
✍️ يكتبها وسام عبد الوارث
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الذي كتب لنا في رمضان مواسمَ الطاعات، وجعل لنا في صيامه عبادةً تزكّي الأرواح وتروي القلوب بعد ظمئ المعاصي والغفلات.
أيها الصائم، لقد جفّ حلقك، والتصق لسانك بحلقك من العطش، لكن هل فكرت يومًا في العطش الحقيقي؟
ذلك العطش الذي لا يُروى بكأس ماء، ولا تُطفئه شربةٌ باردةٌ عند الإفطار؟
إنه عطش القلوب إلى الله، عطش الأرواح إلى اليقين، عطش النفوس إلى الطمأنينة التي لا يمنحها إلا القرب من الرحمن.
عطش البدن.. وعطش الروح
إن أعظم مشهد في الصيام ليس امتناعك عن الماء، بل امتناعك عن الذنوب، عن النظر الحرام، عن الكلمات الجارحة، عن الغفلة عن القرآن، عن قول الزور وسماع الزور ومشاهدة الزور.
فإن كنت اليوم قد صبرت عن شربة ماءٍ بانتظار أذان المغرب، فكيف لا تصبر عن المعصية بانتظار باب الجنة؟
يقول رسول الله ﷺ:
“للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطره، وفرحةٌ عند لقاء ربّه ” (رواه البخاري ومسلم.)
هنا يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الصائم يفرح مرتين؛ الفرحة الأولى: “فرحة عند فطره”، وهذه الفرحة تكون في الدنيا، عند انتهاء صومه وإفطاره، وإتمامه العبادة راجيا من الله الثواب والفضل، والفرحة الثانية تكون عند موته، حيث ينال الأجر والثواب.
فأيّ فرحةٍ أصدق من فرحة قلبٍ ارتوى بحبّ الله بعد عطشٍ طويل؟
الصيام مدرسة الصبر
إنك اليوم تتعلّم كيف تقاوم، كيف تصبر، كيف تؤجل شهواتك رجاءَ ما عند الله.
فليكن صيامك اليوم تدريبًا على صيام قلبك عن كل ما يُبعده عن الله، واجعل روحك ترتوي من ينابيع الذكر، وسُقيا القرآن، وروحانية الدعاء.
قال النبي ﷺ:
” مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا. (متفق عليه)
أمر الله عز وجل بالصيام، ووعد عليه بالثواب الجزيل، سواء أكان صيام فرض أو صيام نافلة.
وفي هذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل الصوم، والصوم هو: الإمساك بنية التعبد عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات، ومجامعة النساء، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس -كما لا يخفى-. وقوله: “في سبيل الله” أي: في أثناء الجهاد، إلا أن يخشى الصائم ضعفا عند لقاء العدو، فالفطر له أولى؛ ليقوى على القتال، وقيل: أراد بسبيل الله: إخلاصه لله عز وجل، وإن لم يكن في أثناء الجهاد، فذكر صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل وعد من يفعل ذلك بأن يباعد بينه وبين النار سبعين خريفا، أي: سبعين سنة؛ لأنه كلما مر خريف انقضت سنة، وهذا يدل على بعد النار عن المجاهد الصائم، أو الصائم المحتسب لله عز وجل.
رسالتك اليوم
قبل أن تضع أول قطرة ماءٍ في فمك لحظة الإفطار، اسأل نفسك:
هل ارتوى قلبي كما سيرتوي بدني؟ هل امتلأ روحي بحبّ الله كما سيمتلئ جوفي بالطعام؟
اللهم لا تجعل عطشنا عطش الظامئين فقط، بل اجعلنا ممن عطشوا في الدنيا شوقًا إليك، فأسقيتهم من حوض نبيّك ﷺ يوم لا ظلّ إلا ظلك.
✒️ #وسام_عبدالوارث
2 رمضان 1464 ه
2 مارس 2025 م