أراء وقراءاتالعالمالمجتمع

صفحات التناحر الاجتماعي.. بقلم: الدكتورة وفاء الشيخي

صورة تعبيرية

يعتبر موقع الفيس بوك من أهم المواقع الاجتماعية للتواصل بين الناس فى هذا  العصر ، فهو مظهر من مظاهر العولمة التي جعلت العالم كمدينة أو قرية واحدة ،  يتواصل فيها الناس بآرائهم وأفكارهم وهوياتهم ، وتوجهاتهم ، و يتشاركون علومهم وأبحاثهم ، ،أفراحهم واتراحهم  وحتى صورهم ومناسباتهم،  وتذوب فيه الفواصل الزمنية والمكانية ،وهذا لاشك من الإيجابيات ، لأنه يحقق إنفتاح ثقافي، معرفي واسع بين دول العالم ، وساعد على سرعة التواصل والتعارف بين الأشخاص ومعرفة أهم أخبارهم وأهم الأحداث العالمية، على المستوى الاجتماعى والسياسي والامني ،  والرياضى والفنى والدينى وجميع المجالات الأخرى،كما ساعد على إنشاء علاقات جديدة متنوعة بين أفراد تجمعهم طباع وأفكار واهتمامات  موحدة ،وربما لا تجمعهم رقعةجعرافية واحدة .

الا انه اصبح في كثير من البلدان وخاصة العربية ، سبب من  أسباب الخلاف والفتنة ، والفرقة والافتراق ، ووعاء لإستباحة الأعراض ونشر الاشاعات ، والنجوى ، والسعي بالنميمة والقطيعة ، مما هدمت أسر ، ونسفت روابط ، وشككت في علائق ، ذلك لأسباب عديدة منها :

البغي والغرور ، فقد يرى بعضُ الناس بسبب الاثرة، وحب الذات، و الأنا العالية ، أن ما عنده  أصوب وأفضل مما عند غيره، فيزدري ويحتقر آراء الآخرين وأفكارهم، فيسفههم ويلمزهم ويشكك فيهم وفي نواياهم وأهدافهم ، فنشاهد ونقرأ  هذا الكم الهائل من التراشق بالكلمات والملاكمات الكلامية ،والتجريح والبذائة في الألفاظ،  والسفاهة في العرض ،

كذلك سوءُ الظن بالآخرين وما يترتب عليه من  الإشاعات والطعن في الأعراض والأخلاق والأعمال ، سواء بالتصريح او بالتلميح ،  مما يثير البغضاء والتشاحن والمشاجرات، قد تصل لحد التقاتل والانتقام .

كذلك الحسد والغيرة بين الأقران والمتنافسين ، سواء على المستوى الاجتماعي او السياسي او العلمي او غيره ، وشهوةُ الزعامة وحبُّ الصدارة فيظن صاحب هذا المرض إنه الأجدرُ بالقيادة والريادة والتحدث ، والمنصب والجاه والمال دون سواه ، فينشر سمومه عبر الفيس بوك او الوسائل الاجتماعية الاخرى ، يشككك في ذمة الأشخاص ويتقن فن الاتهام والوقيعة بين الناس .

ومما لا يخفى على احد ،  إنتشار الصفحات المزيفة لشخصيات معروفة في مجتمعاتهم و أوطانهم ، بغرض تشويه سمعتهم ، وتحطيم معنوياتهم والطعن في حرماتهم ومحارمهم  ،صفحات وهمية تبث الفتنة، وتأجج الاحقاد، مدفوعة من افراد ، او احزاب او جماعات معينة  ضد اخرى ، فكثرت المشاجرات  والممحاكات، وتبادل التهم والقذف بصورة عدائية وغوغائية مثيرة بين انصار هؤلاء واعداء اولئك،  في ردودهم وتعليقاتهم على تلك الصفحات.

العصبية الممقوتة للمذهب أو للطائفة أوالعرق او المدينة أو القبيلة أوالجنس،  وفن التنابز بالالقاب ، أحد أهم أسباب الفرقة والاختلاف بين الناس وقد كانت صفحات التواصل أرض خصبة لزراعة الفتنة و الوشاية واثارة المشاكل و الازمات .

كذلك تغليب الهوى على الهدى،  والغلو على التيسير عند بعض ممن يسمون أنفسهم بالمشايخ ورجال الدين،  والفتوى بإستباحة دماءِ فئة من الناس وأعراضهم واستحلال ديارهم وأموالهم، ونصرهم على فئة اخرى ،ظلما وعدوانا بغير حق ، فإنتشرت الفوضى والتناحر  و الفرقة والشتات وذهاب الريح  بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد،  وقد أتخذ هؤلاء من صفحات التواصل منبرا لهم .

كما ان الفيس بوك اصبح مصدر لتصدير الرسائل السلبية والمحبطة ، فالمنشورات الغالبة على صفحاته يعتريها التشاؤم والسوداوية والبكاء والعويل بسبب ما تمر به الأمة من احداث مؤلمة ودامية ، فنلاحظ التعاطف والتعاضد  من البعض مع من مسهم الضر،  وفي المقابل نلاحظ لهجة التشفي والشماتة والرقص على الجراح عند البعض الاخر،  فإنتشرت الكراهية والبغضاء والحقد ،  بين ابناء البلد الواحد و المدينة الواحدة بل حتى بين الأسرة الواحدة ..

ناهيك عن التقاذف والتراشق والسب والشتم والتفاخر بالانساب والأعراق،  بين شعوب الدول المختلفة من المحيط الى الخليج ومن المغرب الى المشرق ..  إحذروا من ما تخطه أيدكم، وإنتبهوا لما تلفظه أفواهكم ..

وما من كــاتب إلا سيفنى … ويبقى الدهر ما كتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شىء … يسرك في القيامه ان تراه

ولو سألتموني ماهي  أكثر القضايا خطورة على مجتمعاتنا  في كل ما ذكرته لكم ،  فأجابتي ستكون” الفقر ”

ليس الفقر المادي  ولا البطالة والفساد، ولا  المخدرات والجريمة، ولا حتى التطرف بشقيه الديني والانحلالي ، الفقر الذي نعاني منه ليس في الثرواث والممتلكات ،  ولكن نعاني فقر شديد  في” القيم” ، القيم التي اعتدنا التفاخر بها في كتبنا وقصائدنا وأمثالنا وثراتنا ، ولكننا أبعد ما نكون عليها على أرض الواقع ، والدليل صفحات التواصل الاجتماعي التي حولناها الى صفحات تقاتل وتناحر اجتماعي.

د. وفاء الشيخي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.