ستو صاصا تبحث عن صديقة والدتها ….!!
بقلم/ نهى يسري عبد الغني *
في يوم من الأيام نادت علي جدتي .. وقالت لي : اجلسي هنا ، فجلست …
قالت :أمس.. زارتني أمي في المنام … وسألتني عن ( نفيسة ) جارتها وصديقتها .. وكانت حزينة جدًا لأني لا أسأل عليها ..!!
بالطبع ضحكت … وقلت ( طب وإحنا نعمل إيه علشان ستو الكبيرة متزعلش ) ؟!! ..
قالت لي : هتروحي وتدوري على الحاجة / (نفيسة ) صاحبة أمي وجارتها … أنا فاكره أنها كانت ساكنة في حارة الألفي المجاورة لشارعنا .. في البيت اللي جنب مسجد الألفي … روحي واسألي هناك والناس تدلك ..
وذهبت فعلاً … لأن طلبات جدتي بالنسبة لنا جميعًا في الأسرة أوامر على الكبير والصغير00 وداهية سوداء على الذي لا ينفذ ما تصدره ستو صاصا لنا من أوامر 000 يجب أن تنفذ فورا دون قيد أو شرط …
وأنا على باب شقتنا نادت علي جدتي قائلة لي : ( لما تلاقيها قوليلها أنا ستي بنت أم كامل إللي كانت ساكنه معاكم في بيت النحاس باشا وهاتيها معاكي .. قولي لها : إني عايزاها ضروري جدا 000افهمي أنا بقول أيه…. )
طبعا قلت حاضر وألف حاضر .. وأنا ذاهبة إلى حارة الألفي ، كنت أفكر وأنا أسأل نفسي : هل هذه السيدة الطيبة صديقة والدة جدتي مازالت على قيد الحياة ؟!! .. وأين سأجدها ؟ ! … ولكني ذهبت …. وأنا أضحك … ولكن لكي أرضي جدتي الحبيبة ..
وذهبت إلى حارة الألفي .. ودخلت البيت المجاور للمسجد … وسألت أهل الحارة الذين يعرفون أسرة والدي وأجداد أجداده جيدا …يجيبونك عن أي سؤال ، ويرشدونك إلى ما تريد بصفاء قلب ، ونقاء سريرة ، قالوا لي أن هذه السيدة (الحاجة / نفيسة) موجودة فعلا في أخر دور …
وصعدت سلم المنزل القديم المتهالك ،وفي كل درجة أصعدها من السلم أقرأ فاتحة الكتاب المجيد لأني أتوقع أن ينهار المنزل على وعلى من فيه بالطبع !! ، وطرقت الباب …. وقلت : يا حاجة نفيسة .. يا حاجه نفيسة ..
جاءني صوتها الواهن الضعيف .. نعم … قلت في نفسي : يا خبر إنها موجودة فعلاً ….!!
دخلت إلى حجرتها وأنا أقول : السلام عليكم
قالت : عليكم السلام ..
نظرت إليها إنها سيدة عجوز جدا … بالطبع عجوز لأنها صديقة والدة جدتي …. ولكن يبدو عليها أنها كانت في شبابها جميلة فاتنة بيضاء …. ، ولكن يد الزمن القاسية كفيلة بأن تغير ملامحنا وتحفر خطوط الهم على وجوهنا …. كانت ترتدي طرحة سوداء …. وفي يدها مسبحة صغيرة خضراء ..
فقالت لي : إنت مين يا بنتي ….؟
قلت لها مثلما قالت لي جدتي : أنا ستي بنت أم كامل جارتكم في بيت النحاس باشا ..
قالت لي على الفور ودون تفكير: ستك صفية ولا هدى ؟ !
قلت لها :صفية
قالت لي : صفية طول عمرها طيبة وبتاعة ربنا .. عمرها ما عرفت الخبث.. و اللي في ايديها دايما لغيرها … وصمتت لحظة وتابعت كلامها …أم كامل جاءت لي أمبارح في المنام .. وقالت لي : سوف أرسل لك ابنتي .. !!
بعد إن قالت هذه الجملة شرد ذهني .. وقلت في نفسي : سبحان الله …!!
قلت لها : ستي مستنياكي .. من فضل حضرتك تفضلي معايا….
قالت لي : حاضر …. استني هجيب حاجه أم كامل اللي بعتاها لابنتها صفية ….
قلت لها بدهشة : تفضلي …!!
قلت في نفسي : هذه السيدة يبدو أن تقدم السن أثر على تفكيرها …. !!
وضعت الحاجة / نفيسة يديها على كتفي ، ونحن ننزل سلم البيت المتهالك ، وذهبنا إلي جدتي …. لم أر جدتي سعيدة بهذه الطريقة أكثر من هذه اللحظة التي رأت فيها صديقة والدتها ، تعانقا في حرارة ، و سلما على بعضهما البعض في شوق ومودة لم أشاهد مثلها من قبل .. !!
قالت الحاجة / نفيسة لجدتي : قبل أي حاجة أمك بعتا لك هدية .. وأخرجت من يديها قطعة قماش في حجم المنديل .. وقالت لها : أمك بعتا لك دي علشان إنتي سمعتي كلامها ومزعلتهاش ..!!
قالت لها جدتي :الله يرحمها ويرحمنا كلنا .. خير إن شاء الله .. إيه دي؟
قالت لها : دي قطعة قماش من كسوة الكعبة الشريفة ……!!
أخذت جدتي قطعة القماش المطهرة ، وقبلتها وهي سعيدة كل السعادة ، .. قائلة : الله .. الله… اللهم صلي على كل الأنبياء والرسل وآل البيت وكل الصالحين ..
وتوجهت بكل الشكر والامتنان لصديقة والدتها على هذه الهدية الجميلة التي أحضرتها إليها وفقًا لطلب والدتها …
كل هذا وأنا جالسة أتابع هذا الموقف ، مستمتعة جدا بما يحدث أمامي …. رغم أنني كنت مستغربة من طلب جدتي عندما كلفتني بالبحث عن صديقة والدتها ….. ولكني فرحت فرحًا عظيمًا لأني نفذت رغبتها وكانت النتيجة أن صنعت على وجهها هذه الفرحة التي لا توصف والتي لا يمكن أن أنساها ما حييت ….
جلست الحاجة نفيسة مع جدتي صفية …. إلي أخر اليوم ، وتناولنا معًا طعام الغذاء ، وجلسوا يحكيان حكايات كثيرة عن الماضي الجميل ، وعن بشر كانوا مثالاً للمودة و الخير ، وأنا جالسة معهما .أستمع في دهشة واستغراب ..
وقي النهاية وبعد أن وضعت جدتي في كيس الحاجة / نفيسة مبلغًا كبيرًا من المال ، طلبت مني أن أوصلها إلي منزلها ، وحدث ذلك بالفعل ….
ورجعت إلي البيت ووجدت جدتي في يدها قطعة القماش المباركة تقبلها في حب وورع ، وتقول : ( الله يرحمك يا أمي … ).. !!!
*نهى يسري عبد الغني
كاتبة وقاصة
مختارة من صفحة الكاتب والمفكر يسري عبد الغني