صناعة الوعي المصري.. استثمار في الإنسان من أجل الوطن

بقلم/ مدحت سالم  

#الإنسان والوعي دعائم الحضارة

إن الإنسان هو الكنز الأعظم الذي وهبه الله للأوطان والوعي هو مفتاح هذا الكنز وأداته لصناعة الحضارات فالحضارة لا تُبنى بالأموال ولا تقاس بعدد الأبنية بل تُقاس بمدى إدراك الشعوب لذاتها ووعيها برسالتها ودورها في إعمار الأرض كما قال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (( أنا أفكر إذن أنا موجود)) وهكذا فإن التفكير هو الأساس الذي يجعل للإنسان وجودًا ذا معنى.

وقد أكد القرآن الكريم أهمية الوعي والإدراك في قوله تعالى (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) فالوعي هو القدرة على التفكر والفهم وهو السبيل الذي يحقق الإنسان من خلاله رسالته في الحياة.

# الوعي المصري عبر التاريخ إرث ممتد ورسالة مستمرة

لقد كانت مصر على مر العصور منارة للعلم والفكر وموطنًا للحضارات التي أبهرت العالم فمنذ آلاف السنين برع المصريون في علوم الطب والهندسة والفلك كما قال المؤرخ الإغريقي هيرودوت (( مصر هبة النيل )) لكنها أيضًا هبة العقول التي وعت كيفية تسخير النيل لخدمة الإنسان

وفي العصر الإسلامي أضحت مصر قلب العالم الإسلامي ومركزًا لنشر العلم والمعرفة وما زالت الأزهر الشريف شاهدًا حيًا على ذلك الإرث العريق

#التحديات المعاصرة حرب الأفكار وتشويه الهوية

في عصر الانفتاح والعولمة تواجه مصر تحديات فكرية كبيرة تتمثل في محاولات تشويه الهوية الوطنية وغزو العقول بأفكار دخيلة تُضعف القيم الأصيلة التي تربى عليها المصريون وكما قال الفيلسوف الإنجليزي جورج أورويل (( السيطرة على الفكر تعني السيطرة على الواقع ))

هذه التحديات تتطلب وعيًا يقظًا يفرق بين الحداثة المفيدة والغزو الفكري المضلل كما قال الإمام الشافعي (( ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب )) في إشارة إلى أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية واللغوية

صناعة الوعي بين مسؤولية الفرد ودور المؤسسات

• الأسرة: المصنع الأول للعقل المصري

الأسرة هي اللبنة الأولى في تشكيل وعي الإنسان فهي التي تغرس القيم والمبادئ في نفوس الأبناء وكما قال أفلاطون (البيت هو أول مدرسة للفضيلة)

• المدرسة والجامعة: تشكيل العقول الناشئة

التعليم هو الطريق الأمثل لبناء الوعي وتنوير العقول وقد جاء في الحديث الشريف (طلب العلم فريضة على كل مسلم)

• الإعلام: المرآة الناقلة للوعي الجماهيري

الإعلام هو سلاح ذو حدين فهو قادر على بناء الوعي أو هدمه ولذا يجب أن يكون وسيلة لنقل الحقيقة كما قال الصحفي الأمريكي والتر ليبمان (( الصحافة هي شعلة تنير طريق المجتمعات ))

• الدين والثقافة: الحصون الفكرية للأمة

الإيمان الواعي هو الحصن المنيع للأمم فقد قال السيد المسيح عليه السلام (( تعرفون الحق والحق يحرركم))

# الاستثمار في الإنسان تجارب دولية وشواهد تاريخية

أثبتت الدول التي استثمرت في الإنسان أنها الأكثر نجاحًا فقد حققت اليابان نهضتها بعد الحرب العالمية الثانية عبر التركيز على التعليم وبناء العقول وكما قال المهاتما غاندي (( إن التعليم هو السلاح الأقوى لتغيير العالم ))

بعد الحرب العالمية الثانية خرجت اليابان منهكة اقتصاديًا ومدمرة بالكامل إلا أنها اختارت طريق الاستثمار في الإنسان لتحقيق النهضة الوطنية فركزت على تطوير التعليم والبحث العلمي وربطهما بسوق العمل حتى أصبحت من أبرز الدول في الابتكار والتكنولوجيا وكما قال المؤسس الأول لشركة باناسونيك كونوسوكي ماتسوشيتا (( التعليم ليس فقط لبناء الفرد بل هو لبناء الأمة بأكملها ))

• قامت اليابان بإصلاح شامل لنظام التعليم مع التركيز على غرس قيم الانضباط والعمل الجماعي
• أنشأت مراكز بحثية متقدمة وأدخلت التكنولوجيا في جميع القطاعات
• استثمرت في ثقافة العمل والإبداع لتعزيز الإنتاجية الوطني

وفي الصين كان الاستثمار في الإنسان هو الأساس الذي حولها إلى قوة اقتصادية عالمية كما قال الزعيم الصيني دنغ شياو بينج (( التعليم هو المفتاح لكل تقدم ))

كذلك أيضاً تُعرف دول مثل السويد والنرويج والدنمارك بأنها من أكثر الدول استثمارًا في رفاهية الإنسان من خلال أنظمة تعليم وصحة متقدمة تقوم على الوعي بقيمة الفرد كما قال رئيس وزراء السويد أولوف بالمه ( ( إن الاستثمار في الإنسان هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة والتنمية ))

• أنشأت أنظمة تعليم مجانية وشاملة تركز على تعزيز قيم الإبداع والمساواة
• ربطت بين التعليم والسياسات الاجتماعية لضمان رفاهية المواطنين
• وضعت برامج توعية مستدامة لتعزيز مفهوم المسؤولية المجتمعية

# الحفاظ على الهوية الوطنية تحديات الحداثة والعولمة

إن الحفاظ على الهوية الوطنية في ظل الانفتاح العالمي يتطلب توازنًا دقيقًا بين الاستفادة من الحداثة والحفاظ على القيم الأصيلة كما قال الشيخ محمد متولي الشعراوي ( ( من لم يكن له ماضٍ فلن يكون له حاضر ولا مستقبل ))

# الوعي كقوة تغييرية طريق النهضة الحقيقية

الوعي ليس مجرد إدراك للواقع بل هو القدرة على تغييره وتحسينه وكما قال الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت (( الحرية هي القدرة على التصرف بوعي )) فالوعي هو الذي يجعل الإنسان سيد مصيره وقادرًا على قيادة أمته نحو النهضة

# دعوة للتكاتف من أجل بناء وطن قائم على الوعي

إن صناعة الوعي المصري مسؤولية الجميع فهي ليست مجرد دعوة نظرية بل هي واجب وطني وإنساني يتطلب من الجميع التكاتف لبناء عقول واعية تؤمن بالوطن وتعمل من أجله وكما قال الأديب المصري طه حسين (( إن التعليم كالماء والهواء حق لكل إنسان )) فإن الوعي كذلك هو حق وواجب في آن واحد.

مدحت سالم 

كاتب وباحث