
✍️ يكتبها وسام عبد الوارث
ها قد أقبلتَ يا رمضان على القلوب العطشى، تتهادى إلينا بأنفاسك الطاهرة، تَحملُ معها عبير المغفرة، وتبشّرُنا بأن باب السماء قد فُتح، وأن خزائن الرحمات قد أُعدّت، وأن لله في كل ليلة عتقاء من النار. فمرحبا بك ضيفا كريما، وربيعا للأرواح التائبة.
رمضانُ بدايةُ الطريق
ليس رمضان أيامًا تُعدّ، ولا سويعاتٍ تمضي، بل هو فرصةٌ ربّانية جليلة، لا تُدانيها الفرص، موسمُ تجارة رابحة مع الله، حيث تتضاعف الحسنات، وتُرفَع الدرجات، وتُمحى السيئات. فقد قال رسول الله ﷺ:
“إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ” (متفق عليه.)
فيا عبد الله، اعلم أنك الآن في أيام استثنائية، لو قُدّر لأهل القبور أن يعودوا إلى الدنيا، لما طلبوا مالًا ولا سلطانًا، بل لقالوا : “يا ليتنا نُدركُ رمضان!”
كَمْ كنتَ تعرِف مَّمنْ صَام في سَلَفٍ مِنْ بين أهلٍ وجِيرانٍ وإخْوَانِ
أفْنَاهُمُ الموتُ واسْتبْقَاكَ بَعْدهمو حَيًَّا فَمَا أقْرَبَ القاصِي من الدانِي
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
“أُعْطِيَتْ أُمَّتِي فِي رَمَضَانَ خَمْسَ خِصَالٍ لَمْ تُعْطَهُنَّ أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ:
1. خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ.
والخُلوف بضم الخاءِ أوْ فَتْحَها تَغَيُّرُ رائحة الفَم عندَ خُلُو الْمَعِدَة من الطعام. وهي رائحة مسْتَكْرَهَة عند النَّاس لَكِنَّها عند الله أطيب من رائحَةِ المِسْك لأنَها نَاشِئَة عن عبادة الله وَطَاعَتهِ.
2. وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا.
وَالملائِكةُ عباد مُكْرمُون عند اللهِ {لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. فهم جَديرون بأن يستجيب الله دعاءَهم للصائمين حيث أذِنَ لهم به. وإنما أذن الله لهم بالاستغفار للصائمين من هذه الأُمَّة تَنْويها بعظيم شأنهم، ورفْعَة لِذِكْرِهِمْ، وَبَيانا لفَضيلة صومهم.
3. وَيُزَيِّنُ اللَّهُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ، ثُمَّ يَقُول: يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمُ الْمَؤُنَةَ وَيَصِيرُوا إِلَيْكَ.
يعني: مؤونَة الدُّنْيَا وتَعَبها وأذاهَا ويُشَمِّرُوا إلى الأعْمَالِ الصالحةِ الَّتِي فيها سعادتُهم في الدُّنْيَا والاخرَةِ والوُصُول إلى دار السَّلامِ والْكَرَامة.
4. وَتُصَفَّد فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِين، فَلَا يَخْلُصُونَ إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ.
وهَذَا مِنْ مَعُونةِ الله لهم أنْ حَبَسَ عنهم عَدُوَّهُمْ الَّذِي يَدْعو حزْبَه ليكونوا مِنْ أصحاب السَّعير. ولِذَلِكَ تَجدُ عنْدَ الصالِحِين من الرَّغْبةِ في الخَيْرِ والعُزُوْفِ عَن الشَّرِّ في هذا الشهرِ أكْثَرَ من غيره.
5. وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ .
إذا قَاموا بما يَنْبَغِي أن يقومُوا به في هذا الشهر المباركِ من الصيام والقيام تفضُّلاً منه سبحانه بتَوْفَيةِ أجورِهم عند انتهاء أعمالِهم فإِن العاملَ يُوَفَّى أجْرَه عند انتهاءِ عمله.
(الحديث المذكور رواه البزار والبيهقي، وغيرهما في كتاب الثواب وإسناده ضعيف جدًا، لكن لبعضه شواهد صحيحة.)
كيف نستقبل رمضان؟
1. استقبال بالتوبة النصوح: لا تدخل هذا الشهر بقلبٍ مثقلٍ بالذنوب، بل اغسلهُ بدمعِ التائبين، فوالله إن لله في رمضان نفحاتٍ لا يُحرَمُها إلا شقيٌّ محروم.
2. العزم على الاجتهاد: اجعل نيتك أن يكون هذا الرمضان مختلفًا، رمضان الختمات، رمضان القيام، رمضان الخلوات مع القرآن.
3. الدعاء الصادق: قبل أن تبدأ أول ليلة من رمضان، الجأ إلى الله وقل: “اللهم أعني على صيامه وقيامه، اللهم لا تحرمني فضله، اللهم اجعلني فيه من الفائزين.”
اللهم بلِّغنا رمضان، وأعنّا فيه على الصيام والقيام، واكتب لنا فيه الرحمة والمغفرة والعتق من النار.