الأَْضْحَى، وَهُوَ وَقْتُ الْوُجُوبِ، فَإِنَّ الأُْضْحِيَّةَ تَلْزَمُهُ، لاِنْقِطَاعِ سَفَرِهِ عِنْدَ وُجُوبِهَا، وَيَنْقَطِعُ السَّفَرُ – كَمَا تَقَدَّمَ – بِدُخُول الْوَطَنِ الأَْصْلِيِّ وَلَوْ مُرُورًا فِيهِ، أَوْ بِعَدِّهِ مُقِيمًا فِي وَطَنِ الإِْقَامَةِ، أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِسِنِّيَّةِ الأُْضْحِيَّةِ، فَلَمْ يَشْتَرِطُوا الإِْقَامَةَ.

سُقُوطُ التَّكْلِيفِ بِالْجُمُعَةِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الإِْقَامَةَ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ، فَلاَ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمُسَافِرِ، فَإِذَا انْقَطَعَ السَّفَرُ قَبْل إِقَامَةِ صَلاَةِ

الْجُمُعَةِ، وَجَبَتْ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ، وَانْقِطَاعُ السَّفَرِ يَكُونُ بِدُخُول الْوَطَنِ الأَْصْلِيِّ مُطْلَقًا، وَلَوْ مُرُورًا فِيهِ، أَوْ بِعَدِّهِ مُقِيمًا فِي وَطَنِ الإِْقَامَةِ بِشُرُوطِهِ.

سُقُوطُ التَّكْلِيفِ بِالْعِيدَيْنِ:

صَلاَةُ الْعِيدَيْنِ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَفَرْضُ كِفَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ شَرْطَ التَّكْلِيفِ بِهَا الإِْقَامَةُ أَوِ الاِسْتِيطَانُ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَلاَ يُكَلَّفُ بِهَا الْمُسَافِرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَإِذَا دَخَل الْمُسَافِرُ وَطَنَهُ الأَْصْلِيَّ أَوْ أَقَامَ فِي وَطَنِ إِقَامَةٍ بِشُرُوطِهِ قَبْل حُلُول وَقْتِهَا، كُلِّفَ بِهَا كَمَا فِي الْجُمُعَةِ.

نَقْل الزَّكَاةِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُزَكِّي فِي بَلَدٍ، وَمَالُهُ مَعَهُ فِي نَفْسِ الْبَلَدِ، فَإِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِزَكَاةِ هَذَا الْمَال أَهْل الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُزَكِّي فِي بَلَدٍ وَأَمْوَالُهُ فِي آخَرَ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَلَدُ وُجُودِ الْمَال أَوْ بَلَدُ وُجُودِ الْمُزَكِّي، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ.

تَوَطُّنُ الْحَرْبِيَّةِ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ:

إِذَا دَخَلَتِ الْحَرْبِيَّةُ دَارَ الإِْسْلاَمِ بِأَمَانٍ وَتَزَوَّجَتْ بِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ تَصِيرُ ذِمِّيَّةً، فَالْمَرْأَةُ بِالسُّكْنَى تَابِعَةٌ لِلزَّوْجِ؛ لأَِنَّهَا لاَ تَخْرُجُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَجَعَلَتْ نَفْسَهَا تَابِعَةً لِمَنْ هُوَ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَصَارَتْ ذِمِّيَّةً () .

تَغْرِيبُ الزَّانِي الْغَرِيبِ إِلَى غَيْرِ وَطَنِهِ:

صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِذَا زَنَى غَرِيبٌ غُرِّبَ إِلَى بَلَدٍ غَيْرِ وَطَنِهِ لِيَكُونَ تَغْرِيبًا

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْغَرِيبُ إِنْ زَنَى بِفَوْرِ نُزُولِهِ الْبَلَدَ الَّذِي زَنَى بِهِ يُسْجَنُ فِيهِ، وَإِنْ زَنَى بِهِ بَعْدَ تَأَنُّسِهِ بِأَهْلِهِ يُغَرَّبُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ

هِجْرَةُ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ وَطَنِهِ:

الِهِجْرَةِ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ وَطَنِهِ حَالاَتٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ.

التَّوَطُّنُ فِي دَارِ الْحَرْبِ:

لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُسَافِرَ مِنْ دَارِ الإِْسْلاَمِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ لِلتَّوَطُّنِ فِيهَا عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ.

أَمَّا السَّفَرُ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ: فَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: لاَ يُمْنَعُ مِنْهُ إِذَا لَمْ يُلْزِمُوهُ بِفِعْل مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ. أَمَّا إِذَا كَانَ السَّفَرُ لِتَحْقِيقِ مَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَمُفَادَاةِ مُسْلِمٍ أَوْ تَبْلِيغِ رِسَالَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.