ماريا القبطية.. من مصر إلى المدينة المنورة 

بقلم/ إيمان أبوالليل

كانت ماريا وأختها سيرين، هدية المقوقس ملك مصر، إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن تلقى رسالته الداعية إلى الإسلام، التي رد عليها المقوقس قائلا: “يا هذا إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه وغنى قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب فيه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والأخبار بالنجوى وسأنظر”.

رد حكيم 

كان رد المقوقس حكيما ويدل على رجاحة عقل وعدل ونبل في معاملة الأخر، لقد احترم المقوقس رسالة النبي، كما راق له حسن اختيار النبي محمد عليه الصلاة والسلام لسفرائه. لهذا وبأخلاق الملوك، قدم ملك مصر هدية للنبي عليه الصلاة والسلام، وهي السيدة ماريا وأختها سيرين.

كانت ماريا وأختها سيرين يتمتعان بتقدير كبير من الجميع، لأن أبيهم شمعون كان من عظماء القبط، ولأنهما كان يتمتعان بطيب الخلق والورع والإيمان بالله.

قرية الشيخ عبادة

ولدت ماريا في محافظة المنيا بصعيد مصر، في قرية حفن، وهي الآن اسمها قرية الشيخ عبادة، والتي كانت تسمى في القديم وفي عصر القدماء المصريين بقرية بيت.ثم تم تسميتها باسم طبيب رمسيس الثاني هنواتي.

وصل الأختان إلى المدينة المنورة عام ٧ من الهجرة، وأسلمتا على يد النبي عليه الصلاة والسلام، وتزوج النبي من ماريا، وزوج أختها سيرين الصحابي حسان بن ثابت شاعر الرسول.

وتقول بعض الروايات انه الطبيعي لفطرتهن الأنثوية، أن تشعر زوجات النبي بالغيرة من ماريا خاصة السيدة حفصة، فأخرجها النبي من بيته إلى بيت آخر في ضواحي المدينة. ومن الطبيعي غيرة النساء على من أحببنه ورغبتهن أن لا يشاركهن أحد فيه، وأولى الناس بأن يغار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن اعتذاره صلى الله عليه وسلم لحفصة لا يفيد أنه أخطأ في الأمر، وإنما هو مظهر من مظاهر حسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم، ولا حرج عليه شرعا في الاستمتاع بما ملكت يمينه من النساء، لقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ

وهناك بعض الروايات تقول ان التي غارت السيدة عائشة ولكنها تتناقض مع قول عائشة رضي اللَّه عنها : مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبيِّ ﷺ مَا غِرْتُ عَلَى خديجةَ رضي اللَّه عنها، ومَا رَأَيْتُهَا قَطُّ، ولَكِنْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّما ذَبح الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاء، ثُمَّ يَبْعَثُهَا في صدائِق خدِيجةَ، فَرُبَّما قلتُ لَهُ: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ في الدُّنْيَا إِلَّا خديجةُ! فيقولُ: إِنَّها كَانَتْ، وكَانَتْ، وكَانَ لي مِنْهَا ولَدٌ (متفقٌ عَلَيهِ). وفي روايةٍ: وإنْ كَانَ لَيَذبحُ الشَّاءَ فَيُهْدِي في خَلائِلِهَا مِنْهَا مَا يسَعُهُنَّ. وفي روايةٍ: كَانَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ يَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلى أَصْدِقَاءِ خَدِيجةَ.

حكمة زواج النبي من السيدة ماريا

ومن حكمة زواج النبي عليه الصلاة والسلام من السيدة ماريا هو التشريع، فأراد النبي أن يعلم الناس بأن زواج المسلم من كتابية مباح ولا حرج في هذا، وماريا كانت قبطية، ولما علمت بالإسلام لم تتردد وأعلنت إسلامها.

وكانت ماريا تعلم أن الدين كله مصدره واحد وهو الله رب السماوات والأرض العلي القدير ، وقد أوصى النبي عليه الصلاة والسلام بأهل مصر، وقال: لنا فيها صهرا ونسبا.

وكان يقصد بالصهر السيدة ماريا زوج النبي وأم ابنه إبراهيم، وكان يقصد بالنسب السيدة هاجر أم سيدنا إسماعيل عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام.

وفي سنة 8 هـ، حملت السيدة ماريا بابن النبي عليه الصلاة والسلام، وقد كان اسمه إبراهيم تيمنا بأبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكان هو الوحيد الذي أنجبته له من بعد خديجة، فرح النبي بهذا الولد، وعق عنه، وحلق رأسه، وتصدق بشعره.

وكان يزوره كثيرا في بيت أم بردة التي كانت ترضعه، كعادة العرب، عندما يولد لهم طفل، يعطوه لمرضعات البادية، حيث النقاء والجو الصلب لتنشئته نشأة الفرسان القوية، وليكتسب اللغة العربية الجزلة الأصيلة، فأكثر الشعراء العرب فصاحة وبلاغة، هم من تربوا في البادية وسط الطبيعة حيث الجبال والوديان والسماء الصافية.

لكن إبراهيم مات وهو في عمر 18 شهرا، فحزن النبي حزنا شديدا، ودفع عنه دموعه، وقال: “إن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون” . وفسر بعض العلماء أن هذا كان حكمة من الله لإظهار أن محمد خاتم الأنبياء.

وتوفيت ماريا في خلافة عمر بن الخطاب في سنة 16 هـ، وصلى عليها عمر، ودفنت في البقيع، وكانت ماريا من إماء النبي صلى الله عليه وسلم، لا من أزواجه أو أمهات المؤمنين، لكن كان لها شرف كبير بأن تكون أم إبراهيم، ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عبادة يكرم قرية ماريا 

وعندما فتح عمرو بن العاص مصر، سنة ٢٠ من الهجرة، كان من ضمن الجيش الصحابي عبادة بن الصامت، الذي توجه إلى محافظة المنيا بصعيد مصر، بعد موقعة الهنسا، لتتبع الرومان هناك، وعندما وصل عبادة إلى قرية حفن، وعلم أنها مسقط رأس السيدة ماريا زوج النبي محمد_عليه الصلاة والسلام _، وأم ابنه إبراهيم، قرر أن يستقر فيها تيمنا بها، وإكراما لها ولسيرتها العطرة، وتغير اسم القرية وأصبحت قرية الشيخ عبادة.

Exit mobile version