أراء وقراءاتالعالمالمجتمع

لقاء مع الملـك … بقلم : علاء الصفطاوي

 

السجود للملك الديان

جاءته الدّعوة لمقابلة الملك، والوقوف بين يديه، والحديثِ إليه، ثم تُتاح له الفرصةُ أثناء اللقاء أن يطلب ما يشاء، فكل ما يطلبه مُجاب، فعلى حدِّ علمه ما قصد أحدٌ الملكَ ثم خاب رجاؤه .

جهّز نفسه، إذ قام واغتسلَ كما تغتسلُ الأشجارُ بماءِ المطرِ من غُبار الجوّ الذي كساها، فتزهو خُضرتها .. وتلمعُ أوراقُها تحتَ أشعة الشّمس !!

ارتدى أفخر الثياب، ووضع أرقى العطور وفي الموعد المحدد ذهب للقاء، والفرحةُ تغمره، والأمل يحدوه أن يحظى برضا الملك، ليحقق له الأحلام والآمال التي تسكن قلبه وعقله منذ زمن بعيد، وكلما اقترب من المكان الذي سيتمّ فيه اللقاء ازدادت نبضاتُ قلبه، وتسرّب الخوف إلى نفسه . لكن المفاجأة أنه  لم يجد أحداً في استقباله، أي نعم .. وجد عدداً من الناس لكنهم مشغولون بأنفسهم، فخطا خطوات إلى الإمام، ولم يعد بينه وبين بداية اللقاء بالملك إلا لحظات، رفع يديه إيذاناً ببدء اللقاء ثم قال : الله أكبر .. لم يعد يتذكر أحداً، صوّب بصره نحو الأرض، بدأ حديثه بالثناء على الملك : الحمد لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، ثم جدد البيعة التي بينه وبين الملك : إياك نعبد وإياك نستعين، ثم توجه بمطالبه التي أتى من أجلها : اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، ثم استحضر بعضاً من كلام الملك وبدأ يتلوه، فليس هناك أعظم من كلام الملك يُتَقرَّبُ به إليه، وبعد أن انتهى خرّ راكعاً منيباً يسبح بحمد الملك، ويتقرب إليه ويتذلل بين يديه، ويقول : سُبوحٌ قدّوسٌ ربُّ الملائكة والروح، وبعد أن رفع رأسه من الركوع أثنى على الملك ثم خرَّ ساجداً، فشعر أنّه قبلَ أن يطرحَ جسدَه على الأرض قد طرح أحزانَه وآلامَه، وأنه في لحظة القرب والشهود، بل هي لحظة الحقيقة والخلود، لحظة القرب من الملك والعروج إلى السّماء، فلهج لسانه بالدعاء .. وقلبه بالثناء، ثمّ أخبرَ الملك بكلِّ شيء، بذنوبه ومعاصيه، وما يُحزنه ويُؤلمه، وشكا له ظلمَ الظالمين .. وجبروتَ المتجبرين، شكا له حال الأمة، وسأله أن يُصلحَ حالها .. ويغيّرَ أحوالها، وفي أثناء ذلك انسكبت منه العبرات .. وخرجت منه الزفرات، وبللت دموعه موضعَ سجوده .

إنّ البشرَ قد تَهي إرادتُهم وتضعفُ أمام إغراءٍٍ ما، ويزلهم الشيطان فهل ييأسون ؟! كلّا .. ولكن يجب عليهم أن يفزعوا إلى الصلاة التي تنقي أرواحهم وتشدّ عزائمهم، فالمسلم لا يذهبُ لكاهنٍ لكي يأخذَ بيده، فليس الكاهن خيراً منه، بل يلجأ إلى الله ويفزع إليه !!”

إنّ الجسم النّاشط يحتاجُ إلى وجباتٍ غنيّة تمده بالحرارةِ، وتجدد ما بلي من خلاياه لتحقظ له قوته وعافيته، كذلك النّفس الإنسانية تحتاجُ إلى وجباتٍ أخرى تُعينُها على التحليق، وتمنعها من الإسفاف، وتستنقذها من أمواج الفتن العاتية !!

فلما رفع من السجود، أشرقت الدنيا في وجهه، وتمكنت السعادة من قلبه، فمَن مثلُه ؟! ليس بينه وبين الملك تُرجمان، وليس بينه وبين العظيم حاجز من إنسٍ ولا جان . شعرُ بأنّه ملَكُ يُحلّقُ في الفضاء، نعم هو يُشبه الأرض لأنّه من ترابها .. لكنه كانَ يحلق في السماء لأنّ روحَه هبطت من أبوابِها !!

وفي نهاية اللقاء سلّم يميناً ويساراً إيذاناً بانتهاء اللقاء، والخروج من الحضرة الإلهية والمعيّة الريانية، وهو في طريقة إلى باب الخروج سمع البشارة إذ سمع صوتاً يقول : وَإِذَا سَألَكَ عِبَادِي عنِّي فَإنِي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوةَ الدَّاعِ إذَا دَعَان.  (( البقرة 186 )) وعندها فقد السيطرة على قلبه، إذ أصبح هائماً في الملكوت .. ينظرُ في آيات ذي العزة والجبروت !!

ويردِّدُ وهو عائِدٌ من حيثُ أتى: أنا مَنْ أسْلَم لله القِيادة .. أنا مَن يطوي على الصدقِ فُؤاده، ويتردّد في مسامعه قول إقبال: المسلم مُتخلِّقٌ بأخلاقِ الله، أي بأخلاق الملك، وأنّه كالشمس لا تغربُ مُطلقاً !!

هكذا خرجَ لمقابلة الملك وهو يفكر في تحقيق طموحات دنيوية، لكن عاد وقد فهم مُراد الله من الخلق، فأصبحت غاية طموحِه تسخيرَ الدنيا لخدمة الدين .. وتعبيدَ الناسِ لربِّ العالمين !!

وأدرك أنّه ” كم هو عظيمٌ أن يموتُ المسلمون في المحراب ساجدين .. لكنّ الأعظم من هذا أن يموتوا في ميدانِ مُصارعة الباطلِ مجاهدين ” لقد انطلق الجيل الفريد من لحظة الشهود الإيماني إلى لحظة الشهود الحضاري، فكان علمُ العمران وبناء الإنسان !!

صنعوا حضارةً شهد الجميع بتفوقها العلمي والأخلاقي والقيمي، فلما تخلف المسلمون الأواخر عن محراب الصلاة أصبحوا في مؤخرة الركب الإنساني، وهنا عَنَّ له هذا التساؤل المؤلم الذي طرحه الشيخ محمد الغزالي في كتابه ( عقيدة المسلم ) عندما قال: لا أدري لماذا لا يطيرُ العبادُ إلى ربّهم على أجنحةٍ من الشّوق، بدلَ أن يُساقوا بسياطٍ من الرّهبة ؟

! إن الجهل بالله وبدينه هو علةُ هذا الشعور البارد، أو هذا الشعور النّافر – بالتعبير الصحيح –  مع أنّ البشر لن يجدوا أبرّ بهم ولا أحنى عليهم من الله عزّ وجل .

#مقابلة_الملك

#الصلاة_والتغيير

#اللهم_إنك_عفو_تحب_العفو_فاعف_عنا

                      علاء الصفطاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.