
✍️ يكتبها وسام عبد الوارث
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خير من صام وقام، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الصائم الكريم، أتدري ما سرّ هذا الصباح المختلف الذي أحسست به اليوم؟ إنه ليس ككل صباح، بل هو فجرٌ جديد، يُشرق على قلبك قبل أن يُشرق على الأرض، فجرُ التوبة والرجوع إلى الله، فجرٌ يُبشرك بأن صفحة الأمس قد طُويت، وأن باب العفو قد فُتح من جديد، وأن لك في هذا الشهر العظيم فرصةً أن تولد من جديد.
تيقن أن شهر رمضان.. هو شهر التغيير الحقيقي
ما قيمة رمضان إن لم تُشرق أنواره على قلبك، فتجعل منك إنسانًا جديدًا؟
ما معنى الصيام إن كان مجرّد امتناع عن الطعام والشراب، دون أن يكون امتناعًا عن الذنوب والعثرات؟
لقد بيّن النبي ﷺ الهدف الأعظم من الصيام حين قال:
“مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ” (رواه البخاري).
فالصيام ليس جوعًا للبطون، بل هو ريٌّ للقلوب، وتهذيبٌ للنفس، ومراجعةٌ للأخلاق.
البداية الحقيقية مع أول سَحَر
ها قد مرّ يوم من رمضان، فهل استشعرت الفرق؟
هل شعرت بقلبك وهو يتحرر من أثقال المعاصي، كما يتحرر الجسد من ثِقَل الطعام؟
راقب اليوم لحظات السَّحَر، وقتٌ تتنزل فيه الرحمات، وتُرفع فيه الدعوات، وتكتب فيه الأقدار، احرص أن تسأل الله أن يكتبك من أهل العتق؟
قال رسول الله ﷺ:
“يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟” (متفق عليه)
وفي هذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة حين يبقى الثلث الأخير من الليل، وهو نزول يليق به جل جلاله، – وكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك-، وعليه فإنه يجب الإيمان بما ورد في ذلك -وأمثاله- عن الله عز وجل من غير تكييف ولا تعطيل، ومن غير تحريف ولا تمثيل، فينزل ربنا سبحانه إلى السماء الدنيا، وهي السماء الأولى القريبة من الأرض والعباد، وينادي سبحانه في عباده ويقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له؟
والدعاء، والسؤال، والاستغفار إما بمعنى واحد، فذكر الثلاثة للتوكيد. وإما لأن طلب العبد لا يخلو من أن يكون طلبا لدفع المضار أو جلب المنافع، والمضار والمنافع إما دنيوية وإما دينية؛ فكرر الثلاثة لتشملها جميعها.
أيها الموحد، هذه فرصتك العظمى، لا تفوّت لحظةً واحدةً من ليالي رمضان إلا وقلبك عامرٌ بالدعاء، ولسانك رطبٌ بالاستغفار.
تأملات في نور الفجر
حين يبزغ الفجر، وترى ضوءه يخترق الظلام، فاعلم أن هذا النور الذي يشقّ ظلمة الليل، يشبه النور الذي يقتحم قلبك إذا صدقت مع الله.
قال الله تعالى:
﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ (الفجر 1-2)
إنها إشراقةُ التوبة، ونورُ الإقبال على الله، إنها الفرصةُ التي يهبها لك رمضان، فإياك أن تضيعها.
رسالتك اليوم
اجعل فجر اليوم بدايةً جديدة، جدد نيتك، راجع قلبك، وقل لنفسك:
“هذا رمضان مختلف، هذا رمضان التغيير، هذا رمضان الذي سيشهد لي عند الله أنني عُدت إليه بصدق.”
اللهم اجعل لنا في فجر يومنا نورًا، وفي هذا اليوم فتحا، وفي هذا الشهر مغفرةً ورحمةً وعتقًا من النار.
1 رمضان 1446 ه
2 مارس 2025 م