شخصيات لها تاريخ (١٢) .. زيدُ بن ثابت ترجمان رسول
كتب/سعيد ناصف
الصحابي الجليل سيدنا زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد النَّجَّاريّ الخزرجي الأنصاري رضي الله عنه ترجمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحِبّه وأحد كُتَّاب الوحي ومن أعلم الصحابة بالفرائض
ولد رضي الله عنه قبل الهجرة بأحد عشر عامًا وقد قُتِلَ أبوه قبل الهجرة بسنوات قليلة فنشأ يتيمًا.
جهاد زيد بن ثابت
صحبه آباؤه معهم إلى غزوة بدر لكن الرسول رده لصغر سنه وجسمه وفي غزوة أحدذهب مع جماعة من أترابه إلى الرسول يرجون أن يضمهم للمجاهدين وأهلهم كانوا يرجون أكثر منهم ونظر إليهم الرسول شاكرا وكأنه يريد الاعتذار ولكن رافع بن خديج وهو أحدهم تقدم إلى الرسول الكريم وهو يحمل حربة ويستعرض بها قائل: إني كما ترى أجيد الرمي فأذن لي فأذن له رسول ألله صلى الله عليه وسلم وتقدم سمرة بن جندب وقال بعض أهله للرسول (إن سمرة يصرع رافعا) فحياه الرسول وأذن له.
وبقي ستة من الأشبال منهم زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر بذلوا جهدهم بالرجاء والدمع واستعراض العضلات لكن أعمارهم صغيرة وأجسامهم غضة فوعدهم رسول الله بالغزوة المقبلة وهكذا بدأ زيد بن ثابت مع إخوانه دوره كمقاتل في سبيل الله بدءًا من غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة.
وكان ينقل التراب مع المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَا إِنَّهُ نِعْمَ الْغُلَامُ»
وكانت رايةُ بني مالك بن النَّجَّارِ يوم “تبوك” مع عُمارةَ بن حزم رضي الله عنه، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفعها إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقال عمارة: يا رسول الله بَلَغَكَ عنِّي شيء؟ قال: لَا وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ يُقَدَّمُ وَكَانَ زَيْدٌ أَكْثَرَ أَخْذًا مِنْكَ لِلْقُرْآنِ رواه الحاكم في “المستدرك”
وكان رضي الله عنه أحد الأذكياء فقد تعلم عدة لغات منها السريانية حيث أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتعلم السُّرْيَانِيَّةَ لغة اليهود ليقرأ له كتبهم
زيد بن ثابت حافظًا لكتاب الله
منذ بدأت الدعوة وخلال إحدى وعشرين سنة تقريبا كان الوحي يتنزل والرسول يتلو وكان هناك ثلة مباركة تحفظ ما تستطيع والبعض الآخر ممن يجيدون الكتابة يحتفظون بالآيات مسطورة وكان منهم علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس وزيد بن ثابت
وقد قرأ زيد بن ثابت على رسول الله في العام الذي توفاه الله فيه مرتين وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الله وقرأها عليه وشَهِدَ العرضة الأخيرة وكان يُقرىء الناس بها حتى مات.
زيد بن ثابت وجمع القرآن
بعد وفاة الرسول شغل المسلمون بحروب الردة وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبير فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفةأبو بكر الصديق راغبًا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ واستخار الخليفة ربه وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له(إنك شاب عاقل لانتهمك) وأمره أن يبدأ جمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة
فقال زيد رضي الله عنه: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: هو واللهِ خيرٌ
قال سيدنا زيد رضي الله عنه: فلم يزل أبو بكر رضي الله عنه يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
فكنتُ أتَتَبَّعُ القرآن أجمعُه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال
قال أنس رضي الله عنه: جَمَعَ القرآنَ على عهد النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أُبَيٌّ ومعاذ بن جبل وأبو زيد وزيد بن ثابت رضي الله عنهم. رواه البخاري.
مرحلة الثانية في جمع القرآن:
في خلافة عثمان بن عفان كان الإسلام يستقبل كل يوم أناسًا جدد عليه مما أصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين فقرر عثمان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمانضرورة توحيد المصحف فقال عثمان: مَنْ أكتب الناس؟ قالو: كاتب رسول الله زيد بن ثابت قال: فأي الناس أعربُ؟ قالو: سعيد بن العاص وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الله فقال عثمان: فليُملِ سعيد وليكتب زيدٌ
مكانته العلمية:
كان سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه من فقهاء الصحابة، وأحد أصحاب الفتوى الستة وأعلمهم بالمواريث وقد أشاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلمه بالمواريث فقال: أَفْرَضُ أُمَّتِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رواه الحاكم في المستدرك أي: أعلمهم بعلم الفرائض أو المواريث.
ولمنزلته ومكانته الكبيرة بين الصَّحابة؛ حيث كان سيدنا عُمر وسيدنا عثمان رضي الله عنهما يستخلفانه على المدينة عندما يغيبان عنها
يوم السقيفـة:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال لما توفي رسول الله قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا، قال فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك .فقام زيد بن ثابت فقال إن رسول الله كان من المهاجرين وإن الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله فقام أبو بكر فقال جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار وثبت قائلكم ثم قال أما لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه ثم انطلقوا.
أولاده
وقد ولد لزيد بن ثابت رضي الله : خارجة، وسليمان، ويحيى، وعمارة، وإسماعيل، وأسعد، وعبادة، وإسحاق، وإبراهيم، ومحمد، وزيد، وعبيد الله، وسليط، وعمران، والحارث، وثابت، وحسنة، وعمرة، وأم إسحاق، وصفية، وقريبة، وأم محمد، وأم حسن، وابنان دعاهما عبد الرحمن من أُمَّين مختلفتين، وبنتان دعاهما أم كلثوم من أُمَّين مختلفتين أيضًا.
وفاته
توفي رضي الله عنه على الراجح سنة (45هـ) وقيل غير ذلك فحزن الصحابة رضي الله عنهم والمسلمون لفقده فعن سالم رضي الله عنه قال: كُنَّا مع ابن عمر رضي الله عنه يوم مات زيد بن ثابت رضي الله عنه فقلت: مات عالمُ الناس اليوم فقال ابن عمر رضي الله عنه: يرحمه الله فقد كان عالم الناس في خلافة عمر وحَبْرَها
و عن يحيى بن سعيد قال: لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات اليوم حبر هذه الأمة، ولعل الله يجعل في ابن عباس منه خلف