بقلم/الدكتور محمد النجار
اسمه الحقيقي “محمد الأمجد بن عبد المالك” واشتهر ب ((الشريف بوبغلة – نسبة للبغلة التي كان يركبها للتنقل عليها بين الجبال ((.
وقد وُلد الشريف بوبغلة عام1820م ، وخاض ثورة شعبية في الجزائر ضد المحتل الفرنسي الهمجي المجرم. زادت شهرته نتيجة الفزع الذي سيطر على القوات الفرنسية جراء عملياته الجهادية ضدهم. وارتابت فيه السلطات الفرنسية ، ونثرت العيون لمتابعته ، فانتقل من منطقة سور الغزلان الى قلعة بني عباس ، و اتصل بالشخصيات البارزة في جبال جرجرة يدعوهم للانضمام إليه لمحاربة الفرنسيين ، وقد تنقل من منطقة الى أخرى حتى امتد إلى حوضي بجاية و منطقة البابور.
وبالإشارة الى المعارك الكثيرة التي خاضها الشيخ بوبغلة ضد الفرنسيين ، أذكر أهم المعارك المؤثرة والخطيرة ، منها :
حرب على خونة الوطن
كان الفرنسيون يستميلون بعض ضعاف الدين والاخلاق والمروءة للتعاون معهم في التجسس على الثوار المجاهدين مقابل حفنة من المال ، وكان لهؤلاء الجواسيس دور كبير في القبض على المجاهدين والمدافعين عن الوطن ، وأدرك الشيخ ((الشريف بوبغلة)) طبيعة هذا الدور الخبيث لهؤلاء الخونة ، فقام بالهجوم يوم 10مارس 1851م على أحد هؤلاء الخونة المتعاونين مع عسكر فرنسا ((عزيب بن علي شريف)) وهو صاحب زاوية شلاطة قرب أقبو))، فهرب ذلك الخائن ولجأ الى القوات الفرنسية وأقنعهم بأن تقصيرهم في حمايته أدت لهجوم الثوار عليه بقيادة الشيخ بوبغلة، وأقنعهم بضرورة اقامة مركز عسكري كبير في المنطقة ، فأقاموا هذا المركز العسكري في بني منصور بقيادة الكولونيل “بوبريطر” .
أثار هذا المركز العسكري الفرنسي حفيظة الشيخ “بوبغلة” وأتباعه ، وادركوا خطورة هذا المركز ، وتم الهجوم عليه ، مما أدى مقتل 10 من أفراد .
معارك ضد الفرنسيين في جبال جرجرة
جنّدت السلطات الفرنسية قوات كبيرة وبقيادة ضباط وجنرالات كبار وتمت مواجهات متعددة شكلت خطورة على الشيخ بوبغلة ورجاله ، فانتقل الشيخ بوبغلة من الجهة الجنوبية من جبال جرجرة الى الجهة الشمالية ، فانضم اليه كثير من الرجال والقبائل (مثل قبائل معاتقة وبني منداس وقشتولة، بني كوفي ومشتراس وبني بوغردان وبني إسماعيل وفريقات)، واستبسلوا في دفاعهم المستميت بجانب الشريف بوبغلة رغم ضخامة القوات الفرنسية عددا وعدة وبقيادة كبار الضباط الفرنسيين من أمثال الحاكم العام الماريشال ((راندون وكبار معاونيه من الضباط الفرنسيين)).
معركة قرب ((بوغني)).
في 18 أغسطس1851، تمكن بوبغلة من الانتصار على الجيش الفرنسي بقيادة النقيب “بيشو” في معركة قرب ((بوغني)).
وردّت عليه القوات الفرنسية بحملة ضخمة استمرت شهرا كاملا بقيادة الجنرال “بيليسي” .
انتقال معارك بوبغلة الى الساحل
ونتيجة لهذه الحملة الواسعة قرر الشيخ ((بوبغلة)) نقل نشاطه إلى الجهة الساحلية، فانضمت له معظم القبائل الثائرة في منطقة ((بجاية)).
إصابة الشريف بوبغلة في رأسه
في يوم 25 يونيوعام 1852م ، وقعت مواجهات ضخمة مع القوات الفرنسية على إثر الحملة التي جهزها القائد ” بوسكي” ، بمشاركة ثلاث الاف جندي فرنسي من المشاة الفرنسيين نتج عنها خسائر في صفوف الشريف بوبغلة، و أصيب الشريف بوبغلة في رأسه.
انضمام الفقيهة (( فاطمة نسومر)) للمقاومة
انتشرت حركة مقاومة الشيخ بوبغلة في مناطق كثيرة في الجزائر ، و انضمت له الفتاة الفقيهة ((لالة فاطمة نسومر)) بتاريخ 7 ابريل1854 فازدادت المقاومة شدة وقوة ضد المحتل .
معركة وادي سيباو
خاض الشيخ بوبغلة وأتباعه معركة كبرى و معهم الفتاة المجاهدة ((لالة فاطمة نسومر)) واتباعها ضد الجنرال الفرنسي ((وولف)) وجيشه الجرار في وادي سيباو ، وانتصر المجاهدون هناك انتصارا كبيرا بفضل الله ، وأخزى الله ذلك القائد الفرنسي وولف وجيشه الذي انسحب متسريلا بالعار و مثخنا بالدماء في هزيمة منكرة انتصر فيها المجاهدون الابرار.
كلمات من ذهب من فاطمة نسومر
أصيب الشيخ بوبغلة في تلك المعركة ، وسارعت ((لالة فاطمة)) لتسعف جراحه التي أُصيب بها في المعركة ، وقالت له كلمات خلدها التاريخ :
“أيها الشريف ، لن تتحول لحيتك إلى عشب أبدا”
والمعروف أن اللحية هي رمز الرجولة والعزة ، وكانت تقصد بتلك الكلمات المؤثرة : أنك رجل شهم شجاع وستبقى كذلك، وأن معاركك وتضحياتك لن تضيع هدراً
هل تعلمون ان الذي قطع راس الشريف بوبغلة جزائري ؟؟؟
خرج الشريف بوبغلة مع رجاله مرتحلا خشية الوشاية ، وللأسف رصدته جواسيس فرنسا وقائدهم ((القايد لخضر بن أحمد المقراني)) ، وحاولوا الإمساك به وهو جريح ، وحاول الإفلات منهم لكن تعثرت فرسه بسبب الأوحال، فأصابوه في ساقه ، ولحقه لخضر ورجاله وألقوا القبض عليه ، فطلب الشريف بوبغلة من ((القايد لخضر بن أحمد المقراني)) ألا يقتله وأن يأخذه حيأ ويسلمه لفرنسا ، إلا أن هذا الخائن الملعون ((القايد لخضر بن أحمد المقراني)) ارتمى على الشيخ بوبغلة وقطع رأسه بيده وهو حي ، ثم أخذ الرأس سريعا وجرى بها وسلمها لحاكم برج بوعريريج الفرنسي الذي قام بربط رأس الشريف بوبغلة على عصى وعرضوا حصانه وسلاحه وثيابه والختم الذي كان يستعمله في مراسلاته ، ثم أرسلوا رأسه الى السلطات في فرنسا لتؤكد لهم إنتهاء دور هذا المجاهد الذي أرعب فرنسا والفرنسيين.
وعرضت فرنسا الاستعمارية جماجم هؤلاء الشهداء فيما يسمى بمتحف الانسان في باريس ، وكأن عسكر فرنسا يستكثرون دفن هذه الرؤوس اعتقادا منهم أن دفنها تكريم لها ، وهم يرفضون تكريم هؤلاء الثوار الذين يدافعون عن أوطانهم .
وأثبتت فرنسا المسيحية الارهابية الداعشية أنها هي التي ابتدعت قطع الرؤوس وليست داعش ، وأن المسلمين برئاء من تلك التهمة التي حاول الغرب الصاقها بالمسلمين ، إنها إجرام الحضارة الغربية التي تخلو من كل قيمة انسانية ..
وانتهت بتلك الخيانة قصة بطل ثائر أخلص لدينه ووطنه …
إن خيانة أحد ابناء الوطن هي أشد وطئا وخطرا من أعتى جيوش الأعداء الجرارة..
ويعلم الاعداء الذين اشتروا ذمة الخائن بالأموال أنه لا يستحق ثقتهم بل لايستحق الحياة، وأنهم سيرمونه في الزبالة بمجرد تحقيق مصلحتهم منه. إن خائن الدين والوطن لا شرف له ولا وطن أو دين.
ورغم مرور السنوات الطويلة (170) سنة لغربة رأس ذلك الشهيد العظيم ((الشريف بوبغلة)) ، فقد عادت تلك الرأس الجزائر الحرة مرفوعة تحت ظلال ثورة الشعب الجزائري العظيم. عادت رأس الشهيد((الشريف بوبغلة)) ورفاقه المجاهدين لتعطي الجميع درساً في الحرية والرجولة بأن الجهاد والشهادة في سبيل الله لرفعة الوطن هما الشهادة الحقيقية لشرف الانسان وعزته في الدنيا والآخرة .
تحية لكل شهداء الجزائر ،، ولكل شهداء أمتنا المسلمة في كل مكان.
د.محمد النجار 08-07-2020م الاربعاء 18ذو القعدة1441هـ