شعور الخوف… من خيال طفولتنا إلى واقع أطفال غزة

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير
تعودتُ منذ زمنٍ بعيد على التأمل في كل ما يحيط بي، سواء كان كبيرًا أم صغيرًا، ذا شأنٍ أم عابرًا. مشاهد الحياة تمر أمامي كما لو كانت فيلمًا سينمائيًّا، وذهن المتأمل يلتقط منها صورًا ومشاعر تتراكم على مر السنين.
أمس، وبينما كنتُ مستلقيًا على سريري، أراقب سقف غرفتي المظلم، بدأت شاشة ذهني تُعرض لي مشاهد من طفولتي؛ مشاهد من أفلام الحرب، وتحديدًا فيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي” لمحمود ياسين، و**”أبناء الصمت”** لأحمد زكي. رغم علمي حينها أنها محض تمثيل، كنتُ أشعر بالخوف الحقيقي، يرتجف قلبي من مشاهد المعارك، كأنني أعيشها فعلًا.
أطفال غزة: عندما يصبح الكابوس حقيقة
لكن، فجأة، تغيّرت الصور، لم أعد أرى محمود ياسين ولا أحمد زكي، بل وجوهًا حقيقية… وجوه أطفال غزة.
سمعتهم بوضوح يخاطبونني:
“أنت تخاف من الخيال… ونحن نعيش الكابوس!
كم أنت ساذج!”
تجمّد قلبي، أدركت حجم الهوة بين خيالي وواقعهم…
أولئك الأطفال لا يشاهدون القصف عبر شاشة، بل يعيشونه.
يشمّون رائحة البارود، يلامسون الركام بأيديهم،
ولا يحتاجون لمؤثرات صوتية ليسمعوا دويّ الانفجارات.
الحياة في غزة: بين الحصار والخوف
هم لا يملكون ترف الخوف من مشاهد وهمية،
فواقعهم كفيلٌ بأن يزرع في أرواحهم كل أشكال الفزع.
أحلامهم ليست عن المستقبل، بل عن النجاة في اليوم ذاته:
-
حلمهم رغيف خبز يكفي ليومٍ واحد.
-
حلمهم أن يصمت صوت الطائرات، وتبتعد الدبابات.
-
حلمهم أن تُمنح لهم الحياة دون خوف أو ذل.
أصواتهم لا تزال ترنّ في أذني:
“علّمتنا الحرب أن نتوقع الأسوأ في كل لحظة،
وأن الهروب إلى النوم لم يعد ملاذًا.
في غزة، تتفكك الأرواح، وتُهشم الشخصيات
تحت وطأة القصف، والحصار، والخذلان.
هنا، لا مجال للتظاهر بالفرح…
فالحزن هو لغة الأيام، والصمت أثقل من كل الكلمات.”
غزة: المرآة التي تعكس خذلان العالم
غزة اليوم ليست مجرد جغرافيا… إنها وجع إنساني مقيم، ومرآة لخيبتنا.
فنم بعد ذلك كما تشاء، أو استيقظ…
واستيقظ معك ضمير أُمّة فقدت البوصلة.
أنقذوهم من براثن الذل والهوان…
لأن صرخة طفلٍ في غزة أصدق من كل الخطب،
وصمتنا تجاهه رصاصة جديدة تُطلقها الخيانة.
إن بكاء طفلٍ غزّاوي ليس مجرد لحظة عابرة،
بل هو إنذار للعالم بأن إنسانيته على المحك.
فهل من صرخةٍ تتسلل إلى الضمائر؟
هل من صوت يعلو لينقذ الطفولة من تحت الأنقاض؟
هل من مستجيب لهذا الصدى الذي لا يهدأ؟
السفير د. أحمد سمير
عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة
السفير الأممي للشراكة المجتمعية
رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية