علمني الحج
مضت منذ أيام الأيام المباركة,أيام الحج,أيام عرفة ومنى والمزدلفة.تلك الأيام التي خلدها الله عز وجل وشرفها.
حوت تلك الأيام أعظم وأشرف عبادة يقوم بها المسلم,إنها عبادة الحج.
كشأن كل العبادات التي فرضها الله عز وجل يحصل العبد فيها على “ثمرة مرجوة” تؤتي أكلها في حياته وتلعب دورا هاما في علاقته مع الله.
عبادة الصلاة مثلا تقرب العبد من ربه وتجعل سلوكه منضبطا كما قال الله عز وجل:
“إنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ “العنكبوت45
وعبادة الصيام محصلتها التقوى كما قال الله هز وجل:
” ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”البقرة 183.
أما الحج فهو عبادة عديدة المنافع كثيرة الثمار نحاول أن نقطف بعضها.
أول دروس الحج هو حقيق تقوى الله عز وجل بتوحيده : فالمسلم بأدائه هذا الركن العظيم فإنه يحقق التقوى التي أمره الله تعالى بالتزود منها بعدما نهى عباده عن فعل المعاصي والآثام وأمرهم باجتناب الرفث والفسوق والجدال في الحج فقال سبحانه وتعالى : { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب } [ سورة البقرة:197] وتقوى الله عز وجل لا تكون إلا بتوحيده وذلك بإفراده سبحانه بالعبادة وعدم إشراك أحداً مع الله تعالى في عبادته وهذا يتجلى واضحاً في الحج في التلبية التي هي شعار الحج والتي تلهج بها الألسن طوال أيام الحج”لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”
ثاني دروس الحج هو تعلم اتباع هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم الظاهر والباطن يظهر ذلك جليا حين وجه النبي صلى الله عليه وسلم الأنظار إلى ضرورة هذا الأمر بقوله:
“خذوا عني مناسككم” رواه البيهقي.
وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يحث الأمة على التمسك بسنته وهديه ليس في الحج فقط بل في الحياة كلها لأنه اتباع هديه عليه الصلاة والسلام هو الميزان الذي يقيس به العبد محبته لربه سبحانه وتعالى كما قال الله عز وجل:
“قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”آل عمران 31
ويأتي درس تحقيق الأخوة الإيمانية من أهم دروس الحج فإن الأخوة بين المسلمين تبرز بشكل واضح في الحج وتختفي الفوارق بينهم ويرى بشكل واضح التعاون والتآلف والمحبة في أروع صورها فنجد أن القوي يعين الضعيف وربما حمله إن كان يستطيع حمله ونجد أن من يمتلك الطعام يطعم من لا طعام لديه فيرتسم في مخيلة كل مسلم ومسلمة حديث نبينا الكريم الذي حفظه الجميع وهو قوله عليه الصلاة والسلام :{ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر }.( رواه مسلم)
وتعلم منزلة الصبر درس آخر من دروس الحج فلكي يؤدي الحاج حجه فإنه يعرض له الكثير من المشقة والتعب ويواجهه الكثير من الزحام والبقاء مدة طويلة في الانتظار وهذا يعودّه على الصبر على طاعة الله عز وجل لاسيما والمسلم مأمور بالصبر على طاعة ربه عز وجل وهي أعظم أنواع الصبر الثلاثة التي هي “الصبر على طاعة الله والصبر عن محارم الله والصبر على أقدار الله”.وقد أمر ربنا – تبارك وتعالى -عباده بالصبر فقال : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } [ سورة ال عمران :200] وقال سبحانه وتعالى حاثاً عباده المؤمنين على الصبر :{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [ سورة الزمر :10] . على طاعة الله تعالى في كل وقت وحين حتى يفوز بالنعيم المقيم في جنات النعيم.
ويتعلم المسلم من الحج أن يكون دائما صاحب دعاء لله سبحانه وتعالى فالدعاء هو العبادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فالله قريب يجيب دعاء السائلين وتعلمنا من يوم عرفه منزلة الدعاء وشأنه العظيم لذا فالعاقل يسير على درب الداعين والمبتهلين لله عز وجل.