كتبت : د.هيام الإبس
كتائب المرتزقة الأجانب تغزو السودان
خلال الأيام القليلة الماضية سلط مقتل عدد من المقاتلين الكولومبيين داخل الأراضى السودانية بدارفور، الضوء من جديد على ظاهرة الارتزاق فى حرب السودان، فما الحقيقة وما تداعياتها على مسار الأزمة السودانية؟
بينما تقترب الحرب بين الجيش السودانى وقوات “الدعم السريع” من عامها الثانى يكاد السودان يتحول إلى ساحة مفتوحة للاستقطاب وصراع النفوذ الدولى والإقليمى.
ومع استمرار القتال وتدفق الأسلحة المتطورة تتزايد الشكوك والاتهامات المتبادلة حول تزايد تدفقات ومشاركة مجموعات من المرتزقة والمقاتلين الأجانب من دول الجوار وغيرها فى الحرب، ويضاعف المخاوف اتساع حدود البلاد وانفتاحها على سبع دول عربية وأفريقية، تسهل من إمكانية دخول وتسلل مثل أولئك المقاتلين.
وخلال الأيام القليلة الماضية سلط مقتل عدد من المقاتلين الكولومبيين داخل الأراضى السودانية بدارفور، الضوء من جديد على ظاهرة الارتزاق فى حرب السودان، فما الحقيقة وما تداعياتها على مسار الأزمة السودانية ؟
شواهد واتهامات
وكان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان أكد أكثر من مرة أن مرتزقة جاءوا من تشاد وأفريقيا الوسطى والنيجر يقاتلون إلى جانب قوات “الدعم السريع”، فيما ظل مساعده الفريق ياسر العطا يؤكد أن “الدعم السريع” تستجلب أسبوعياً مرتزقة (عديمى الخبرة) من بعض دول الجوار للقتال فى صفوفها بعد أن دُمر معظم قوتها الصلبة.
وكان الجيش أعلن خلال عملياته الحربية وسط مدينة أم درمان عن أسر قناصين ومجموعات من المقاتلين الأجانب من جنوب السودان وتشاد مدربين على المدفعية الثقيلة والمتوسطة.
مقاتلون من “الدعم السريع”
وفى يونيو الماضى لفت تقرير لخبراء من الأمم المتحدة إلى تجنيد قوات “الدعم السريع” عناصر من جماعات مسلحة تابعة للمعارضة فى أفريقيا الوسطى واستخدام منطقة أم دافوق الحدودية كمركز لوجيستى.
ومنذ العام الأول للحرب كشفت الحكومة الإثيوبية عن تلقيها معلومات حول مشاركة قوات من جبهة تحرير تيجراى فى القتال إلى جانب الجيش السودانى.
وحملت فى بيان سابق الأمم المتحدة مسؤولية مشاركة تلك المجموعات كونهم موجودين بمعسكرات اللجوء وتحت مسؤولية معتمدية اللاجئين للأمم المتحدة، مؤكدةً موقفها الثابت المؤيد للسلام ووقف الحرب والدمار واستقرار السودان.
جنسيات متعددة
فى السياق أكد المتحدث باسم القوات المشتركة التى تقاتل إلى جانب الجيش السودانى، الرائد أحمد حسين، وجود مرتزقة أجانب من جنسيات عدة يقاتلون إلى جانب قوات “الدعم السريع” منذ بداية الحرب ووصفهم بأنهم مرتزقة عابرون للحدود والقارات، قُتل كثير منهم فى معارك مدينة الفاشر ومناطق أخرى بشمال دارفور.
وأوضح حسين فى تصريح لـ”اندبندنت عربية” أن هناك مجموعات مثل “فاجنر” الروسية تقوم بعمليات إمداد للميليشيات بالسلاح عبر دولتى أفريقيا الوسطى والنيجر المجاورتين وأكبر الداعمين للميليشيات بالإمدادات البشرية، مشيراً إلى أن مقتل قيادات من حركة “فاكت” التشادية مثل القائدين مهدى بشير وإدريس بركاوى فى معارك الفاشر ووادى أمبار أقصى شمال ولاية شمال دارفور يعد أكبر دليل على تلك المشاركة.
مكمن المثلث
فى شأن ما تردد عن مشاركة مقاتلين كولومبيين فى الحرب، كشف الناطق الرسمى للقوات المشتركة، عن أن قوتهم تمكنت بالفعل خلال الأسابيع الماضية من تنفيذ عملية نوعية في محور الصحراء (منطقة المثلث الحدودى بين ليبيا والسودان وتشاد) استهدفت مجموعات من المرتزقة تحركت من مدينة الكفرة الليبية وتضم جنسيات عديدة من أفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية معظمهم من دولة كولومبيا.
وأوضح المتحدث أن المكمن الناجح الذى نصبته قواتهم أسفر عن الاستيلاء على إمدادات عسكرية كبيرة شملت أسلحة متطورة بينها صواريخ “كورنيت” مضادة للدروع وطائرات مسيرة كانت فى طريقها إلى قوات الميليشيات بمدينة الفاشر.
استعانت “الدعم السريع” بمقاتلين من كولومبيا
وقدم حسين مجموعة من الوثائق الثبوتية تتعلق بهوية المقاتلين الكولومبيين تضمنت بطاقات هوية وجوازات سفر وأوراقاً أخرى تخص بعض من قتل منهم.
كولومبيا والارتزاق
فى الشأن نفسه، كشفت صحيفة “لا سيلا فاسيا” الكولومبية عن مشاركة سريتين من الجنود الكولومبيين المتقاعدين فى الحرب السودانية برفقة “الدعم السريع”، ووفق تقرير الصحيفة، فإن أكثر من 300 جندى كولومبى سابق يشارك الآن فى حرب السودان أو فى طريقهم إلى هناك بحثاً عن المال والثراء.
استند التقرير إلى شهادات جنود كولومبيين شاركوا فى الحرب، قالوا فيها إن وصولهم إلى دارفور بغرب السودان بدأ منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ويشتكون من أنهم “كانوا يُوظفون لشيء ثم يأخذونهم لشيء آخر”.
وفى أول تعليق على مشاركة مقاتلين من دولته فى حرب السودان، طالب الرئيس الكولومبى غوستافو بيترو، بحظر الارتزاق نهائياً فى كولومبيا، ووجه فى منشور له على منصة “إكس” وزارة خارجية بلاده بإيجاد “الطرق الكفيلة بإعادة أبنائنا الذين تسفك دماؤهم فى أفريقيا بعد أن تعرضوا للخداع إلى بلادهم”.
حملات تشويه
لكن قوات “الدعم السريع” تنفى الاتهامات الموجهة إليها بجلب مرتزقة من خارج البلاد، وتصفها بأنها ادعاءات ضمن الحملات الإعلامية المضللة التى تهدف إلى رسم صورة ذهنية سلبية ضد قوات “الدعم السريع”.
ونفى مستشار قائد “الدعم السريع”، الباشا طبيق، وجود أى مقاتلين أجانب يقاتلون معهم، مطالباً من يدعى ذلك بتقديم الدليل والبينة التى تثبت تلك “الاتهامات الجزافية”، وتابع “قوات ’الدعم السريع” ليست فى حاجة إلى جلب مرتزقة من خارج البلاد لأن الأعداد الكبيرة التى انضمت إليها من الشباب جاءت طواعيةً بعد اقتناعهم بعدالة القضية التى تتبناها وما زال هناك آلاف الشباب يلتحقون يومياً للقتال إلى جانبها”.
رد الاتهام
واتهم طبيق تنظيم الحركة الإسلامية بالتخطيط للحرب الراهنة عبر كوادره داخل المؤسسة العسكرية، بجلب مرتزقة من خارج السودان من مقاتلى تيجراى وأوكرانيا والحرس الثورى الإيرانى، وكذلك تنظيم “بوكو حرام”، إلى جانب الحركات المعارضة فى كل من تشاد وأفريقيا الوسطى للقتال إلى جانب الجيش.
من جهته، يوضح المتخصص فى إدارة الأزمات بمركز الدراسات الدولية، اللواء أمين إسماعيل مجذوب، أن قوات “الدعم السريع” اضطرت فى الآونة الأخيرة إلى استئجار مرتزقة سواء من الداخل أو من دول الجوار، ووصل بها الأمر إلى الاستعانة بشركات أمنية من كولومبيا وربما دول أخرى لتزويدها بالمقاتلين، مما يكشف النقص الكبير الذى تواجهه فى القوى البشرية نتيجة الخسائر الكبيرة التى لحقت بها فى المعارك الأخيرة، وبفعل ضربات الطيران والمسيرات والقوات الخاصة التى كان لها أثر بالغ فى إضعاف قوتها الصلبة وبخاصة عناصرها البشرية.
جهات دولية
وعن تجنيد مرتزقة أجانب عبر شركات أمنية كولومبية وجلبهم للقتال فى السودان إلى جانب قوات “الدعم السريع” لاستعادة بعض المواقع، أشار مجذوب إلى أن هناك جهات إقليمية ودولية تساند تلك القوات هى التى تقف وراء ذلك، بخاصة أن “الدعم السريع” لا تمتلك الكوادر أو الخبرات للقيام بمثل هذه العمليات
تسيطر على الحرب نزعات قبلية
ويعتقد المتخصص فى إدارة الأزمات أنه بثبوت مشاركة مرتزقة أجانب على هذا المستوى فى الحرب الراهنة تكون حرب السودان قد دخلت فى نفق مظلم، وربما تؤدى مثل هذه التصرفات واستمرار الدعم الخارجى إلى إطالة أمدها أكثر مما هى عليه، كما أنها ستزيد الانتهاكات وجرائم الحرب والإبادة لأن المقاتلين الأجانب لا يتقيدون بأى اعتبارات إنسانية أو دينية، لكنه من جهة أخرى سيسهم كذلك فى تحفيز الجيش والمستنفرين وكل السودانيين على القتال بضراوة فى مواجهة عدوان قوامه الأجانب من أجل تغيير المعادلة الحربية على الأرض.
تعويض وتأهيل
من جانبه يرى الباحث السياسى والأمنى إسماعيل يوسف أن إقدام أى قوة مسلحة على الاستعانة بعناصر من المرتزقة الأجانب يشير إلى أنها تواجه نقصاً فى العدد والكفاءة بالنسبة إلى العنصر البشرى المقاتل أو فى الكوادر التقنية المرتبطة بتشغيل أنواع حديثة من الأسلحة والمعدات.
ويعتقد يوسف أن فشل قوات “الدعم السريع” فى تعويض ما فقدته من مقاتلين عبر الاستنفار والتجنيد الداخلى هو ما دفعها إلى الاستعانة بمقاتلين أجانب لترميم قدراتها البشرية، سواء كان من جنوب السودان وإثيوبيا وتشاد أو ليبيا وأفريقيا الوسطى والنيجر، أو بمجموعات من الجنود والضباط السابقين من كولومبيا كما ظهر فى الآونة الأخيرة بصورة موثقة.
ويلفت الباحث إلى أن صعوبة مراقبة ومتابعة حدود السودان الممتدة مع سبع دول عربية وأفريقية تجعل منها معبراً مفتوحاً لدخول مجموعات من المرتزقة من دول الجوار، الذين يقاتلون من أجل المال أو القبيلة.
مرحلة خطرة
على نحو متصل يتهم المراقب العسكرى، الرائد السابق محمد مقلد، طرفى القتال باستيعاب واستقطاب مقاتلين مرتزقة من دول عدة من طريق شركات أمنية خاصة تحضر وتجهز أفراداً عسكريين سابقين من تلك البلدان مقابل مبالغ مالية كبيرة، محذراً من أن هذا الأمر يؤكد دخول الصراع فى السودان إلى مرحلة خطرة قد تقود إلى تدويل الحرب.
أحاديث عن مقاتلين من دول الجوار
ويتابع مقلد “هناك مشاركة لأفراد مرتزقة من النيجر ومالى وتشاد يعتقد أنهم شاركوا من قبل فى حرب ليبيا، إذ ما زال يُحشد هؤلاء المرتزقة حتى الآن بدعم من قائد الجيش الليبى السابق خليفة حفتر، إلى جانب ما حملته أنباء مؤكدة عن مشاركة مقاتلين من دولة كولومبيا فى معارك دارفور”.
المال والعرق
وفق مقلد، يلعب المال والانتماء القبلى والعرقى لأولئك الأفراد دوراً فى عملية الحشد لبعض المجموعات القبلية من دول الجوار الغربى، إضافة إلى المقاتلين من جنوب السودان ومجموعة “فاجنر” الروسية التى تعاون قوات “الدعم السريع” بصفة خاصة فى استخدام الطيران المسير والصواريخ المضادة للطائرات وأسلحة متطورة أخرى، مشيراً إلى أن مشاركة “فاجنر” كانت اجتذبت بدورها مشاركة قوات من النخبة بالجيش الأوكرانى لمعاونة وتدريب قوات الجيش وكتائب الإسلاميين على استخدام المسيرات والعمليات التكتيكية المتقدمة، إلى جانب اتهامات “الدعم السريع” سلاح الطيران بدولة عربية مجاورة بالقتال مع الجيش.
نوه المراقب العسكرى بأن الجيش ظل كذلك يستعين بمقاتلين من الحركات المعارضة ببعض دول الجوار، مثل جبهة تحرير تيجراى الإثيوبية الموجودة حالياً بولايات السودان الشرقية ومدينة الشوك والطريق الرابط بين محلية الفاو بولاية القضارف وبعض مناطق الجزيرة.
تهديد إريترى
على صعيد غير بعيد هدد الرئيس الإريترى، أسياس أفورقى قبل أيام، بالتدخل بقواته وإمكاناته لمصلحة الجيش السودانى حال اقتربت الحرب من ولايات القضارف وكسلا والبحر الأحمر والنيل الأزرق الحدودية مع بلاده، مما سيعرض أمن بلاده القومى للخطر.
ومنذ منتصف أبريل 2023، يخوض الجيش السودانى وقوات “الدعم السريع” حرباً متصاعدة، وعلى رغم ما خلفته من أكبر أزمة نزوح عالمياً، وتفاقم أزمة الجوع وسط السكان مع انتشار الأوبئة، فإنها ما زالت مستمرة وتتمدد فى معظم ولايات السودان، مهددة بجر البلاد إلى حرب أهلية قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.