أراء وقراءات

مشاهد الدمار والرعب داخل إسرائيل.. لماذا تختفي من بعض الشاشات العربية

كتب / ممدوح الشنهوري*

رغم التصعيد غير المسبوق الذي تشهده الساحة الإقليمية إثر الهجمات الإيرانية المركّزة على إسرائيل، تُبقي وسائل الإعلام الرسمية، لا سيما في العديد من الدول العربية، على مستوى عالٍ من التحفّظ في تغطية حجم الدمار والانهيار داخل المدن الإسرائيلية. فكثير منها يتجنب نشر مشاهد القصف أو تحليل تداعياته الداخلية، بل يمرّ عليها مرور الكرام، في ظل حساسيات دبلوماسية معقدة، أبرزها ملف التطبيع مع إسرائيل، الذي بات يمثل “خطًا أحمر” غير معلن للإعلام الرسمي في بعض العواصم.

لماذا الرقابة الذاتية للإعلام العربي؟ّ!

يتساءل مراقبون: لماذا هذا الصمت؟ ولماذا تُحجَب الحقائق التي أصبحت اليوم في متناول الجميع؟
ربما يكون السبب هو الخوف من التأثير السلبي على العلاقات الدبلوماسية أو الاتفاقات الموقعة مع تل أبيب، أو خشية التورط في خطاب يُفسر بأنه عدائي. والنتيجة أن الإعلام الرسمي لبعض الدول يُمارس رقابة ذاتية مشددة، تحجب صور الانهيار والارتباك داخل إسرائيل رغم توفرها بوضوح على وسائل الإعلام الغربية والمنصات غير العربية.

الإعلام العالمي يفضح ما لا يُعرض عربيًا

في المقابل، تبث قنوات ومواقع دولية عديدة، لا ترتبط بحسابات تطبيعية أو سياسية، مقاطع فيديو موثقة تُظهر حجم الدمار الذي ألحقته الصواريخ الإيرانية بالمدن والمنشآت الإسرائيلية. صور لمباني مدمرة، حرائق متتالية، وملاجئ تعج بالمدنيين الخائفين. كل ذلك بات حقيقة مرئية لا يمكن إنكارها، مهما كانت القيود المفروضة على وسائل الإعلام العربي.

الضربات الإيرانية تكشف هشاشة الداخل الإسرائيلي

من بين المشاهد الصادمة، مقطع مصوّر يُظهر وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، وهو يتحدث إلى مجموعة من المواطنين الإسرائيليين المنهارين نفسيًا، ويعترف خلال حديثه بأن قدرات إيران العسكرية “فاجأته”، ولم يكن يتوقع حجم الخسائر التي تسببت بها خلال أربعة أيام فقط من القصف المتواصل.

هذا الاعتراف من شخصية طالما عُرفت بتطرفها وعدائها العلني للفلسطينيين، يُعد تحولًا دراميًا في الخطاب الإسرائيلي الداخلي، ويكشف حجم الرعب والارتباك في دوائر صنع القرار، بعد أن تذوقوا بأنفسهم مرارة الصواريخ التي اعتادوا إطلاقها على قطاع غزة منذ سنوات.

من صمت أمام مجازر غزة.. يصرخ الآن من داخل الملاجئ

لطالما ظهر بن غفير على وسائل الإعلام محرضًا على إبادة الفلسطينيين، مطالبًا الجيش بـ”سحقهم دون رحمة”. لكن مشهد صراخه في وجه المواطنين الغاضبين، وظهوره وهو يتحدث بانفعال وهلع كـ“من فقد توازنه”، يكشف حجم الصدمة النفسية التي ضربت المجتمع الإسرائيلي، تمامًا كما حدث مع الفلسطينيين تحت القصف الإسرائيلي طيلة العقود الماضية.

الفرق الوحيد أن هذا الخوف أصبح يُبث من الداخل الإسرائيلي نفسه، لا من غزة أو جنين أو رفح.

انعكاس المشهد.. إسرائيل تحت القصف

لعل المفارقة والمهمة  أن إسرائيل التي كانت ولاتزال تضرب شعبًا أعزلًا لا يملك سلاحًا ولا طيرانًا، صارت الآن تحت وابل من الصواريخ الدقيقة التي لا تميز بين قاعدة عسكرية ومبنى للبورصة أو مستشفى كما تفعل قوات الاحتلال في غوة. لقد انعكست موازين القوى ، وبدأت إسرائيل تشعر بما كانت تفعله بالفلسطينيين ولبنان وسوريا واليمن، خاصة في الجانب النفسي والمعنوي.

فالحرب ليست فقط في الخسائر المادية، بل في انهيار المعنويات وانكشاف هشاشة الداخل، وهو ما أظهرته بوضوح الهجمات الإيرانية الأخيرة.


في الختام: الإعلام ليس محايدًا حين تُحجب الحقيقة

ما يحدث اليوم ليس مجرد صراع عسكري، بل معركة على الصورة والمعلومة. وللأسف، لا تزال شاشاتنا العربية تخسر هذه المعركة حين تقرر أن تصمت، في الوقت الذي يشاهد فيه العالم انهيار صورة إسرائيل كقوة لا تُقهر.

إن السكوت عن الحقيقة مشاركة في تغييبها، وإن كان البعض يخشى الدبلوماسية، فإن الشعوب لها الحق في أن ترى الصورة كاملة، بلا تزييف ولا تجميل.


*كاتب صحفي وعضو المنظمة المصرية والدولية لحقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى