تقارير وتحقيقات

“شمس أفلت فسطعت” ذكرى جريدة المؤيد تكشف دور سعد زغلول في انتهاء الدور الوطني للجريدة

إيمان أبوالليل

الكلمة والفكرة هما السلاح الأخطر عبر العصور، ومن هنا كانت حكمة أول ما نزل من القرآن وهي أمر مباشر من رب العالمين لنبينا محمدبن عبدالله_عليه الصلاة والسلام_ “إقرأ”.

نعلم بأننا في عصر حرب المعلومات لا حرب السلاح، ولن تأتي المعلومات دون قراءة وثقافة.

والبيت القارئ لا يخرج منه غير العلماء، كما سنرى أثناء احتفالية شيخ الصحافة المصرية، الشيخ أحمد ماضي، مؤسس أول جريدة وطنية مصرية إسلامية خالصة للمصريين والتي وقفت بقوة ضد الاحتلال الإنجليزي في مصر.

احتفلت جمعية أولي العزم الدينية ولجنة الدعوة والتراث بذكرى شيخ الصحافة المصرية أحمد ماضي وانشاء جريدة المؤيد.

بدأ الاحتفال بكلمة المهندس سعيدالبشير رئيس لجنة الدعوة والتراث و تحدث فيها عن اهمية الصدق في العمل وان الصدق هو الركيزة الأهم وعلى المخلص ان يعاهد الله عما جاء بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم  وما جاء في كتاب الله.

ثم عرض خطوطا عريضة وضح فيها بعض جوانب من حياة الشيخ احمد ماضي وتأسيس اول جريدة مصرية خالصة بمشاركة الشيخ على يوسف، صدرت سنة 1889 توجهها قومي مصري ديني.الى ان ان اختلف الحال واصبحت بعد ترك الشيخ احمد ماضي لها تابعة للاحتلال.
ثم كانت الكلمة للمهندس محمد البشيررئيس مجلس الادارة حيث وضح بداية تأسيس جريدة المؤيد وتحدث عن موهبة الشعر لدى الشيخ والذي فضل الاشارة الى العلوم الطبيعية شغفه بعلوم الفلك ايضا برغم صغر سنه ثم السياسة فيما بعد مع جريدة المؤيد، ولم يركز كثيرا على الشعر.
ثم جاءت كلمة الدكتور احمد جمال ابوالعزائم، نائب رئيس مجلس الادارة، والتي كان لها أثر كبير ونفسي على الحضور وأصحاب الكلمة حيث اضطر البعض لتغيير كلمته بعد سرد رائع من الدكتور احمد عن حياة ومواقف شيخ الصحفيين احمد ماضى وما تعرض له من ظلم وغدر او ما يسمى بنظرية المؤامرة من سعد زغلول والذي قام بالتدخل بين الشيخ احمد ماضي والشيخ على يوسف وتم الفصل بين الشيخين واستأثر الشيخ على يوسف بالجريدة لنفسه وتحولت بعد ذلك من الدفاع والوقوف ضد الاستعمار البريطاني الى موقف مخزي غير صارم، وبعدها حزن الشيخ احمد ماضي وتوفى بعدها عن عمر ثلاثين عام تقريبا في محافظة المنيا بصعيد مصر.
ثم علق المستشار ناصرالزيات،  والذي علق بكلمة ” شمس أفلت فسطعت” بعد حمده لله والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وألقى قصيدة عقب فقال، ان الشيخ كان موسوعة تسير على قدمين فهو الشاعر الكلاسيكي للمدرسة الحديثة وهو الصحفي صاحب القضية الوطنية ومؤسسا للصحافة المصرية و العالم بعلوم الطب والفلك وشتى العلوم الاخرى، فهو يستحق ان يلقب بالموسوعة.
وعلق الحضور على الاحتفالية ومآثر الشيخ وتأثير جريدة المؤيد وأهمية الكلمة في المجتمع 
فكانت كلمة الدكتور حسن خليل بعنوان قامة منسية وكيف يظلم التاريخ احيانا رجالا اصحاب همم.
كما علق على الكلمة الدكتور حسن علي دبا
ثم الدكتور جمال امين
ثم الاستاذة  إيمان ابوالليل.
وفي نهاية الاحتفال تم تكريم أصحاب الكلمة
.

محطات في حياة الشيخ

بعد انتهاء الشيخ أحمد ماضي من دراسته بالأزهر الشريف، قرر وصاحبه الشيخ علي يوسف أن يفتتحا مجلة الآداب سنة1887م ،وكان امتياز هذه الجريدة باسم الشيخ علي يوسف.

وكان تحريرها يقع على عاتق الشيخ أحمدماضي وكانت أحسن المقالات هي المناظرات بين الشيخين ، فيوقع كل منهما باللقب الذي اختاره لنفسه ف ، كان الشيخ علي يوسف يلقب نفسه( بالباحث ابن العصر) وكان الشيخ أحمد ماضي يلقب نفسه (بالطائف ا لجوي).

  في هذه الأيام كان  (الشيخ أحمد ماضي) يعمل مدرسا للغة العربية والدين في مدرسة الاقباط الكبرى بالقاهرة ،  وكان يشرف على تحرير مجلة الآداب من الناحية الأدبية في المناظرات بينه وبين صاحب الامتياز شريكه الشيخ علي يوسف ،  ثم يحرر القسم العلمي ، ويرد على النظريات والآراء المعاصرة والوافدة على البلاد ، ويناضل مفندا آراء الجرائد والمجلات الأخرى التي تشيد بالاحتلال وتسير في ركابه كجريدة المقطم و مجلة اللطائف وغيرها، وبعدها تم إصدار جريدة المؤيد اليومية.

 ظهر العدد الأول منها في ديسمبر 1889م أي في نهاية القرن التاسع عشر  ، وبداية القرن العشرين ، فخرجت هذه الجريدة ولا عون لها من السرايا (الملك والحكومة) ، ولا معين لها مؤيد من الاحتلال وعملائه فى مصر  ، فكانت جريدة مستقلة فى قراراتها، وطنية في اتجاهاتها ، إسلامية في نهجها .

 اطلع الشيخ أحمد ماضى  وقد كان مديرا لإدارة الجريدة  ـ بتحرير افتتاحية الصفحة السياسية  ، وتحرير الأخبار العالمية بعد ترجمتها  ، حيث كان بارعا في اللغة الإنجليزىة ، بعد أن قام بتعليم اللغة العربية لمستشار السفارة  الإنجليزىة بالقاهرة ،وقام المستشار بتعليمه اللغة الإنجليزىة .

 إن القارىء لأعداد جريدة المؤيد في سنتها الأولى ـ وخصوصا لمقالات الشيخ أحمد ماضي وتحليلاته السياسية والاجتماعية ـ يظهر له من أول وهلة سعة الاطلاع والمعرفة الكبيرة لدى الشيخ أحمد ماضى في تحليل وتوصيف المواقف الدولية  ، والآراء الحكومية ،ولقد كانت مجلة (الآداب) وجريدة ( المؤيد) المدرسة التي تعلم بها كتاب هذا العصر ، ومنهم أحمد شوقى ومصطفى كامل والشيخ البكري .

 

 لم تكن مجلة (الآداب) مجلة سياسية تأخذ بأسباب السياسة ولكنها كانت مجلة أدبية والمطلع على أعداد هذه المجلة يدرك انها لم تقترب من السياسة إلا رمزاً ، وذلك بعكس ما كانت عليه جريدة (المؤيد) التى حثت  الافتتاحيات بها على الوطنية ونبذ ما جاء به الاحتلال من مدنية زائفة ، وكانت جريدة المؤيد تأتي بالاخبار المحلية والعالمية مع تحليل دقيق للاخبار اليومية ، ومكاتبات مندوبى الجريدة ، وكتابات صاحب امتياز الجريدة خلال زياراته المتعددة في اقاليم مصر الداخلية.

والمطلع على جريدة(المؤيد) يجد المقالات الافتتاحية التى دائما ما كان يكتبها الشيخ أحمد ماضي مخاطبا أبناء النيل ومقالاته عن السودان  ، وترجماته للأخبار العالمية ، وخاصة ما يتصل بالعالم الإسلامي في ذلك الوقت وكذلك مناقشاته لدورة الحياة اليومية للشعب المصري في أمس ما يتصل به فى القضايا الداخلية بين افراده وبين الاجانب  ، وتحليلات للقوانين التي تمس حياة الشعب ، مع اظهار المرافعات التي تمس صميم الحياة المصرية اليومية ، ومعارضة للنظريات التي جلبها الاحتلال ودأب على ترديدها ، مثل نظرية النشوء والارتقاء التى أخذت عدة مقالات من اهتمام الشيخ أحمد ماضي .

 تعرضت جريدة المؤيد لمحاولة سيطرة من عدة جهات مثل (دار الحماية) ممثلة فى الاحتلال  الإنجليزى ورجاله فى مصر والذين فشلت جهوده في ذلك الوقت.

      وايضا (الخديوي) الذي كان يرغب في احتواء الجريدة  ، ليوجهها لمصلحته ، حيث إنه لم يكن على وفاق مع الاحتلال  الإنجليزى ، وخصوصا بعد اعادته للحكم ، قد حاول التقرب من التيار الدينى وبدأ فى بناء المساجد الكبرى لال البيت فى مصر.

    وحاولت (دار الخلافة) وهى الدولة العثمانية حيث وجدت دار الخلافة تأييد الجريدة لفكرة الجامعة  الإسلامية     

ولقد سارت الجريدة على النهج الذى رسمه لها الشيخان (أحمد ماضى و علي يوسف)  فرفضت مساندة الاحتلال واتخذت لها نهجا مخالفا للصحف التي أنشأها الاحتلال مثل جريدة(المقطم) وسارت على طريق محايد مستقل مع الخديوي  الإنجليزي ، ولكنها لم تعارضه وتبنت فكرة الجامعة الإسلامية ، ولكنها لم تنسَ انها جريدة وادي النيل جريدة المصريين جريدة الإسلام . 

بثت المؤيد روح الإسلام و الجهاد والمقاومة بين أفراد الشعب المصري بل وبين ابناء وادي النيل  مما جعل الاحتلال ودار الحماية ينظران بشرر نحو هذا الحصن الجديد الذى دخل في حياة المصريين والمسلمين وتزعم الاستعمار الهجوم على المؤيد .

ولهذا اتخذ اذناب الاستعمار من جريدة المقطم مظلة يتحركون تحتها، النيل من جريدة المؤيد ولكن المؤيد صمدت بفضل إخلاص صاحبيها وجهودهما ،  فصمدت ورأت فى حرب هؤلاء خير وسيلة في بث رسالتها بين المصريين وأمة الإسلام التى كانت تعانى الأمرّين من الاحتلال والتفكك الروحي .

      وبعد مرور أكثر من عامين على نشأة و إصدار الجريدة وبعد جهود للشيخ أحمد ماضى فيما يتصل بجميع أعمال الجريدة وسياستها  ، حيث كانت وظيفته فى إدارة المؤيد بما يُسمى بلغة العصر (رئيس التحرير المسؤول) إلى أن تمكن الاحتلال وأذنابه من بث روح الفرقة بين الشيخين (علي يوسف) صاحب الامتياز و (أحمد ماضى) مدير إدارة الجريدة.

    لم يكن أحد من الشيخين يظنُ أن ستكون بينهما فرقةً بعد أن تلازما في الأزهر الشريف واشتراكا فى مجلة (الآداب) وانشاءا ،   جريدة(المؤيد) برأى واحد وفكر مشترك ، ومشرب واحد ووقوف في وجه أعداء الوطن الذين يناصرون الاحتلال ودحضا النظريات الواردة من الخارج التي تعارض شريعة  الإسلام مما جعل منهما صخرة واحدة يسعى أعداء الوطن إلى تحطيمهما وفصلهما عن بعضهما البعض .

      كان الهدف للاحتلال واذنابه من الهجوم على الشيخ أحمد ماضي هو إزاحته عن المؤيد خصوصا بعد أن رفض أن تهادن الجريدة الاحتلال وتسير في ركب المؤيدين له ، وهنا استُدرج الشيخ أحمد ماضى إلى  مناظرة مع جريدة المقطم في مدينة الاسكندرية بقصد القضاء على حياته فتم دس السم له فى الطعام في اثناء المناظرة ولكن الله سلم ولم تُفلح المحاولة ، وهنا قرر الاحتلال البدء في إثارة البغضاء بين الشريكين .

سعد زغلول وانتهاء علاقة الشيخين

      كان سعد زغلول في ذلك الوقت يعمل بالمحاماة  و كان على صلة بجريدة المؤيد فكانت تنشر له مرافعاته في القضايا التي كان  يترافع فيها ، وكان على صلة بدار الحكومة وبدار الحماية ، أما صلته بدار الحكومة فقط كان زوج ابنة مصطفى فهمي باشا رئيس النظار في عهد الاحتلال و،الذي استمر رئيسا للنظار منذ دخل  الإنجليز مصر ولمدة 18 عاما ،ولذلك عندما دخل سعد زغلول غمار السياسة وقدم نفسه كزعيم للامة لم يرغب ان يعرف الشعب صلته برئيس النظار ورجل الإنجليز فى مصر فاطلق على زوجته صفية زغلول ولم يسمها باسم ابيها مصطفى فهمى باشا رئيس النظار ورجل  الإنجليز. وتأكيدا على دور سعد زغلول فقد كان يعمل في جريدة(الوقائع المصرية)مع الشيخ محمد عبده ولكن الشيخ محمد عبده عارضه الإنجليز وتم نفيه إلى خارج البلاد الانجليز أما سعد زغلول فلم يمسه الاحتلال باى سوء.

إن التاريخ سوف يكشف الكثير عن دور سعد زغلول في الحياة السياسية فى مصر، ولقد هال سعد زغلول أن تنجح جريدة(المؤيد) ، هذا النجاح الكبير في أقل من عام الانجليز ، وأن تُطلب فى كل انحاء مصر وفي العالم  الإسلامي وأن يتبارى في الكتابة بها كل الوطنيين المتحمسين لإسلامهم ولوطنهم الانجليز وأن يكتسب الشيخان ( أحمد ماضى و علي يوسف) شهرة كبيرة فى ربوع مصر والعالم الإسلامي.

فحاول أن يغير من سياسة ونهج الجريدة لكي تساير التيارات الاستعمارية ولكنه فشل في ذلك حتى تمكن أخيرا من الوقيعة بين الشيخ أحمد ماضى والشيخ علي يوسف فقررا الانفصال وأن تكون لاحدهما ، فإذا كانت للاول (الشيخ علي يوسف)فإنه سيغير نهج الجريدة  إذا كانت للثاني (الشيخ أحمد ماضى) فستستمر الجريدة على سياستها ، في تلك الاثناء علم موظفو الجريدة وعمالها بما يقوم به سعد زغلول من وقيعة بين الشيخين ، وما يصبو إليه سعد زغلول من أن تنحرف الجريدة عن مسارها ، فتحرشوا به وعارضوا توجهاته علنا ، فلم تزده هذه المعارضة إلا إصرارا على الوقيعة وإكمال الدور الذى عُهدَ به إليه فقرر الشيخ علي يوسف الانفصال .

     يقول الأستاذ محمد الزيات فى كتابه (تاريخ الادب العربى) أن جريدة المؤيد قُدرت في ذلك الوقت بما يوازي مائة جنيه ذهبا ، وأن الأمر كاد أن يصبح فوت يد الشيخ علي يوسف ،   لولا تلك اليد التى امتدت إلى الشيخ علي يوسف ، فاعطته المائة جنيه ذهبا ، وأصبحت الجريدة ملكا خاصا للشيخ علي يوسف وخرج الشيخ أحمد ماضي من الجريدة وكانت تلك اليد هى يد سعد زغلول ، ومن الغريب ان سعد زغلول كلن محاميا عن الشيخ أحمد ماضى ولكنه خان الأمانة ولعب لعبته كي يخرُج الشيخ أحمد ماضي من المؤيد.

 

         وهكذا اصبحت جريدة المؤيد ملكا خالصا للشيخ علي يوسف يتصرف فيها كيفما يشاء ، وكان بعد ان خرج الشيخ أحمد ماضى من جريدة المؤيد وتغيرت سياسة الجريدة  ، فهادنت الاحتلال ، وبعدها خرج الوطنيون كتاب الجريدة وأنشأوا جريدة وطنية اخرى هى جريدة(اللواء) أنشأها مصطفى كامل أحد كتاب المؤيد السابقين ، وكان أيضا ان دُعيَ الشيخ علي يوسف لزيارة إنجلترا  ، وافتتن بالحضارة الغربية وبما وجد بها ، ثم عاد إلى مصر وكانت اول كتاباته هي إن لندرة هيى قبلة المصريين.

وهكذا افلح الاستعمار ، وأفلح سعد زغلول وانتهى حلم جميل في ان تستمر جريدة المؤيد صرحا قويا ضد الاحتلال ،  وأن ينطفىء قلم حر شجاع هو قلم الشيخ أحمد ماضى الذى أصابه المرض من جراء الخيانة ، ووافاه الأجل وهو لم يُكمل بعد عامه الواحد والثلاثين في صبيحة يوم الثالث عشر من يناير 1994م.

 

 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى