أراء وقراءات

زُرَّاعُ العَلَمِ.. ضميرٌ حيٌّ وسط صمتٍ مُخزٍ

✍️ بقلم أيقونة الاتزان /السفير د. أحمد سمير

حين يأتي الدعم من أبناء أمتنا لإخوانهم، فهذا طبيعي ومفروض، بل واجب لا نقاش فيه. أما أن يأتي الدعم من الأعداء أنفسهم، فهنا تتجلى مفارقة مريرة، وكأن النصر يأتي على أيديهم لا حبًا فينا، بل كخزي منا نحن الذين تخلينا عن واجب النصرة والعمل.

أصوات الغرب التي لا تزال حيّة

في شوارع بعض المدن الغربية – نعم، الغربية – ارتفعت أصوات لا تزال تحتفظ بإنسانيتها، تتظاهر من أجل غزة، وتؤكد أن الحرية الحقيقية لا تكتمل إلا حين تُمنح للآخرين أيضًا. هؤلاء لا يعرفون أهل غزة شخصيًا، وربما لا يتحدثون لغتهم، لكنهم يفهمون معنى القهر والدمار، ويملكون ضميرًا يرفض الصمت أمام المجازر.

لقد تحولت تلك التظاهرات من مجرد تعبير عن الرأي إلى درع إنساني يحمي المظلومين، ويبث رسائلهم إلى العالم، حين سقطت رسائلنا في غياهب التخاذل.

الأعلام المغروسة.. أمل يعلو فوق الرماد

على الأرض الأمريكية ذاتها، وفي حديقة “الكابيتول” تحديدًا، زرع ناشطون 13 ألف علم فلسطيني، تكريمًا لأرواح أطفال غزة الشهداء. هؤلاء الناشطون لم يزرعوا أعلامًا فحسب، بل غرسوا الأمل والإنسانية، في الوقت الذي دفننا فيه نحن رماد ما تبقى من ضمير عربي وإسلامي.

في هذه اللحظة، لم تعد الأخوة شعارًا، بل صارت جنازة بلا صلاة. فالعار والخزي أذابا ما تبقى من جسد أخوتنا، وخرجت روح الوحدة إلى بارئها بلا وداع.

التخاذل العربي.. دعاء بلا عمل

لسنا هنا لتمجيد أولئك الغربيين، بل لنقارن ونكشف حجم التخاذل الذي نعيشه. أصبح كثير منّا يظن أن الدعاء وحده كافٍ، وأن الأزمات لا تعنيه ما دامت لا تطرق بابه مباشرة، متناسيًا أن الله حث على العمل والجهاد والبذل حتى قيام الساعة.

بينما يُعتقل الناشطون هناك، ويُضيَّق عليهم، فإن شبابًا من عالمنا العربي يحلمون بحياة “هادئة”، بعيدة عن الحروب، وكأن النار لن تصل إليهم. ترى من المسؤول عن هذا الوعي المشوَّه؟ عن هذا الهروب المتعمد من معركة المصير؟

أي سلامٍ نرجوه ونحن محاصرون بالدمار؟

وسط هذا العبث كله، يراودني سؤالًا صادمًا: ما هو شكل “السلام” الذي نحلم به والاحتلال لا يزال يعربد من كل جانب؟ كيف يمكن الحديث عن سلام لا يشعر بحزنك، ولا يعترف بيأسك؟ كيف يُزهر السلام على أرض يسعى عدوك لمحوك منها؟

فهل من مجيب؟

زُرَّاعُ العَلَمِ.. ضميرٌ حيٌّ وسط صمتٍ مُخزٍ 2

السفير د. أحمد سمير
عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة
السفير الأممي للشراكة المجتمعية
رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.