بقلم / إيمان أبو الليل
تربى جان هنري دونات في أسرة مسيحية ملتزمة، وكان معتادا على مساعدة الٱخريين، وفعل الخير لديه عبادة.
ارتبط اسمه بأكثر شهور السنة ارتفاعا في درجة حرارة الجو، وهو شهر أغسطس، شهر وضع النواة الأولى لاتفاقية جينيف.
عاش هنري حياة يحيطها القلق والخوف من الحروب والدمار في كل دول العالم، وكان شاهدا على العصر، ولأنه من محبي الخير ويتمنى أن يسود السلام الأرض، وتنطفئ نار الحروب التي تأكل الأخضر واليابس، سعى سعيا دؤوبا لإنقاذ أرواح ملايين البشر.
قانون الغابة
كان هنري غاضبا على الحياة القاسية، وقانون الغابة التي تدير الحكومات بها الشعوب، لذلك قرر أن يحمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على سلامة الإنسان وحفظ كرامته ودعم حقه في الحياة، بدأ هنري الحاصل على التعليم الثانوي ولم يكمل دراسته، بدأ في محاولة وضع قانون إنساني ضد قانون الحرب الذي لا يرحم ولا يعير اهتماما بالبشر.
ومن جينيف سعى لوضع اتفاقية جينيف، عام ١٨٦٤ ميلادي، وكانت تنص على حماية حقوق الإنسان الرئيسية أثناء وجود حالة حرب؛ حيث تعمل على حماية المدنيين المقيمين في المناطق المحتلة، أو في ساحات المعارك أو في أي مكان يحدث فيه توتر ونزاع ومن ثم اشتعال الحرب، فيشعرون بعدم الاستقرار في الوضع الأمني.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر
كما تنص إتفاقية جينيف على الاعتناء بالمرضى والمصابين وأسرى الحروب.
أقام جان هنري دونات، اللجنة الدولية لإغاثة الجنود الجرحى، التي أُطلق عليها فيما بعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ودعا إلى عقد اتفاقية جنيف الأولى عام ١٩٤٩ ميلادي، وانضمت 190 دولة إلى اتفاقية جنيف لما فيها من بنود تحافظ على الإنسان سواء كان جنديا أو مدنيا، ولا علاقة للجنس ولا الدين ولا الجنسية، فجميعهم إنسان له حق الحياة.
وتعتبر إتفاقية جينيف من أوسع الاتفاقيات التي تم قبولها على المستويات الدولية؛ وذلك لأنها تضم الأغلبية العظمى من دول العالم، كما تعد كجزء رئيسي مما يعرف باسم القانون الدولي الإنساني.
ولأن الحروب تفقر الشعوب، عان هنري من سوء الأحوال الإقتصادية، وأصبح مفلسا ماديا مما اضطره إلى تقديم الإستقالة من اللجنة الدولية لإغاثة الجنود، برغم أنه مؤسسها وراعيها، وسافر هنري إلى فرنسا بعد معاناته وتأثره نفسيا بسبب الحروب والدمار الذي أصاب العالم من حوله.
وعكف هنري على تسجيل ملاحظاته في كتاب “ذكرى من سولفرينو”.
وقام من خلاله بالدعوة إلى ضرورة تأسيس هيئة إغاثة لصالح ضحايا الحروب في كل دولة، كما أكد من خلال نفس الكتاب على ضرورة وضع قانون يسمح بضرورة رعاية وتمريض الجرحى من الجنود مهما كانت هويتهم.
وأثناء هذا وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها هنري، كان يتخذ هذا الرجل النبيل من الشارع مسكنا له، ومن الٱرائك على الطرقات وسادة ينام عليها.
وذات يوم دعت الإمبراطورة جيني في فرنسا، للحضور أمامها معلنة بهذا رغبتها في استئناف إتفاقية جينيف، ولكن هذه المرة للحفاظ على الجنود في البحار مما قد يحدث لهم أثناء تأدية واجب القوات المسلحة داخل البحار.
وتبنت الاتفاقية فكرة تحسين أوضاع المرضى، والجرحى والغرقى من رجال القوات المسلحة داخل البحار.
ثم تضمنت الاتفاقية ضرورة الاعتناء بالأسرى، وتحسين أوضاعهم، وضرورة حسن معاملتهم، وعدم إذلالهم وإهانتهم.
جائزة مستحقة
وحصل جان هنري دونات بعد ذلك على “جائزة نوبل” بعد وضع إطارا عاما طبق من خلال اتفاقيات جينيف التي وضع بذرتها الأولى، وكانت وليدها لحرية وكرامة الإنسان، وتطورت حتى عام ١٩٤٩ فضمنت لسكان الأرض المحتلة حرية البقاء أو رغبة المغادرة دون قهر أو إجبار لهم.
لذا تم وضع بروتوكولات تفصل بين الحروب خارج الدول أو إعتداء دولة على دولة أخرى، وبين وقوع فتن داخلية للدولة الواحدة حتى لا يختلط الأمر.
وأخيرا وبعد تطور اتفاقيات جينيف التى أسسها جان هنري دونات، والتي مرت بمراحل أربعة، كان لابد أن يرفع التاريخ ذكرى جان هنري دونات، ونبل سعيه وإصراره على الحفاظ على الإنسان دون تفرقة.
كما تم وضع بروتوكول عام ٢٠٠٥ يختص بشعار منظمة هنري أو منظمة الهلال الأحمر، تتويجا أخر لسعي جان هنري دونات، هذا الإنسان النبيل الذي تحمل الكثير حتى يحافظ على كرامة الإنسان أثناء التوترات والحروب البغيضة التي ملأت الأرض بدخانها الشيطاني الأسود.
وسيظل التاريخ يذكر صاحب إتفاقية جينيف بكل خير، فمن يحترم الإنسان هو إنسان، يستحق أن يدون اسمه بماء الذهب في سطور تاريخ الشرفاء.
إيمان أبو الليل
كاتبة صحفية وعضو اتحاد كتاب مصر