أراء وقراءات

غزة… شمعة تحترق وقنبلة تنتظر الانفجار

بقلم أيقونة الاتزان/ السفير د. أحمد سمير

في زوايا هذا العالم المظلم، هناك شعوب لا تعيش، بل تُستهلك… تُستهلك كما تُستهلك الشموع في ليالٍ عاصفة. تحترق لتضيء لغيرها طرقاً لا يمشونها، وتذوب لتدفئ ضمائر تجمدت منذ زمن بعيد. وهكذا هي غزة… الشمعة التي لا تتوقف عن الاحتراق. ليست من أجل النور، بل من أجل حجب ظلام الخيانة، وإخفاء وجوه المنتفعين من استمرار النزيف الفلسطيني.

غزة لا تُقصف فقط بالصواريخ، بل تُغتال بالتجاهل، تُحاصر بالخذلان، وتُباع في مزادات المصالح الدولية. من يرى ما يحدث هناك على أنه “جولة تصعيد” أو “صراع حدود”، فهو يُغلق عينيه عن الحقيقة الكبرى:
غزة كانت ولا تزال ساحةً لتصفية الحسابات، ومقياسًا دقيقًا لاختلال موازين الأخلاق قبل موازين القوى.

لقد أُحرِقت غزة باسم “السلام”، وضُحِّي بها باسم “الحكمة”، لكن في كل مرة كانت تعود من تحت الرماد، لا لتستجدي، بل لتفاجئ، لتُربك، ولتؤكد أنها لم تحترق تمامًا… بل كانت فقط تُخزن في جراحها بارودًا جديدًا، ينتظر لحظة الانفجار.

غزة ليست ضحية.. بل عدسة كاشفة

من أراد أن يُبقي غزة في دورها الأبدي كـ “شمعة” تحترق بصمت، فقد نسي أن لكل شمعة نهاية. لكن نهاية غزة ليست انطفاءً، بل انفجاراً. انفجار لا يُطيح بجدران الاحتلال وحده، بل يُسقط أقنعة أولئك الذين استثمروا دماءها، وبنوا مجدهم على أنقاضها، ورفعوا شعارات المقاومة وهم يوقعون صفقات الخراب خلف الأبواب المغلقة.

غزة ليست مجرد جرح ينزف…
هي المحكمة التي تُدون التاريخ الحقيقي: من صمت، من خان، ومن قاوم حقًا، لا ادعاءً.

هي ليست “الضحية” كما يحلو للبعض تسويقها، بل أداة كشف وعدسة حارقة تسقط الأقنعة وتربك المشهد. غزة تُعري الجميع، وتعيد تشكيل المشهد الأخلاقي والسياسي من جديد.

لا تسألوا من أوقد الشمعة… بل من استغل نورها

وحين تنفجر الشمعة، لا تسألوا: من أشعلها؟
بل اسألوا أنفسكم:
من ظن أن بإمكانه أن يستغل نورها دون أن يحترق؟


السفير د. أحمد سمير

عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة

السفير الأممي للشراكة المجتمعية

رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى