مؤرخ إسرائيلي: ما يحدث في غزة إبادة جماعية متعمّدة

كتب / محمد السيد راشد
في مقابلة مثيرة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، صرّح المؤرخ الإسرائيلي البارز “عُمر بارتوف” أن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة يُشكّل “إبادة جماعية منهجية”، مؤكدًا أن الهدف الحقيقي من العمليات العسكرية لم يعد الرد على هجوم 7 أكتوبر، بل “القضاء على غزة كمكان قابل للحياة، ومحو الهوية الجماعية للفلسطينيين”.
تصريحات تحريضية وسياسات تجويع
بارتوف، أستاذ دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية، ومَن وُلد في إسرائيل وخدم في جيشها، أوضح أن تحليله يستند إلى نمط العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب، وإلى الخطاب السياسي الرسمي الذي وصف الفلسطينيين بـ”الحيوانات البشرية”، ودعا إلى تجويعهم وحرمانهم من الماء والغذاء.
وأكد أن “الإبادة الجماعية لا تعني بالضرورة قتل مليون شخص”، بل يكفي –بحسب تعريف الأمم المتحدة– استهداف جماعة بشرية بالعنف المنهجي والتجويع وهدم البنية التحتية التعليمية والثقافية لتُعتبر إبادة.
الرهائن عقبة مؤقتة أمام التدمير الكامل
وأوضح بارتوف أن وجود الرهائن الإسرائيليين هو العائق الوحيد أمام التوغّل الكامل في غزة، قائلًا: “لو سلّمت حماس الرهائن، فإن إسرائيل لن تنسحب، بل ستُكمل عملية التدمير”، نافيًا أن يكون لدى الجيش الإسرائيلي أي اعتبارات إنسانية تُجاه المدنيين.
مقارنة مع سياسات ما بعد الحرب العالمية الثانية
ولدى سؤاله عن مقارنة الحرب على غزة بالقصف الأمريكي والبريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، أشار بارتوف إلى أن الولايات المتحدة بعد احتلالها لألمانيا واليابان لم تسعَ إلى تدمير هذين البلدين، بل أطلقت خطة مارشال لإعادة الإعمار، على عكس إسرائيل التي “لم تُبدِ أي نية لبناء مجتمع فلسطيني بعد الحرب”.
الاحتلال يُفسد المجتمع والجيش معًا
بارتوف تحدّث أيضًا عن تجربته الشخصية كضابط شاب خدم في غزة خلال سبعينيات القرن الماضي، قائلاً: “كنت أشعر أنني محتل غير مرحّب به، وترسّخ داخلي قناعة بأن الاحتلال يُفسد المجتمع بأكمله”، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي “تغيّر جذريًا منذ ذلك الحين”.
نزع الإنسانية وتحوّل المجتمع الإسرائيلي
واعتبر المؤرخ الإسرائيلي أن أحد المؤشرات المركزية على الإبادة الجماعية هو “نزع الإنسانية عن المجموعة المستهدفة”، وهو ما قال إنه أصبح جزءًا من الثقافة السياسية والمجتمعية في إسرائيل، حيث “لم يعد معظم الإسرائيليين، بمن فيهم غير المتطرفين، يرون في الفلسطينيين بشرًا متساوين في الحقوق والكرامة”.
“لن يتكرر أبدًا”.. مجرد شعار فارغ؟
وعن تداعيات الحرب على صورة الهولوكوست عالميًا، عبّر بارتوف عن قلقه من أن ينتهي شعار “لن يتكرر أبدًا” إلى مجرد طقس داخلي خاص باليهود، بسبب صمت المؤسسات اليهودية العالمية عمّا يجري في غزة، مما يُفرغ الذكرى من بعدها الإنساني الشامل.
تحذير من الانزلاق نحو الاستبداد
في ختام حديثه، حذر بارتوف من أن السياسات الإسرائيلية الحالية قد تؤدي إلى “تحوّل إسرائيل إلى دولة استبدادية ذات نظام فصل عنصري مكتمل الأركان”، وهو ما سينعكس سلبًا –وفق رأيه– على الجاليات اليهودية حول العالم، التي تُحمَّل مسؤولية هذه السياسات بسبب تقديم إسرائيل نفسها باعتبارها ممثلًا لليهود عالميًا.