عبدالغفار مصطفى يكتب : أنا ومن بعدى الطوفان
الشخصيات الإنسانية متنوعة ومتباينة فى القول والسلوك.. وإذا تأملتها تلحظ أن لكل شخصية نمطاً خاصاً.. وهذه حكمة إلهية الذى له فى خلقه شئون.
من بين الشخصيات الإنسانية تلك الشخصية المنتفخة المتورمة وهى من يطلق عليها علم النفس السلوكى بالنرجسية.. تلك المولعة بحب الذات.. متمركزة حول نفسها وتشعر بداخلها بالتفرد والتميز بل والاستعلاء وكأنها تحدثك بأن الأرض لم تنجب مثلها فى البلاد.
أيضاً الشخصية النرجسية.. متكبرة تسعى إلى الاستحواذ على كل شىء بحق أو بدون حق وتعيش فى جلباب أبيها وفى خيال الكبر وتضخم الذات عن طريق الاستحواذ والسيطرة حتى ولو على حساب حقوق الغير كما أنها تفتقد الحس الإنسانى والمشاعر الآدمية إذ هى جامدة فى عواطفها وسطحية فى أحاسيسها وشعارها الدائم ” انا ومن بعدى الطوفان “هذه الشخصية متضخمة الأنا تزهو بنفسها ومظهرها كالطاووس بيد أنها فارغة الجوهر لا تحوى بداخلها سوى الضمير الميت ودائماً تسعى إلى اثبات ذاتها وإشباع رغبتها.. وهى فى تلك الحالة تحرص دائماً أن تحصل على بعض المكاسب وربما كل المكاسب وتظن أن ذلك نجاحاً وتميزاً إلا أنها فى حقيقة الأمر هبوط بالمستوى الإنسانى ولا تعرف عن مبادئ الأخلاق شيئاً لأنها تعلن دوماً عن أنانية مطلقة وإن كان على حساب الحق والعدل.
وفى رسالة د.يسرى عبدالمحسن أستاذ الطب النفسى أن هذه الشخصية تعتز بنفسها بصورة مبالغ فيها ودائماً ما تسعى إلى جذب الأنظار وتحديد المعجبين بها بل وتوحى بسذاجة بأنها المسئولة والراعية للعناية الإلهية من أجل إسعاد البشرية.
ويرى د.عبدالمحسن أن هذه الشخصية مظهرها براق وخادع ولا يعكس جوهرها الفارغ والمنزوع منه أصول حق الغير ولا تبتغى سوى الاستعراض عن نفسها حتى ترى فيمن حولها ممن يمجدون ويهتفون بجميل صنعها وهنا تزداد فى تعظيم ذاتها وإعلاء مكانتها والسير نحو الزيف والبهتان.
هذه الشخصية هى موجودة بيننا صانعة الهدم ولا تعرف البناء وطريقها العجز وليس القوة والارتقاء.
آه من هذه الشخصية إذا اعتلت موقعاً أو منصباً ومنه تصنع قراراً وتمسك بيدها مقاليد المسئولية والتحكم فى رقاب العباد.. هنا وحتماً تكون العواقب وخيمة ومضاعفاتها سيئة إذ تجر وراءها الخراب والخيبة والدمار.
إن الإنسان صنعة الله وكرمه وميزه على سائر مخلوقاته وفيه كل أسرار القدرة الإلهية.. أمره بيد الله الذى خلقه فسواه فعدله وفى أى صورة شاء ركبه، فإذا اقترنت هذه العقيدة ورسخت فى وجدانه وكيانه اكتمل إيمانه ويقينه بأنه لا راد لقضاء الله ولا منجى ولا ملجأ إلا إليه وعليه فليتوكل المتوكلون.
إذاً الإنسانية هى أعلى وأعظم درجات الرقى الأخلاقى والثبات الإيمانى وعندما يتناسى الإنسان حقيقته فعلى الدنيا السلام.. لهذا فالإنسانية تتآكل من داخل الإنسان وعلى يديه وهذا يعكس غضب صانع الإنسان وخالقه.. وقد قال الله تعالى فيهم: “قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا” الكهف 103 و104.