بقلم / الدكتور محمد النجار
في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مصر والشعب المصري ، قرأت مقالاً للأب رفيق جريش في جريدة المصري اليوم بتاريخ 13-05-2022م بعنوان “حتى لا نفقر أنفسنا”.
وتحدث الأب رفيق جريش في المقال عن تاريخ مصر عند الفتح الإسلامي ، إذ دار حوار قبيل فتح مصر بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وبين فاتح مصر عمرو بن العاص، يقول الأب رفيق جريش :
(((فها هو ذا أمير المؤمنين على ابن أبى طالب يقول: لو كان الفقر رجلا لقتلته. كما يذكر التاريخ أن الخليفة الثانى عمر بن الخطاب، أوقف حد قطع يد السارق فى (عام الرمادة 18هـ) لما اشتد الفقر وضاقت الأحوال، وهو نفسه الذى سأل والى مصر، عمرو بن العاص السؤال التالي :
ماذا تفعل لو جاؤوك بسارق، فقال: أقطع يده.
فقال له عمر: وأنا إن جاءنى جائعٌ من مصر، أقطع يدك.)))
عمرو بن العاص فاتح مصر
لم يكن سؤال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص إختباراً له لمعرفته بالشرع الإسلامي من عدمه ، فعمرو بن العاص كان صحابياً جليلاً عاش عهد النبوة والخليفيتين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب. إنما كان سؤال عمر بن الخطاب له بقصد تحذير عمرو بن العاص وكافة الولاة في أنحاء العالم الإسلامي بالحفاظ على مقدرات الشعوب خاصة مصر التي حباها الله بالنيل العظيم ، وجعله شريانا للحياة لمصر وشعبها ، كما حباها الله بشعبٍ مكافحٍ يستطيع العمل في كافة المجالات ، وتحمل المسئوليات، ويمكنه الإبداع إذا أُعطيت له فرصة الحرية والتعليم والتعلم ، وينجز ما يوكل إليه في كل المهمات.
عمر وفقير مصر
كما قرأت في صحيفة الإقتصادية السعودية مقالا للدكتور عبدالرحمن الطريري بعنوان “عمر وفقير مصر ” قال فيه:
(((أن خليفة المسلمين عمر بن الخطاب لم يتصور أن يوجد في مصر فقير، أو من يلجأ إلى السرقة، بسبب الحاجة ، وأنه لن يوجد فقير في بلد غني كمصر أو غيرها إلا بسبب فساد إداري وعبث في المال العام الذي يُفترض أن يُستخدم في سد حاجات المواطنين.
إن رد عمر بقوله لو جاءني فقير من مصر لقطعت يدك فيه إلزام لعمرو بن العاص بضرورة الحفاظ على المال العام، واستخدامه في سد حاجات الناس حتى لا يوجد فقير في مصر يضطر للسفر إلى المدينة شاكياً عمرو بن العاص ))).
هكذا كانت نظرة حاكم المسلمين و أمير المؤمنين “عمر بن الخطاب” للمال العام ، الذي شديد الحرص عليه ، كما كان شديد محاسبة الولاة عليه ، ومحاكمتهم إذا أضاعوا مال المسلمين بسوء إدارتهم ، أو فساد طويتهم وتصرفاتهم ،أو خيانة بطانتهم.
خيرات مصر الوفيرة
لم يكن خافيا على عمر بن الخطاب خيرات مصر الوفيرة وعلى رأسها نهر النيل على مدى آلاف السنين الذي كان شريانا للحياة في مصر في جميع النواحي ، في مياه الشرب والزراعة والصناعة وكافة نواحي الحياة.
وكيف تخفي على عمر بن الخطاب مكانة مصر وقد ورد فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (((إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيراطُ، فاسْتَوْصُوا بأَهْلِها خَيْرًا ))) صحيح مسلم.
وفي رواية :
(((إِنَّكم ستفتحونَ مصر ، وهِيَ أرضٌ يُسَمَّى فيها القيراطُ ، فإذا فتحتُموها ، فاستَوْصُوا بأَهْلِها خيرًا ، فإِنَّ لهم ذمَّةً و رَحِمًا )))الجامع الصغير،وصححه الألباني.
مصر خزائن الأرض
ولقد أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم في سورة يوسف أن مصر هي خزائن الأرض في قوله تعالى عن قول يوسف عليه السلام :
(((قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)))سورة يوسف55.
فهل كانت مصر إلا أرض الخيرات الوافرة على مر التاريخ !!
مصر ..إدخوها بسلام آمنين
إن الإحساس بالأمن والأمان أو الخوف والرعب في الأمم والدول ليس حكرا أو محكوما على قوم أو دولة أو شعب إلى الأبد ، إنما هي منظومة متكاملة تتكون من عدة عوامل منها الحرية ، وسيادة القانون ، والعدالة ، ونظام الحكم الشوري ، ، والقضاء العادل، واستبعاد الفساد والمفسدين ، والتوزيع النسبي العادل للثروة بين المواطنين. فليس هناك سلام إجتماعي وازدهار دائم إلا إذا توفرت له تلك الظروف ، بينما يحل الخوف وعدم الأمن والأمان بفقدان تلك العوامل والظروف.
ولقد وردت الآية الكريمة في القرآن الكريم في سورة يوسف (((إدخوها بسلام آمنين))) ، عندما أصبح يوسف عليه السلام الحاكم العادل ، العفيف في شرفه وعرضه، العابد الشاكر لله ، واستبعد الخونة والمفسدين ، وَقَرَّبَ الأُمَنَاء الصالحين والمصلحين واستخدم العلم في الاقتصاد المصري.. فكان العصر الذهبي لمصر.
أمانة يوسف عليه السلام
كان يوسف عليه السلام أميناً في حياته ..كان يوسف أميناً مع عزيز مصر لدرجة أنه جعله مسئولاً على كل شئ حتى بيته ، فعندما فسَّر يوسف الرؤيا للعزيز أعطاه الختم الخاص به ووكَّله على كل مصر.. لأنه عرف صدق إيمانه و تعلقه بربه بلا حدود .
وكان يوسف أميناً على إمرأة العزيز فلم ينحني أمام شهواتها ، ولم يخن زوجها.
وكان يوسف أميناً في السجن حيث دعا السجانين والسجناء الى الله ..
إنه يوسف الصديق الذي تجاوز كل المحن بإيمان صادق ، وعقيدة صافية خالصة لله الكريم ، فسخر الله له الأرض والماء والزرع ، وبارك في الإنتاج ، فأخرجت الأرض خيراتها بكميات وفيره تكفي مصر سبع سنوات ، بل يفيض انتاجها لإغاثة البلاد المجاورة.
لقد أصلح الله مصر بهذا الحاكم العادل “يوسف عليه السلام” ،وبطانته الصالحة ، فأصبحت مصر أمن وأمان كما ذكر الله تعالى في القرآن الكريم :
(((فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِين )))يوسف99
إن أمانة يوسف عليه السلام هي التي أنقذت مصر ، بل وأنقذت البلاد المجاورة من القحط والجوع والهلاك.
مستحيل أن يحل الرخاء والأمن والأمان في ظل الخيانة والخونة و تمكين الفساد والمفسدين المخربين الخائنين.
استغاثات تاريخية بمصر لسد المجاعات
1- استغاثة بلاد الشام بمصر في عهد يوسف عليه السلام
عندما أجدبت أرض الشام (فلسطين،سوريا،لبنان) ، وانتشر القحط في فلسطين ،وهددت المجاعات الشعوب ، فلم تكن إلا مصر يَستغيث بها الجوعى ويلجأ إليها الضعفاء والمساكين ، فجاءت الوفود من كل حدب وصوب تستغيث بمصر المباركة ، وشعب مصر المعطاء الذي كان حاضناً لكثير من الشعوب دون عنصرية أو مَنٍ أو أذى.
جاءت الوفود لتحصيل طعامها الذي ارتوى بأرض نيل مصر المبارك الذي وهبه الله لها ولشعبها .
2- عام المجاعة بالمدينة المنورة” وعمر بن الخطاب يستغيث بمصر
يُسمى بعام الرمادة بسبب القحط والجوع الذي أصاب المدينة المنورة في زمن خلافة عمر بن الخطاب بعد رجوع النّاس من الحج سنة 18هـ ، و صارت الأرض كلّها سوداء تشبه الرماد، و سُمى بذلك عام الرمادة. وانقطع المطر ، ومات الزرع ، ونفقت الماشية ولم يجدوا ما يأكلوه ، فاضطروا إلى أكل الجرابيع والجرذان من شدة الجوع ، فاستنجد عمر بن الخطاب بمصر وأهل مصر .
وقد وردت رواية تقول:
أن عمر بن الخطاب قال : يا عمرو بن العاص “والي مصر”، إنّ الله قد فتح على المسلمين مصر، وهي كثيرة الخير والطعام، وقد ألقى في روعي ـ لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوّة لهم ولجميع المسلمين.
فأُرسلت مصر قوافل الخير من مصر الى المدينة المنورة تحمل الدقيق والدهن والأكسية ولم تبخل مصر على أرض الحرمين بأي غالٍ أو رخيص ..
وصَدَقَتْ نبوءة عمر بن الخطاب عند فتح مصر
وصَدَقَتْ رؤيا ونبوءة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عند فتح مصر حينما قال لعمر بن العاص أن مصر كثيرة الخير والطعام. ومن ثم استغاث بمصر في عام الرمادة قائلا لعمر بن العاص: وقد ألقى في روعي ـ لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوّة لهم ولجميع المسلمين . فطلب المعونة من مصر لجوعى الجزيرة العربية ، فأرسل له عمرو بن العاص قافلة الطعام أولها في المدينة وآخرها في أرض مصر .
هذه حقوق الإخوة الاسلامية
هذه مصر المسلمة التي لم تبخل على أرض مسلمة تحتاج الى مواقفها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياسية ..
وهذه هي حقوق الأخ المسلم تجاه أخيه المسلم ..
وهذه حقوق الإنسان تجاه أخيه الإنسان في كل مكان..
وإن كانت الأيام دول ، فإن مصر من آلاف السنين موجودة في أرض الله بينما اضمحلت دول وامبراطوريات وزالت من الخريطة ..
مصر يارب ..نستودعك إياها
إنها مصر .. اللهم بحق لا إله إلا الله احفظ مصر ، واحفظ نيلها ، واحفظ أرضها وشعبها،واحفظ جيشها الذي يحمي أرضها ونيلها وشعبها وكافة مقدراتها ..
اللهم اهلك كل من سولت له نفسه في الماضي والحاضر والمستقبل لقطع نيلها من خلال سد النهضة وتعطيش أهلها وتجويع شعبها سواء كان في أثيوبيا الحبشة أو مكان في افريقيا أسيا وكل أرض الله وأنت ياربنا علام الغيوب..
اللهم من كاد لمصر فاهلكه كما أهلكت عاداً وثمود ، واجعل دائرة السوء عليهم
اللهم آمين ..اللهم آمين
د.محمدالنجار 27-9-2023 فجر الاربعاء 12ربيع أول1445هـ