أراء وقراءاتالعالمالمجتمع

صَانِعو الأمل !!.. بقلم : علاء الصفطاوي

تنزِلُ المحنُ بالنّاسِ فتكشفُ معادِنَهم النّفيسة .. أو حقيقتهم الخسيسة . حيثُ إنّ مَن يصبر ويتحمّل يقطع شوطاً طويلاً في ميدان الثّبات والرُّجولة، ويكشف – بسلوكه هذا – عن خلقٍ نبيل .. وطبعٍ أصيل، فما تفتّقت مواهبُ العظماء إلا وسط رُكامٍ من المشقّاتِ والمحنِ والابتلاءات !! إنّ هؤلاء العظماءَ من النّاس هم الذين إذا ابتلوا ابتلاءً عظيماً لم يصنعوا من مصائبهم وابتلاءاتِهم صنماً يطوفون حوله وهم ينتحبون !!.

انتقلت سيدةٌ مع زوجها الضّابط لأحدِ الحدود البريّة، وبمرورِ الوقتِ بدأت تضيقُ بالوحدة، فقررت العودة لأهلها، لكن خطاباً أتاها من أبيها غيَّر مجرى حياتها كتبَ فيه: جلس اثنان خلف قضبان السجن، فتطلَّع أحدهما ببصره إلى وحل الطريق .. أما الآخر فتطلع إلى نجوم السماء !! ..إنّ الحمقى هم الذين يرفضون الواقع .. لكنّ العقلاء هم مَن يقبلونُه ويعملون على تغييره !

وإذا بحثت عن السعداء فلن تجدهم في عشّاق السَّخط على الأقدار ومدمني الشكوى، لأنّ السعداء هم أصحاب الإيمان واليقين وأولي العزم، يلقَون الحياةَ بما في أنفسهم من رحابةٍ قبل أن تلقاهم بما فيها من عنتٍ وشدائد !

في غزوة الخندق بشّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه بفتحِ فارس والرّوم واليمن مع أنّ أحدهم لم يكن يأمن على نفسه أثناء قضاء حاجته !! .عشرة آلاف يحيطون بهم إحاطة السِّوار بالمعصم، يريدون استئصالَ شأفتِهم والقضاءَ عليهم، إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينظرُ إلى الأرض ومَن فيها وإنما كان ينظر إلى السماء وقلبه يمتلئ بالإيمان واليقين في قدرةِ ونصر رب العالمين .

ثمّ ما فائدة البكاء على الأطلال ؟! هل يغير ذلك من الواقع شيئاً ؟! إن المصيبة تنزلُ برجلين، فتُقعدُ أحدهما وتجعله عاجزاً مع أنّ التأزم بالظروف لن يُجدي نفعاً ولن يغيِّر واقعاً .. أما الآخر فينطلق في ميدان الحياة واثقاً بربه مؤمناً بما وهبه الله من قدرات تؤهله للتغيير وعبور المحنة والوصول – بإذن الله – إلى شاطئ الأمان .

عندما فقد ابُن عباسٍ نور عينيه لم يندب حظه ويتهم الأقدار بالحمق كما فعل أحد المغنيين بل قال :

إن يأخذ الله من عينيًَّ نورَهما

ففي لساني وقلبي منهما نُور

قلبي ذكيٌّ وعقلي غير ذي وجلٍ

وفي فمي صارمٌ كالسيفِ مأثور

يقول الشيخ الغزالي رحمه الله: إنّ الإسلام يعملُ على تحويل الصبر إلى رضا، فربَّ ضارةٍ نافعةٍ .. صحّت الأجسامُ بالعلل، وربّ محنةٍ في طيها منحةٌ .. فمن يدري ؟!!.

وربما كانت المتاعب التي تعانيها باباً إلى خيرٍ مجهول، ولئن أحسنّا التصرف فيها لنحنُ حريُّون بالنفاد منها إلى مستقبلٍ أطيب وأفضل ( أ.هـ ) .

وأعظم مثال على ما ذكره الشيخ ما حدث مع ابن تيمية رضوان الله عليه عندما قال: إنّ سجني خلوةٌ، ونفيي سياحةٌ، وقتلي شهادةٌ !!.

جَمع الرجلُ أقصى ما يمكن أن يفعله الظالمون بالراسخين في ميدان الحق، ومع هذا فإن الرجل العظيم حوّل هذا الابتلاء إلى نعمٍ يستقبلها بابتسامة الرضا .. وليس إلى اكتئابٍ يحوّل حياته إلى جحيم .

لكنّ الذي يجبُ أن نشيرَ إليه ونؤكدَ عليه أن الصبر والرضا لا يعني إطلاقاً الجمود على الموجود، وعدم السعي والأخذ بالأسباب لتغيير الواقع فهذا فعلٌ سلبي لم نجده في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحين كان يبشر بفتح فارس والروم كان يأخذ بالأسباب ويحفر الخندق حول المدينة حتى لا يقتحمُها المشركون والكافرون !!.

وقد قال ابن القيم رحمه الله : من لم يتجدد يتبدد، ولذا فإن مَن لم يسعى للتغيير فإنّه معرضٌ لأن تتحقق فيه سنة من السنن الإلهية وهي سنة الإستبدال !!.

لأنّ التبرم بالظروف لن يجدي فتيلا. ولن يغني نقيراً، لكن العمل على تغيير الواقع والأخذ بالأسباب هو الذي بحقق المأمول ويؤدي إلى سرعة الوصول إلى الغايات والأهداف، وليس هناك ما يسمى بالمستحيل، فبقليلٍ مِن الذكاء والحذق والفطنة تحوَل خسائرك إلى مكاسب، وتحقق ما كنت تراهُ مستحيلاً .

سأل شاب رجلَ أعمال ناجح عن السبب في نجاحه ؟! فقال له : الصير هو سر النجاح، إن أي شيء في الدنيا يمكن أن تعمله !!

فقال الشاب: ولكن هناك شيء واحد لا يمكن عمله مهما كان الإنسانُ صبوراً .. وهو نقل الماء بواسطة المنخل !!

فرد عليه رجل الأعمال في الحال: حتى هذه يمكن عمُله إذا انتظر الإنسانُ الماءَ حتى يبرد !!!

وأختمُ بهذه المقولةِ لأبي الحسنِ الندوي : إنّ التّربة التي تُسقى بالدموع والدّماء ستنبُتُ نباتاً حسناً وتأتي بمحصولٍ من العزةِ وفِير .. وبجيلٍ يحسنُ التخطيط والتدبير !!

علاء الصفطاوي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.