كورونا وتحدياته .. التعليم (٣)
بقلم / د. أمين رمضان
الطفرات الكبيرة التي تحدث في العالم، مثل الحروب، والكوارث، والأوبئة شدت انتباه علماء الاجتماع لدراسة وفهم الطبيعة الإنسانية، وتفاعلها مع العالم الخارجي الذي تعيش فيه.
كانت فترة الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥) ملفتة جداً للعديد من علماء نفس النمو، والاجتماع، وغيرهم، مثل ابراهام ماسلو (١٩٠٨-١٩٧٠)، وكلير جريفز (١٩١٤-١٩٨٦)، لمحاولة فهم وتفسير تصرفات البشر بهذه الطريقة الفظة، وإمكانية التنبؤ بالسلوك البشري في المستقبل، بعد أن أودت الحرب بحياة ١٦ مليون في الاتحاد السوفيتي وحده بين مدنيين وعسكريين، وهذا غير المصابين والعجزة والمهجرين، كذلك كان لها نتائج اقتصادية وسياسية غيرت من شكل العالم، وموازين القوة العسكرية، والاقتصادية.
ظل جريفز يجري أبحاثه لمدة ٢٢ سنة، وخرج على العالم بنظريته التي ساعدت على فهم سلوك البالغين داخل نظام “حيوي / نفسي / اجتماعي”، وهو ببساطه عبارة عن تدافع قوتين: قوة ظروف الحياة الخارجية، والقوة الداخلية الكامنة داخل الإنسان أو نظام التكيف مع ظروف الحياة الخارجية.
“عندما تتغير ظروف الحياة الخارجية، وتصبح المشاكل أكثر تعقيداً، فإن الحلول التقليدية تصبح دون جدوى، بل تحتاج إلى بزوغ مستوى أعلى من التفكير الذي يستطيع إيجاد الحلول للمشاكل الجديدة المعقدة” … هذا باختصار وتصرف ما قاله جريفز عن هذه العلاقة بين القوة الداخلية في الإنسان، والقوة الخارجية التي تمثلها ظروف الحياة.
وهنا بيت القصيد، فالعالم كله الآن يعيش ظروف حياة غير مسبوقة، بسبب فيروس كورونا، مما هدد بقاء البشر على الكوكب، وأصبحت قيمة البقاء هي أعلى قيمة، وهنا جاء دور العلم والعلماء، في كل العلوم، وخاصة العلوم الإنسانية، والعلوم الطبية.
ومن العجيب أن جريفز تنبأ بحدوث تغيير الكبير في ظروف حياة البشر على الكوكب، عندما قال:
“في الوقت الحالي، يواجه مجتمعنا أصعب مرحلة انتقال، واجهتها البشرية على الإطلاق، وهي في نفس الوقت، الأكثر إثارة. إنها ليست مجرد انتقال إلى مستوى جديد من مستويات الوجود الإنساني، بل هي أيضًا بداية حركة جديدة في سيمفونية الإنسانية “.انتهى كلام جريفز
وهنا يأتي سؤال مهم: هل يمكن التنبؤ بالتغيرات المحتملة أو تصور العالم الجديد؟
الإجابة: نعم إلى حد ما، لأنه يعتمد على القوى الداخلية وقدرتها على إيجاد حلول للمشاكل المعقدة التي تواجه العالم الآن، أو بتعبير آخر البصيرة التي تبصر حلول غير تقليدية.
سألت نفسي: هل بعدت عن مجال التعليم الذي قررت أن أتحدث عنه في هذه السلسلة من المقالات، بالحديث السابق؟
ثم قلت لنفسي: بالعكس فهذه الأيام الفارقة توارى فيها العالم بعد أن أصبحت التحديات كبيرة وخطيرة، ولم يبق، بعد الله، إلا العلم والبحث والطب، ليجد بما أودعه الله في عقول العلماء حلولاً للبشرية من أجل البقاء.
وبعد البقاء سيتغير العالم، ولهذا حديث آخر، وستعود المجتمعات للحياة، لعلها تتعلم الدرس الكبير، وهو أن التعليم بكل مكوناته هو القاطرة التي تصنع المستقبل، والروح التي تسري داخل جسد المجتمع لتزداد حيويته، وجهاز المناعة ضد أي وباء مادي أو معنوي.
وإن عادت المجتمعات لما كانت عليه، فتفتح للممثلين، واللاعبين، والمهرجين الخزائن، وتغلقها أمام التعليم، والبحث العلمي، والقائمين عليه، فالتحديات القادمة ستكون أصعب، وأسوأ.
انتهزوا الفرصة!!!