قوانين قراءة التاريخ ( 2 ) بقلم : عصام زايد
الحياة مستمرة و سنن الله في تسييرها ثابته
الحياة من لدن آدم إلى قيام الساعة مستمرة و تسير وفق سنن ربانية ثابته لإعمار الأرض و إقامة مجتمعاته ومن يستطيع الإلمام بركائزها و يعد مناهجه لتتفق معها و لاتصادمها سيربح الدنيا و الآخرة.
إن حقيقة أن قوانين الإعمار تخاطب البشرية قاطبة مؤمنها و فاجرها هي في ذاتها حقيقة مطلقة ينبغي أن تكون في قلب كل معمر لهذاالكون فإغفالها يجعل من حركته حركة غير متزنة لا تقوده لطريق مستقيم … ولله سبحانه و تعالي سنن ثابتة لإقامة حكمه في الأرض أنار البصائر لتستخرجها ووضعت أمامنا لنعمل وفقها بل إن تلك السنن هي نفسها سنن إقامة الإنسان لذاته وكيانه و لأسرته و للمجتمع المحيط به
سنن تعمل جميعها على التوازي و ليس التوالي لا تثمر إلا إذا تدفقت جميعها وعملت بلا تعطيل فلا يمكن وقف سنة أو تأجيلها فهي ذات قوة قهرية تستمد قوتها من قوة منشأها الله القادر البصير العليم
لذا لا يمكن أن نقول أننا نؤجل سنة لإعمال سنة إلهية أخري بل كلاهما يعمل لأن حركتهما المتوازية هي ما تجعل للحياة إتزان ..
وما نراه الآن من خلل فيالإتزان وغلبة لمن لا يعلم على من يعلم هو في الحقيقة يمثل إتزانا لتفريط من بيده العلم عن العمل وفقا لما يعلمه و غالب السنن فغلبته
إن أحداث التاريخ تتكرر وتتشابه إلى حد كبير لأن وراءها سننا ثابتة تحركها وتكيفها ، ولهذا يقول الغربيون : التاريخ يعيد نفسه، وتقول العرب في أمثالها : ما أشبه الليلة بالبارحة ! ويقول الإمام البيهقي : ( لا توجد حادثة لم يحدث مثلها من قبل) ، ويقول ابن الأثير : ( إنه لا يحدث أمر إلا تقدم هو أو نظيره ).
ولذلك حث القرآن الكريم على السير في الأرض حقيقة أو مجازا ؛ وعلى دراسة التاريخ المنظور أو المسطور ؛ ببصيرة نفاذة ، ووعي حاضر ؛ لاستخلاص العبر، واستنباط السنن، لتجنب مواقع الخطأ التي قادت الجماعات البشرية ، والأمم والحضارات السابقة إلى السقوط الحضاري ، والدمار الاجتماعي ، ولسلوك سبيل النهوض والبناء
ولتوضيح ما نريد قوله نقول أن الله سبحانه وتعالي له سنن في قيام الحضارات وزوالها من أهمها:
- سنة التدرج
- سنة الأجل المسمى( تمام النضج و الإكتمال )
- سنة الإطراد و الإستمرار
- سنة الأخذ بالأسباب
- سنة تغيير النفوس
- سنة الإستبدال ( التداول ) الحضاري
- سنة التدافع
- سنة الابتلاء
- سنة النجاة و النصرة
تلك السنن تعمل جميعها في نفس الوقت ويوجد بها جميعها حركة داخلية عنيفة تحتاج ممن يتتبعها أن يستوعبها ويأخذ قوة حركته من حركتها حتي لا يجد ذاته في لحظة يعمل خارجها ، مما يستوجب تطبيق قوانينها العكسية عليه
فسنة التدرج تستوجب عدم الإستعجال و التأني في المراحل وهذا قد يحتاجلسنوات طوال من العمل قد يدب خلالها اليأس في النفوس فتركن عن العمل الجاد هنا تجد سنة أخري مقابلها و هي سنة التدافع تجعل لهذا الإنتظار الطويل حركة ذاتية تعطيه الوقود لإستمرار البناء إنه تدافع العلماء في التنمية الكونية و الإنسانية كل يطور ما يمتلكه و يجود مابيده و يكتشف ما بداخل النفوس و يستشرف ما قد يحدث إن التدافع يجعل من الإنتظار لذة و من السكون حركة بل إن سنة الإستبدال هي في حد ذاتها مخصب جيد للتربة التي يسير عليها المعمرون .. هنا تجد متعة العمل الشامل من خلال السنن.
أنا هنا وفي تلك المرحلة لست في موضع شرح السنن الربانية و لكني أضيئ شمعة في عقول من آخذ راية إعمار الأرض طبقا لمنهج الله تعالي تلك الإضاة تقول …
حتي تستوعب حركة الماضي المحفوظة لك عليك قرائتها من خلال السنن الدائمة و حتي تفسر واقعك عليك بسنن من كان قبلكم كيف خالفوا فيها أو وافقوا السنن الكبري كل ذلك من أجل المستقبل … المستقبل … المستقبل
أقول أنه في النهوض فإن السنن تفعل جميعها وفي وضعية السقط فإن نفس السنن تسير و لكن بحركة عكسية
قال الله تعالي
” فلن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا ” فاطر 43.
وقال تعالي في سورة آل عمران:
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)