رئيس التحرير يكتب .. كيف تحولت الأمة إلى قوقعة هشة ؟!
” ان الأمة العربية عبارة عن قوقعة هشة تنتظر تفتيتها الى شظايا متعددة ، وأن على اسرائيل المضي في السياسة التي اتبعتها من بداية الحركة الصهيونية ، والساعية الى شراء عملاء محليين داخل الدول العربية للعمل لما في مصلحة اسرائيل “. هذا النص ورد حرفيا في وثيقة بعنوان ” استراتيجية اسرائيل للثمانينات “، التي نشرت باللغة العبرية في فبراير عام 1982 بمجلة ( كيفونيم ) التى تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية. وترجمها الى الانكليزية الأستاذ في الكيمياء العضوية في الجامعة العبرية والناشط في حقوق الإنسان “إسرائيل شاهاك ” .
وقد احتوت هذه الوثائق على الخطة الكاملة لتفكيك العالم العربي إلى دويلات صغيرة ، كل ذلك من أجل ان تصبح اسرائيل القوة الكبرى في المنطقة.
هذه الوثيقة الخطيرة تناولتها بالبحث والدراسة اقلام الباحثين والكتاب العرب المخلصين على مدى الـ 24 عاما الماضية . وقد تداولتها الكثير من وسائل الاعلام المصرية والعربية عندما قدمها المحامي القدير الدكتور عصمت سيف الدولة كأحد مستندات دفاعه عن المتهمين أمام المحكمة فى قضية تنظيم ثورة مصر عام 1988.
وأكاد اجزم أن الحكام وأصحاب القرار في الدول العربية علموا تفاصيل هذه الوثيقة بعد شهور قليلة من صدورها. ولكنهم جميعا التزموا الصمت المريب ، ولم يتحركوا سواء بشكل فردي أو جماعي لمواجهة هذا المخطط رغم مئات الاجتماعات والمؤتمرات الرسمية التي عقدت على مستويات القمة أو الوزارية أوكبار المسئولين طوال هذه الفترة . والاخطر أن القيادات العربية لم تتحرك لمعرفة أسباب تحول الدول العربية الى قوقعة هشة قابلة للتفتيت كما ذكرت الوثيقة ،والعمل بجدية لازالة هذه الاسباب وانقاذ الدول التي يجلسون على عروشها ويتمتعون ومعهم الاقلية بثرواتها.
ومن وجهة نظرى أرى أن أهم أسباب هشاشة الأمة هو انفصال النخب الحاكمة وبطانتها عن الشعوب واستئثارهم بالسلطة والثروة وحرمان الغالبية العظمى من ثمار التنمية لدرجة ان دراسة علمية توصلت الى ان متوسط دخل المواطن العربي بشكل عام خلال الـ 20 عاما الماضية يقدر بحوالى 300 دولار سنويا اي اقل من دولار واحد في اليوم . وبذلك يدخل العرب جميعا في شريحة الفقراء وفقا لتصنيف البنك الدولي . قد يصدم البعض بهذه الاحصائية خاصة وان العرب يملكون ثروات كثيرة ، وهذا صحيح ولكن يوجد خلل كبير في توزيع الثروات وناتج التنمية بين دولة واخرى ، وداخل كل دولة ، فهناك افراد عرب يملكون مليارات الدولارات بينما يوجد ملايين لا يملكون شيئا.
وقد دفعت النخب الحاكمة الثمن غاليا جراء خيانتهم لامانة المسئولية المعلقة في رقابهم ، وللاسف لم يدفعوا وحدهم الثمن ، فقد دفعت الشعوب العربية الثمن الاكبر. وما حدث ولا يزال يحدث في المنطقة العربية وخاصة الاوضاع في العراق وليبيا واليمن ومصر وتونس وسوريا خير شاهد على ما نقول.
وقد أحسن الكاتب الصحفي الكبير عاطف الغمري بتذكيرنا بهذه الوثيقة الاسرائيلية في كتابه القيم ( المؤامرة الكبرى ) المنشور في سلسلة كتاب الجمهورية عدد يناير 2016 . بل انه أضاف اليها عشرات الوثائق الامريكية التي تكشف أن امريكا دخلت شريكا داعما في خطة التفتيت ، ومنها وثيقة تدريبية أمريكية بحلف الناتو لتفكيك الشرق الاوسط، كشف عنها الكولونيل رالف بيتزر العضو المتقاعد بقيادة اكاديمية الحرب الأمريكية في مقال له بعنوان ( حدود الدم .. نحو شرق أوسط افضل ) تحدث فيه عن اعادة رسم خريطة المنطقة وفقا لنظرية “الفوضى الخلاقة ” . واشار الى خريطة لتقسيم دولها نشرتها مجلة القوات المسلحة الامريكية عام 2006.
وفي الصفحة 55 من الكتاب ( المؤامرة الكبرى ) أشار الغمرى الى دراسة لمركز التقدم الأمريكي للدراسات السياسية ، وهو مركز مقرب من تفكير الرئيس باراك أوباما، بعنوان ( الشرق الاوسط في زمن المنافسة والتفتيت الإقليمي) ، جاء فيها:” أن التفتيت الجاري حاليا في العراق وسوريا ، هو الفصل غير الأخير في سلسلة احداث تهز الشر الاوسط الآن “.
وجاءت المقدمة الثرية لكتاب ( المؤامرة الكبرى ) بقلم الكاتب الصحفي سيد حسين ، رئيس تحرير كتاب الجمهورية ، بمثابة توثيق مدعوم بأكثر من 17 مرجعا ، لمخطط تحالف الشر للقوى الغربية واسرائيل ضد دول المنطقة والذي بدأ قبل قبل قيام اسرائيل باكثر من 100 عام ولا يزال قائما حتى الان .
واتفق مع سيد في قولة :” الكتاب يدعونا الى القلق الايجابي الذي يستنفر فينا روح التحدي والمواجهة “.