احدث الاخبارالصراط المستقيم

خطبة الجمعة الموافق 29 سبتمبر 2023……مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته

إعداد الدكتور عبد المنعم ابراهيم عامر.

الأهداف الدافعة للكلام حول هذا الموضوع :

1- لنتعرف ونعرف من صفاته الثابته بالكتاب والسنة ما نوقره ونعزره بمقتضاها لا سيما صفة الرحمة ؛فهو الرحمة المهداه من مولانا ومولاه :

رَحْمَةُ اللَّهِ بِكَ وَبِهِمْ هى التي جَعَلَتَكَ رَحْمَةً ولَيِّنًا بهم:

قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].

قَالَ الماوردي : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُم} يعني فبرحمة من الله , و {مَا} صلة دخلت لحسن النظم().

قَالَ ابنُ كثير: يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا رَسُولَهُ ﷺ ، مُمْتَنًّا عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا أَلَانَ بِهِ قَلْبَهُ عَلَى أُمَّتِهِ، الْمُتَّبِعِينَ لِأَمْرِهِ، التَّارِكِينَ لِزَجْرِهِ، وَأَطَابَ لَهُمْ لَفْظَهُ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ جَعَلَكَ لَهُمْ لَيِّنًا لَوْلَا رَحْمَةُ اللَّهِ بِكَ وَبِهِمْ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هَذَا خُلُقُ مُحَمَّدٍ ﷺ بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ شَبِيهَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التَّوْبَةِ:128] () .

ومَحْقُ الْأَوْثَانِ، وَالْمَعَازِفِ وَالْمَزَامِيرِ، وَأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِرَحْمَة وَهَدًى لِلْعَالَمِينَ:

فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بُعِثْتُ رَحْمَةً وَهَدًى لِلْعَالَمِينَ، لِمَحْقِ الْأَوْثَانِ، وَالْمَعَازِفِ وَالْمَزَامِيرِ، وَأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ»() .

نَبِيُّ الرَّحْمَةِ:

عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً، فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ»().

إِنَّمَا أَنَا رَحْمَــــــــةٌ مُــهْدَاةٌ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ»()،وعنه بلفظ:«إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً مُهْدَاةً»() .

– لبيان عظيم فضل الله سبحانه وتعالى عَلَى هذه الأمة، حيث جعلها محلّ تخفيف، ورحمة، بسبب نبيّها ﷺ الذي هو رحمة مهداة للخلق، كما قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} () .أى للكافرين أيضًا،ومن مظاهر رحمته بهم ما سيأتى عن الطُّفَيْل وَأَصْحَابه أنَّهم لما قَدِمَوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ دَوْسًا قَدْ كَفَرَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ فَقَالَ: «اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ»()،وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ ﷺ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً»() .

– لنزداد معرفة بحق نبينا ﷺ علينا قال الْحَلِيمِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ -” فإذَا تَأَمَّلَ الْعَاقِلُ مَوَاقِعَ الْخَيْرَاتِ الَّتِي سَاقَهَا اللهُ تَعَالَى إِلَى عِبَادِهِ بِالنَّبِيِّ ﷺ فِي الدُّنْيَا، وَمَا هُوَ سَابقُهُ إِلَيْهِمْ بِفَضْلِهِ مِنْ شَفَاعَتِهِ لَهُمْ فِي الْأُخْرَى عَلِمَ أَنَّهُ لَا حَقَّ بَعْدَ حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى أَوْجَبُ مِنْ حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ ” وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ() .

– لأنها أبرز صفة من صفاته ﷺ ،وَلَيْسَتْ حَاجَةُ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَى الرَّسُولِ – الرحمة المهداة -كَحَاجَتِهِمْ إِلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ، وَلَا كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إِلَى حَيَاتِهِ، وَلَا كَحَاجَةِ الْعَيْنِ إِلَى ضَوْئِهَا وَالْجِسْمِ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَشَدُّ حَاجَةً مِنْ كُلِّ مَا يَقْدِرُ وَيَخْطُرُ بِالْبَالِ () .

– لمعرفة مواطن رحمة النبى ﷺ بأمته فنقتدي به فيها بل وفي أصل صفة الرحمة فنتراحم فيما بيننا ؛لأن التراحم ركيزة من أهم الركائز التي يقوم عليها المجتمع المسلم بجميع أفراده, يستشعرون من خلالها معنى الوحدة والألفة فيصيرون كالجسد الواحد الذي يشتكي إذا اشتكى أحد أعضائه ويئن إذا أنَّ فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى() .

لأن الأمة المتراحمة أمة مقدسة فكَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: «أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟» قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «صَدَقَتْ، صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟»() .

لأن أهل الرحمة مخصوصون برحمة الله تبارك وتعالى دون سواهم, معنيون بها دون غيرهم فقد قال الرسول ﷺ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ” الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَالرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، مَنْ وَصَلَهَا، وَصَلَتْهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا، بَتَّتْهُ ” () .

لأن اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ التى هى فرع عن رحمته التى سبقت وغلبت غضبه فأرسل بها الرحمة المهداة فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عزائمه.

مظاهر رحمة النبي ﷺ بالأمة:

اعلم أن الأمة أمتان أمة دعوة هو المعنية بمثل قوله ﷺ «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» ().

“الأمة ” جمع لهم جامع من دين أو زمان أو مكان أو غير ذلك, فأمة محمد تطلق تارة ويراد بها: كل من كان مبعوثا إليهم وآمن به أو لم يؤمن, ويسمون: أمة الدعوة, وتطلق أخرى ويراد بها: المؤمنون به والمذعنون له, وهم أمة الإجابة, وهي ها هنا بالمعنى الأول بدليل قوله:” ولم يؤمن بي “0 واللام فيها للاستغراق أو للجنس() .

وَقَوْلُهُ ﷺ: ( لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ) أَيْ من هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ القيامة فكلهم يجب عليهم الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ النصارى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ() .

أولاً: رحمة النبي ﷺ بأمة الإجابة:

رحمتــــــــــــه بالمؤمنين:

أولاً : الأدلة من القرآن على رحمته بالمؤمنين:

1- قَوْلهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التَّوْبَةِ:128] .

قال ابن كثير : وَقَوْلُهُ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ. وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [الشُّعَرَاءِ: 215-217] وَهَكَذَا أَمَرَهُ تَعَالَى() .

{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} فيه وجهان:

أحدهما: بما يأمرهم به من الهداية ويؤثره لهم من الصلاح.

الثاني: بما يضعه عنهم من المشاق ويعفو عنهم من الهفوات , وهو محتمل. () .

2- قال الحليمي : وَسَمَّى اللهُ نَبِيَّنَا ﷺ فِي كِتَابِهِ: {سِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 46]، وَذَلِكَ عَلَى معنى أَنَّهُ أَخْرَجَ النَّاسَ بِهِ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْهُدَى وَالتِّبْيَانِ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم: 1] “() .

ثانياً : الأدلة من السنة والسيرة على رحمته بالمؤمنين:

1- لمَا تقدم من أنه رَحْمَــــــــةٌ مُــهْدَاةٌ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ»()،وعنه بلفظ:«إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً مُهْدَاةً»() .

” إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ “أي ذو رحمة عبر عنه بها مبالغة أي رحم الله عباده بإيجادي(). وَالرَّحْمَةُ : الْعَطْفُ وَالرَّأْفَةُ وَالْإِشْفَاقُ، لِأَنَّهُ ﷺ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، وَلِذَا كَانَتْ أُمَّتُهُ أُمَّةً مَرْحُومَةً، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَا يَرْحَمُ إِلَّا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ().

قال المناوي: (إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ) أي ذو رحمة أو مبالغ في الرحمة حتى كأني عينها لأن الرحمة ما يترتب عليه النفع ونحوه وذاته كذلك وإن كانت ذاته رحمة فصفاته التابعة لذاته كذلك().

وقوله: ( مُهْدَاةً) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ من الهدية وهي ما يتحف به أي إن الله أتحف البشر ببعثته ليدلهم على خير الدارين() .وقيل: أي أهداني لعباده لأدلهم على النجاة وأجنبهم مسالك الهلاك فمن قبل رحمة الله وهديته فاز وأفلح، ومن ردها خاب وخسر() . والهدية ما تبعث على وجه الإكرام ونحوه() .

2- وَأنه نَبِيُّ الرَّحْمَةِ :

وفي ذلك حديثان:

أ- عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً، فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ»().

(المقفي) قال شمر: هو بمعنى العاقب وقال ابن الأعرابي هو المتبع للأنبياء يقال قفوته أقفوه وقفيته أقفيه إذا اتبعته وقافيته كل شيء آخره (نَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ) معناهما متقارب ومقصودهما أنه ﷺ جاء بالتوبة وبالتراحم قال الله تعالى{ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }[الفتح: 29] { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ }[البلد: 11 – 18].

ب- « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ () نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي قَدْ تَوَجَّهْتُ بِكَ ()إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ »() .

3- لأنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنه مُعَنِّفًا، وَلَكِنْ بَعَثَنه مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا: ( …وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخِيَارَ، فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ، فَقَالَ: ” إِنِّي ذاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، مَا أُحِبُّ أَنْ تَعْجَلِي فِيهِ، حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ “، قَالَتْ: مَا هُوَ؟ قَالَ: فَتَلَا عَلَيْهَا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28] الْآيَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ: أَفِيكَ أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ لِامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِكَ مَا اخْتَرْتُ، فَقَالَ: ” إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّفًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا، لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ عَمَّا اخْتَرْتِ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا “() .

4- غضبه فيه الرحمة:

(إنما أنا رحمة مهداة) بضم الميم أهداها الله تعالى للعالمين قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا ‌رَحْمَةً ‌لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107] ولا يشكل بأنه كان يغضب لأن غضبه فيه الرحمة أيضاً() .

– عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قُرَّةَ، قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَائِنِ فَكَانَ يَذْكُرُ أَشْيَاءَ قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لِأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْغَضَبِ، فَيَنْطَلِقُ نَاسٌ مِمَّنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ حُذَيْفَةَ فَيَأْتُونَ سَلْمَانَ فَيَذْكُرُونَ لَهُ قَوْلَ حُذَيْفَةَ، فَيَقُولُ سَلْمَانُ: حُذَيْفَةُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى حُذَيْفَةَ فَيَقُولُونَ لَهُ قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَكَ لِسَلْمَانَ فَمَا صَدَّقَكَ وَلَا كَذَّبَكَ، فَأَتَى حُذَيْفَةُ سَلْمَانَ وَهُوَ فِي مَبْقَلَةٍ فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَدِّقَنِي بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ؟ فَقَالَ سَلْمَانُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَغْضَبُ فَيَقُولُ فِي الْغَضَبِ لِنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَيَرْضَى فَيَقُولُ فِي الرِّضَا لِنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَمَا تَنْتَهِي حَتَّى تُوَرِّثَ رِجَالًا حُبَّ رِجَالٍ وَرِجَالًا بُغْضَ رِجَالٍ، وَحَتَّى تُوقِعَ اخْتِلَافًا وَفُرْقَةً؟ وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ فَقَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي سَبَبْتُهُ سَبَّةً، أَوْ لَعَنْتُهُ لَعْنَةً فِي غَضَبِي، فَإِنَّمَا أَنَا مِنْ وَلَدِ آدَمَ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُونَ، وَإِنَّمَا بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ صَلَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»() . وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لَأَكْتُبَنَّ إِلَى عُمَرَ.

وفي هذا المعنى أحاديث منها:

أ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَةِ»() .

وَفِي الْحَدِيثِ كَمَالُ شَفَقَتِهِ ﷺ عَلَى أُمَّتِهِ وَجَمِيلُ خُلْقِهِ وَكَرَمُ ذَاتِهِ حَيْثُ قَصَدَ مُقَابَلَةَ مَا وَقَعَ مِنْهُ بِالْجَبْرِ والتكريم وَهَذَا كُله فِي حق معِين فِي زَمَنه وَاضِحٍ وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْهُ بِطَرِيقِ التَّعْمِيمِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ حَتَّى يَتَنَاوَلَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَهُ ﷺ فَمَا أَظُنُّهُ يَشْمَلهُ وَالله اعْلَم() .

ب- عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا، وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ، قَالَ: «وَمَا ذَاكِ» قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا، قَالَ: ” أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا “() .

فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَفَادَى مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَكَالِيفَ قَدْ تَشُقُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يَتَجَنَّبُ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا يَكُونُ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى أَصْحَابِهِ إِذَا اقْتَدَوْا بِهِ فِيهِ، كَمَا قَال تَعَالَى: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [

التوبة: 128]

فَمِنْ ذَلِكَ :

رحمة النبي ﷺ بأمته في جانب العبادت:

تمهيد:

أَرْشَد النَّبِيُّ ﷺ إِلَى أَنْ يَأْخُذَ الإِْنْسَانُ نَفْسَهُ فِي النَّوَافِل وَمَا فِيهِ تَخْيِيرٌ مِنَ الْفَرَائِضِ،كَالصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، بِالْمَيْسُورِ ومن الأدلة على ذلك:

1- قَال ﷺ: (عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الأَْعْمَال فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَل حَتَّى تَمَلُّوا) ()

2- قَال ﷺ: (إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِل فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلاَ تُبَغِّضُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضًا قَطَعَ وَلاَ ظَهْرًا أَبْقَى) () .

3- قَال ﷺ: (سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ لاَ يُدْخِل أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ) () .

5- قَال ﷺ: (لاَ تُشَدِّدُوا فَيُشَدِّدِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ {رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}) (الحديد / 27) ()

الطهــــــــــــــــــارة والنظافـــــــــــــــــــــــــة :

1- قَال ﷺ: (لَوْلاَ أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمَّتِي لأََمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُل صَلاَةٍ) () .

2- الثابت في الصحيحين عنه ﷺ “دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ” ().

3- إقراره لعمروبن العاص على التيمم من البرد.

الصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاة :

لِمَنْ أَصَابَهُ الْمَرَضُ:

قال ﷺ : (صَل قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) ().

وَمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: “خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ () .

فَفِي الْحَدِيثِ: ” إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَل الْمَسْجِدَ، وَحَبْلٌ مَرْبُوطٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَقَال: مَا هَذَا؟ قَالُوا: حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فَقَال ﷺ: حُلُّوهُ؛ لِيُصَل أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِل أَوْ فَتَرَ قَعَدَ” ()

تَخْفِيفُ الإمَامِ فِي الصَّلاَةِ:

أَوْرَدَ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ التَّخْفِيفَ فِي بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ؛ مُرَاعَاةً لأَِحْوَال النَّاسِ، وَتَيْسِيرًا لَهُمْ، فَقَدْ أَمَرَ ﷺ الأَْئِمَّةَ بِالتَّخْفِيفِ فِي الصَّلاَةِ وَعَدَمِ تَطْوِيل قِرَاءَتِهَا، وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، وَذَلِكَ لاِخْتِلاَفِ أَحْوَال الْمَأْمُومِينَ؛ لأَِنَّ فِيهِمِ الضَّعِيفَ، وَالْمَرِيضَ، وَالْعَاجِزَ () .

فَلاَ يُطَوِّل الإِْمَامُ الصَّلاَةَ لِئَلاَّ يَشُقَّ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ:” إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ، وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّل مَا شَاءَ ” () .

وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَال: وَاَللَّهِ يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي لأََتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْل فُلاَنٍ، مِمَّا يُطِيل بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدُّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَال: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَةِ. ().

عَدَمُ التَّطْوِيل فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ:

وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِلإْمَامِ أَنْ يُرَاعِيَ عَدَمَ التَّطْوِيل فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ إِنَّ طُول صَلاَةِ الرَّجُل وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ () .

تَخْفِيفُ الإِْمَامِ فِي الصَّلاَةِ من أجلهم جميعا:

أَوْرَدَ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ التَّخْفِيفَ فِي بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ؛ مُرَاعَاةً لأَِحْوَال النَّاسِ، وَتَيْسِيرًا لَهُمْ، فَقَدْ أَمَرَ ﷺ الأَْئِمَّةَ بِالتَّخْفِيفِ فِي الصَّلاَةِ وَعَدَمِ تَطْوِيل قِرَاءَتِهَا، وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، وَذَلِكَ لاِخْتِلاَفِ أَحْوَال الْمَأْمُومِينَ؛ لأَِنَّ فِيهِمِ الضَّعِيفَ، وَالْمَرِيضَ، وَالْعَاجِزَ () .

فَلاَ يُطَوِّل الإِْمَامُ الصَّلاَةَ لِئَلاَّ يَشُقَّ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ، وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ، فَلْيُطَوِّل مَا شَاءَ () . . وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَال: وَاَللَّهِ يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي لأََتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْل فُلاَنٍ، مِمَّا يُطِيل بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدُّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَال: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَةِ. ()

وَسَبَبُهُ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، كَانَ يُصَلِّي بِأَهْل قُبَاءٍ، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةً طَوِيلَةً، فَدَخَل مَعَهُ غُلاَمٌ مِنَ الأَْنْصَارِ فِي الصَّلاَةِ، فَلَمَّا سَمِعَهُ اسْتَفْتَحَهَا، انْفَلَتَ مِنْ صَلاَتِهِ، فَغَضِبَ أُبَيٌّ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَشْكُو الْغُلاَمَ، وَأَتَى الْغُلاَمُ يَشْكُو أُبَيًّا فَغَضِبَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَال: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَةِ () وَنَحْوُهُ حَدِيثُ مُعَاذٍ الْمَعْرُوفُ.

وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَدْنَى الْكَمَال، فَيَأْتِي بِالْوَاجِبَاتِ، وَالسُّنَنِ، وَلاَ يَقْتَصِرُ عَلَى الأَْقَل وَلاَ يَسْتَوْفِي الأَْكْمَل. وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُونَ مَحْصُورِينَ وَرَضُوا بِتَطْوِيلِهِ الصَّلاَةَ جَازَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل تَطْوِيل النَّبِيِّ ﷺ فِي بَعْضِ مَا أُثِرَ عَنْهُ ().

وَيُشْرَعُ لَهُ أَيْضًا التَّخْفِيفُ لِنَازِلَةٍ تَسْتَدْعِي ذَلِكَ؛ لِمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنِّي لأََقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّل فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمِّهِ ().

وَالتَّخْفِيفُ لِلأَْئِمَّةِ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ().

وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِلإِْمَامِ أَنْ يُرَاعِيَ عَدَمَ التَّطْوِيل فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ إِنَّ طُول صَلاَةِ الرَّجُل وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ ().

لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ..:

وَعَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ” لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ ”

امتناعه مِنَ الْخُرُوجِ للقيام”خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ” :

قَالَ: ” وَامْتَنَعَ مِنَ الْخُرُوجِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ رَمَضَانَ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ، وَقَالَ: ” قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ ”

قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ” والْمَعْنَى خِفْتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَلَا تَرْعُوهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ فَتَصِيرُوا فِي اسْتِيجابِ الذَّمِّ أُسْوَةَ مَنْ قِبْلَكُمْ،

وَهَذَا كُلُّهُ رَأْفَةٌ وَرَحْمَةٌ ﷺ وَجَزَاهُ عَنَّا أَفْضَلَ ما جزى رَسُولًا وَنَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ

وَسَمَّى اللهُ نَبِيَّنَا ﷺ فِي كِتَابِهِ: {سِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 46]، وَذَلِكَ عَلَى معنى أَنَّهُ أَخْرَجَ النَّاسَ بِهِ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْهُدَى وَالتِّبْيَانِ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم: 1] ” ثُمَّ سَاقَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ: ” فإذَا تَأَمَّلَ الْعَاقِلُ مَوَاقِعَ الْخَيْرَاتِ الَّتِي سَاقَهَا اللهُ تَعَالَى إِلَى عِبَادِهِ بِالنَّبِيِّ ﷺ فِي الدُّنْيَا، وَمَا هُوَ سَابقُهُ إِلَيْهِمْ بِفَضْلِهِ مِنْ شَفَاعَتِهِ لَهُمْ فِي الْأُخْرَى عَلِمَ أَنَّهُ لَا حَقَّ بَعْدَ حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى أَوْجَبُ مِنْ حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ ” وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ() .

الدعاء بالرحمة لمن صلى قبل العصر أربعاً :

عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعًا»().

الزكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاة :

كَمَا قَال النَّبِيُّ ﷺ: “لَيْسَ عَلَى الْمُؤْمِنِ فِي عَبْدِهِ وَلاَ فَرَسِهِ صَدَقَةٌ” ().

وَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ:” تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ” ()

وَمِنْ هُنَا جَاءَتِ الْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ الْمَشْهُورَةُ (الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ) وَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ الإِْسْلاَمِيِّ، يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْمُجْتَهِدُ وَالْمُفْتِي كَثِيرًا.

وَقَدْ قَال السُّيُوطِيّ: يَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ غَالِبُ أَبْوَابِ الْفِقْهِ () .

وَمِثْلُهَا قَاعِدَةُ (إِنَّ الأَْمْرَ إِذَا ضَاقَ اتَّسَعَ) وَالْمُرَادُ بِالاِتِّسَاعِ التَّرَخُّصُ عَنِ اتِّبَاعِ الأَْقْيِسَةِ وَطَرْدِ الْقَوَاعِدِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الضِّيقِ وَهُوَ الْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ () .

غَيْرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مُقَيَّدَتَانِ بِقَاعِدَةٍ أُخْرَى هِيَ أَنَّ (الْمَيْسُورَ لاَ يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ) وَدَلِيلُهَا قَوْل النَّبِيِّ ﷺ:” إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ” ()

قَال الْجُوَيْنِيُّ: ” هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنَ الأُْصُول الشَّائِعَةِ الَّتِي لاَ تَكَادُ تُنْسَى مَا أُقِيمَتْ أُصُول الشَّرِيعَةِ “. وَوَجْهُهَا أَنَّ الْعُسْرَ هُوَ سَبَبُ التَّخْفِيفِ، فَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ مَيْسُورًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْفِيفِ فِيهِ مَوْضِعٌ.

وَمِنْ فُرُوعِهَا: إِذَا كَانَ مَقْطُوعَ بَعْضِ الأَْطْرَافِ غَسَل الْبَاقِيَ جَزْمًا. وَالْقَادِرُ عَلَى سَتْرِ بَعْضِ عَوْرَتِهِ دُونَ بَعْضٍ سَتَرَ الْقَدْرَ الْمُمْكِنَ. وَالْقَادِرُ عَلَى بَعْضِ الْفَاتِحَةِ دُونَ بَعْضٍ يَأْتِي بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ. وَمَنْ وَجَدَ مَاءً لاَ يَكْفِي لِكُل طَهَارَتِهِ اسْتَعْمَلَهُ. وَمَنْ وَجَدَ بَعْضَ صَاعٍ فِي الْفِطْرَةِ أَخْرَجَهُ.

وَهِيَ قَاعِدَةٌ غَالِبِيَّةٌ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهَا فُرُوعٌ مِنْهَا: وَاجِدُ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ لاَ يُعْتِقُهَا، بَل يَنْتَقِل إِلَى الْبَدَل. وَمِنْهَا: الْقَادِرُ عَلَى صَوْمِ بَعْضِ يَوْمٍ دُونَ كُلِّهِ لاَ يَلْزَمُهُ إِمْسَاكُهُ، وَإِذَا وَجَدَ الشَّفِيعُ بَعْضَ الثَّمَنِ لاَ يَأْخُذُ قِسْطَهُ مِنَ الشِّقْصِ () .

الصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوم :

كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ

وَمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، قَال: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ () .

” نَهَى عَنِ الْوِصَال “() .أي فِي الصَّوْمِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ ﷺ ” كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّل عَلَيْهِ. فَسَأَل عَنْهُ فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَال: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ” ()فُسِّرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ بَلَغَ مِنْهُ الْجَهْدُ إِلَى مِثْل هَذِهِ الْحَال وَلَمْ يُفْطِرْ.

وَأَرْشَدَ ﷺ إِلَى أَنَّ تَحْصِيل أَجْرِ النَّوَافِل بِفِعْل الْقَلِيل مِنْهَا مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ مِنْهَا وَالدَّوَامِ عَلَيْهِ أَفْضَل مِنَ التَّشْدِيدِ عَلَى النَّفْسِ حِينًا وَالتَّرَاخِي حِينًا آخَرَ، فَقَال ﷺ:” أَحَبُّ الأَْعْمَال إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَل” ().

الحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــج:

لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ:

أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَحُثُّ أَصْحَابَهُ عَلَى تَرْكِ السُّؤَال لِئَلاَّ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَرَائِضُ بِسَبَبِ سُؤَالِهِمْ. فَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْحَجِّ. أَفِي كُل عَامٍ هُوَ؟ فَقَال: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ () .

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا»() .

افعل ولا حرج:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ فَقَالَ: «اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ» فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: «ارْمِ وَلاَ حَرَجَ» فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: «افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ»() .

دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ وَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ دَخَلْتُهَا

قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ عِنْدِي وَهُوَ مَسْرُورٌ طَيِّبُ النَّفْسِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ وَهُوَ كَئِيبٌ، فَقَال: إِنِّي دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ وَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ دَخَلْتُهَا إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ أَتْعَبْتُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي ()

الرِّفْقُ بِالْغَيْرِ وَتَجَنُّبُ إِيذَائِهِ فِي مَوَاطِنِ الاِزْدِحَامِ لِلْعِبَادَةِ:

مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ اسْتِلاَمُ الْحَجَرِ وَتَقْبِيلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، اكْتَفَى بِالإِْشَارَةِ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَوْ بِعُودٍ، وَعِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ يُقَبِّل مَا أَشَارَ بِهِ إِلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ، وَلاَ يُؤْذِي غَيْرَهُ لأَِجْل أَنْ يَصِل إِلَيْهِ وَيُقَبِّلَهُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا عُمَرُ: “إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لاَ تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلاَّ فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّل وَكَبِّرْ “() .

الــــــــــــــــــــدعـــــــــــــــــاء:

“أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ”:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ» () .

الجهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد:

ترك الخروج أحياناً ‌لِئَلَّا يشق على أمته:

وَقَال:” لَوْلاَ أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ قَطُّ “() .

وَمِنْهَا الإْجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الْمَشَقَّةِ وَالْعَنَتِ فِي التَّكْلِيفِ، وَأَنَّهَا وُضِعَتْ عَلَى قَصْدِ الرِّفْقِ وَالتَّيْسِيرِ، وَعَلَى هَذَا لَمْ يَزَل أَهْل الْعِلْمِ وَالْفُتْيَا فِي الأُْمَّةِ عَلَى طَلَبِ الْيُسْرِ عَلَى النَّاسِ.

وَقَال:” خُذُوا مِنَ الأْعْمَال مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَمَل حَتَّى تَمَلُّوا”().

وَقَال:” الْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا “().

وَقَال: “إِنَّ الْمَنْبَتَ لاَ أَرْضًا قَطَعَ وَلاَ ظَهْرًا أَبْقَى.” () .

الحدود:

تَلْقِينُ مَاعِزٍ لِيُدْرَأَ عَنْهُ الْحَدُّ:

يُنْدَبُ تَلْقِينُ مَنْ أَقَرَّ بِمُوجِبِ الْحَدِّ الرُّجُوعَ عَنْهُ، إِمَّا بِالتَّعْرِيضِ، وَإِمَّا بِأَوْضَحَ مِنْهُ؛ لِيُدْرَأَ عَنْهُ الْحَدُّ ()، وَذَلِكَ مِثْل مَا فَعَل النَّبِيُّ ﷺ مَعَ مَاعِزٍ حَيْثُ قَال لَهُ:” لَعَلَّك قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ” () .

الدِّيَات:

الْجَانِي الْمُخْطِئُ خَفَّفَ عَنْهُ الشَّارِعُ بِإِيجَابِ الدِّيَةِ بَدَل الْقِصَاصِ، ثُمَّ جَعَلَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَعَاقِلَةُ الْجَانِي ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى: ذُكُورُ عَصَبَتِهِ نَسَبًا، كَالآْبَاءِ، وَالأَْبْنَاءِ، وَالإِْخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَبَنُوهُمْ، وَالأَْعْمَامُ، وَالْمُعْتِقُ.

وَذَلِكَ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ:” أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَضَى أَنْ يَعْقِل عَنِ الْمَرْأَةِ عَصَبَتُهَا مَنْ كَانُوا، وَلاَ يَرِثُونَ مِنْهَا إِلاَّ مَا فَضَل عَنْ وِرْثِهَا “() .

المعاملات

الدعاء بالرحمة لمن اتصف بالسماحة في البيع والشراء

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» صحيح: حديث: ” رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا”() .

وَقَدْ نَدَبَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الرِّفْقِ فِي تَنَاوُل الأُْمُورِ وَمُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ :

فَقَال ﷺ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِأَهْل بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَل عَلَيْهِمِ الرِّفْقَ ()

وَقَال ﷺ: إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ()

وَقَال ﷺ: مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ () .

السياسة الشرعية

تَيْسِيرُ الإِْمَامِ، وَالْوُلاَةِ، وَالْعُمَّال، عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَالرِّفْقُ بِهِمْ:

وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: ” اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ” ().

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

تَيْسِيرُ الْمُعَلِّمِينَ، وَالدُّعَاةِ عَلَى الْمَدْعُوِّينَ، وَالرِّفْقُ بِهِمْ:

وَقَدْ أَرْسَل النَّبِيُّ ﷺ أَبَا مُوسَى الأَْشْعَرِيَّ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، وَكَانَ فِيمَا أَوْصَاهُمَا بِهِ أَنْ قَال: بَشِّرَا وَيَسِّرَا وَعَلِّمَا وَلاَ تُنَفِّرَا ()

وَقَال أَنَسٌ: قَال النَّبِيُّ ﷺ:” يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا “().

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي» قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ ﷺ ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى»().

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مَا كَانَ فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالرِّفْقِ بِالْجَاهِلِ وَمُسَامَحَةُ الْمُصَابِ وَقَبُولُ اعْتِذَارِهِ().

أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي المَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: «دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»().

وَفِيهِ الرِّفْقُ بِالْجَاهِلِ وَتَعْلِيمُهُ مايلزمه مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ عِنَادًا وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْلَافِهِ وَفِيهِ رَأْفَةُ النَّبِيِّ ﷺ وَحسن خلقه قَالَ بن ماجة وبن حِبَّانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدَ أَنْ فُقِّهَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَامَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَلَمْ يُؤَنِّبْ وَلَمْ يَسُبَّ.

مظاهر ﷺ رحمته بأمة الدعوة

رَحْمَة مُهداة لِلْمُؤمنِ والْكَافِر:

عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال: ((إنما أنا رَحْمَة مهداة))().

أَرْسلنِي (رَحْمَة مهداة) لِلْمُؤمنِ والْكَافِر بتأخر الْعَذَاب وَنَحْوه () .

والمعنى : أي ما أنا إلا رحمة للعالمين أهداها الله إليهم، فمن قبل هديته أفلح ونجا، ومن لم يقبل خاب وخسر، كقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا ‌رَحْمَةً ‌لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107] () .

وقد ثبت أنه رحمة حتى للكافرين فإنهم لا يعذبون وهو بين أظهرهم كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] () .

أولاً : الأدلة من القرآن على أنه رحمة مُهداة للكافر أيصًا:

فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّ رَحْمَةٍ حَصَلَتْ لِمَنْ كَفَر بِهِ؟

فَالْجَوَابُ : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] قَالَ: «مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ تَمَّتْ لَهُ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ لَمْ يُصِبْهُ مَا أَصَابَ الْأُمَمَ مِنَ الْخَسْفِ وَالْقَذْفِ وَالْمَسْخِ»() .

وعنه بلفظ:«وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ , عُوفِيَ مِمَّا كَانَ يُصِيبُ الْأُمَمَ الْمَاضِيَةَ , مِنَ الْعَذَابِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا»() . ().

قلت : ويؤيده قوله تعالى : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: « كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ نَبِيُّ اللهِ ﷺ وَالِاسْتِغْفَارُ قَالَ فَذَهَبَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ وَبَقِيَ الِاسْتِغْفَارُ » ﴿‌وَمَا ‌لَهُمْ ‌أَلَّا ‌يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾ [الأنفال: 34] قَالَ : فَهَذَا عَذَابُ الْآخِرَةِ ، وَذَلِكَ عَذَابُ الدُّنْيَا ().

قَالَ ابن كثير : يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُمْ أَهْلٌ لِأَنْ يُعَذِّبَهُمْ، وَلَكِنْ لَمْ يُوقِعْ ذَلِكَ بِهِمْ لِبَرَكَةِ مَقَامِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِهُمْ؛ وَلِهَذَا لَمَّا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهُمْ، أَوْقَعَ اللَّهُ بِهِمْ بَأْسَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فقُتل صَنَادِيدُهُمْ وَأُسِرَتْ سُراتهم. وَأَرْشَدَهُمْ تَعَالَى إِلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنَ الذُّنُوبِ، الَّتِي هُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِهَا مِنَ الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ ().

ثانياً :الأدلة من السنة والسيرة على أنه رحمة مُهداة للكافر أيصًا:

وسيرته ﷺ مليئة بالشواهد والدلائل على كمال رحمته، ومن ذلك:

– رَفَعَ اللَّهُ الْمَقْتَ عن أَهْلِ الْأَرْضِ بِبعثة الرَسُولِ ﷺ:

تقدم قوله: ( إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ).وَقَولَ تَعَالَى فِي حَقِّهِ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ أيضًا: ” «إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» “()

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي قَاعِدَةِ وُجُوبِ الِاعْتِصَامِ بِالنَّبِيِّ ﷺ: وَهَذَا الْمَقْتُ كَانَ لِعَدَمِ هِدَايَتِهِمْ بِالرُّسُلِ، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا الْمَقْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَبَعَثَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ،..().

– في رحلة الطائف:

عن عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ: ” لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا “() .

قَالَ ابن حجر: (في هذا الحديث بيان شفقة النبي ﷺ على قومه ومزيد صبره وحلمه وهو موافق لقوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159] , { وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ }[الأنبياء: 107])().

– دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ،لقريش فَسُقُوا الغَيْثَ:

عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الإِسْلاَمِ، «فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ ، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا المَيْتَةَ وَالعِظَامَ»، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ، فَقَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَزَادَ أَسْبَاطٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَسُقُوا الغَيْثَ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا، وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ المَطَرِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» فَانْحَدَرَتِ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ، فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ().

– اسْتَسْقَى لِمُضَرَ فَسُقُوا:

عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا، لِأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا العِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الجَهْدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 11] قَالَ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ، قَالَ: «لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ» فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا، فَنَزَلَتْ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ() .

سَرِيَّةُ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ مُنْصَرَفَهُ عَنْ حَمْزَةَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ نَزَلَ يَثْرِبَ، وَأَرْسَلَ طَلَائِعَهُ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ مِنْكُمْ شَيْئًا، فَاحْذَرُوا أَنْ تَمُرُّوا طَرِيقَهُ وَأَنْ تُقَارِبُوهُ ; فَإِنَّهُ كَالْأَسَدِ الضَّارِي، إِنَّهُ حَنَقٌ عَلَيْكُمْ نَفَيْتُمُوهُ نَفْيَ الْقِرْدَانِ عَلَى الْمَنَاسِمِ، وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ لَسُجْرَةً مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ وَلَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا رَأَيْتُ مَعَهُمُ الشَّيَاطِينَ، وَإِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ عَدَاوَةَ ابْنِي قَيْلَةَ، فَهُوَ عَدُوٌّ اسْتَعَانَ بِعَدُوٍّ.

فَقَالَ لَهُ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَصْدَقَ لِسَانًا، وَلَا أَصْدَقَ مَوْعِدًا مِنْ أَخِيكُمُ الَّذِي طَرَدْتُمْ، فَإِذْ فَعَلْتُمُ الَّذِي فَعَلْتُمْ، فَكُونُوا أَكَفَّ النَّاسِ عَنْهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ: كُونُوا أَشَدَّ مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ ; فَإِنَّ ابْنِي قَيْلَةَ إِنْ ظَفِرُوا بِكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً، وَإِنْ أَطَعْتُمُونِي أَلْحِقُوهُمْ خَبَرَ كِنَانَةَ أَوْ تُخْرِجُوا مُحَمَّدًا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ فَيَكُونَ وَحِيدًا طَرِيدًا، وَأَمَّا ابْنَا قَيْلَةَ فَوَاللَّهِ مَا هُمَا وَأَهْلُ دَهْلِكَ فِي الْمَذَلَّةِ إِلَّا سَوَاءٌ، وَسَأَكْفِيكُمْ حَدَّهُمْ، وَقَالَ:

سَأَمْنَحُ جَانِبًا مِنِّي غَلِيظًا … عَلَى مَا كَانَ مِنْ قُرْبٍ وَبُعْدِ

رِجَالُ الْخَزْرَجِيَّةِ أَهْلُ ذُلٍّ … إِذَا مَا كَانَ هَزْلٌ بَعْدَ جَدِّ

فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ – ﷺ – فَقَالَ: ” «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْتُلَنَّهُمْ، وَلَأُصَلِّبَنَّهُمْ، وَلَأَهْدِيَنَّهُمْ وَهُمْ كَارِهُونَ، إِنِّي رَحْمَةٌ بَعَثَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَتَوَفَّانِي حَتَّى يُظْهِرَ اللَّهُ دِينَهُ» “() .. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

قال ابن القيم : ومما ينبغي أن يُعلم: أن الرحمة صفةٌ تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه، وشَقّت عليها، فهذه هي الرحمة الحقيقية، فأرْحَمُ الناس بك من شَقّ عليك في إيصال مصالحك، ودَفْعِ المضارّ عنك.

فمن رحمة الأب بولده: أن يُكرِهه على التأدّب بالعلم والعمل، ويشقّ عليه في ذلك بالضّرب وغيره، ويمنعه شهواته التي تعود بضرره، ومتى أهمل ذلك من ولده كان لقلة رحمته به، وإن ظنّ أنه يرحمه ويُرفّهُه ويُريحه، فهذه رحمة مقرونة بجهل، كرحمة الأم ()

– في يَوْم أُحُدٍ :

قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي , فَإِنَّهُمْ لَايَعْلَمُونَ» يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ () .

وأصله في الصحيحين عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جُرْحِ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: «جُرِحَ وَجْهُ النَّبِيِّ ﷺ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِمَتِ البَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ، تَغْسِلُ الدَّمَ وَعَلِيٌّ يُمْسِكُ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الدَّمَ لاَ يَزِيدُ إِلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ حَصِيرًا فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى صَارَ رَمَادًا، ثُمَّ أَلْزَقَتْهُ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ»() .

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَعْنِي هَذَا الدُّعَاءُ أَنَّهُ، قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمَّا شُجَّ وَجْهُهُ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي» ذَنْبَهُمْ بِي مِنَ الشَّجِّ لِوَجْهِي، لَا أَنَّهُ دُعَاءٌ لِلْكُفَّارِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَلَوْ دَعَا لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لَأَسْلَمُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا مَحَالَةَ.

في صلح الحديبة:

{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ , وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 24]

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الآجري : وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ , وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 24] وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَفَضُّلُ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ , ظَفَرَ بِهِمُ النَّبِيُّ ﷺ , بَعْدَ أَنْ كَانُوا قَدْ مَكَرُوا بِهِ , فَلَمْ يُبَلِّغْهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَرَادُوا مِنَ الْمَكْرِ , فَظَفِرَ بِهِمْ , فَعَفَا عَنْهُمْ رَأْفَةً مِنْهُ وَرَحْمَةً بِهِمْ() .

عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ , وَكَأَنِّي بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ , فَرَفَعْتُهُ عَنْ ظَهْرِهِ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو جَالِسَانِ بَيْنَ يَدَيِّ النَّبِيِّ ﷺ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَلِيٍّ: «اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» فَأَخَذَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو بِيَدِهِ وَقَالَ: مَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ , اكْتُبْ فِي قَضِيَّتِنَا مَا نَعْرِفُ , فَقَالَ: ” اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ , هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَهْلَ مَكَّةَ , فَأَمْسَكَ سُهَيْلٌ بِيَدِهِ وَقَالَ: لَقَدْ ظَلَمْنَاكَ إِنْ كُنْتَ رَسُولَهُ , اكْتُبْ فِي قَضَيَّتِكَ مَا نَعْرِفُ قَالَ: «اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ» , فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ , إِذَا خَرَجَ عَلَيْنَا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ , فَثَارُوا فِي وُجُوهِنَا , فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ , فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَبْصَارِهِمْ , فَقُمْنَا إِلَيْهِمْ فَأَخَذْنَاهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” هَلْ جِئْتُمْ فِي عَهْدِ أَحَدٍ؟ وَهَلَ جَعَلَ لَكُمْ أَحَدٌ أَمَانًا؟ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ لَا , فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ , وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ , وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الفتح: 24] () .

اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ:

أنَّه لما قَدِمَ الطُّفَيْلُ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ دَوْسًا قَدْ كَفَرَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ فَقَالَ: «اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ»().

– إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.