مفهوم الكون الكبير ..(25) حول مفهوم الزمن وخلق الكون
الحلقة الثانية: نصوص شرعية حول أيام الخلق
بقلم: د.سعد كامل
جاء في المقال السابق حول مفهوم الزمن ومفهوم اليوم (المقال رقم 24 من هذه السلسلة)، جاء ذكر بعض الأمور المرتبطة بعمر الأرض وعمر الكون وهي كما يلي:
1) مفهوم الزمن.
2) مفهوم اليوم في اللغة.
3) مفهوم اليوم في الشرع.
4) دراسة بعض النصوص الشرعية حول أيام الخلق.
5)استنتاج علاقة للتوافق بين عمر الأرض في العلوم المادية وبين النصوص الشرعية.
6) قبول طريقة كزابر (2014) في تفسير أيام الخلق الستة.
وقد استعرض المقال السابق النقاط الثلاثة الأولى من هذه الأمور، ونلتقي في هذه الحلقة حول النقطتين الرابعة والخامسة.
أولا: نصوص شرعية حول أيام الخلق:
الآية رقم 7 من سورة هود (عن أوائل المخلوقات):
يقول تعالى في سورة هود: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)):
- وقد جاء في مختصر تفسير ابن كثير ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قدر مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء))، كما ذكر المختصر أيضا قول مجاهد: “(وكان عرشه على الماء) أي قبل أن يخلق شيئا”، وقول قتادة: “ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السماوات والأرض”. فهذه الآية تشير إلى أن أول شيء خلقه الله هو الماء والعرش، كما أن الحديث الصحيح يشير إلى أن كتابة مقادير الخلائق بالقلم –الذي ورد في أحاديث أخرى- كان قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
- ولا شك أن هذه المخلوقات (الماء والعرش والقلم) هي أول ما نعرفه من النصوص الشرعية من حيث ترتيب الخلق، وقد نوقشت قضية أوائل المخلوقات في العديد من الأبحاث (منها موقع الإسلام سؤال وجواب 1)، يختار ذلك الموقع أن الماء خلق أولا، وقد بنى ذلك الاختيار على استنتاج منطقي وهو ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله خلق عرشه على الماء، فيقول الموقع: “ومحال أن يكون خلقه عليه، والذي خلقه عليه غير موجود، فإما قبله أو معه”، إلا أن حقيقة ذلك الزمن الغيبي تحتاج إلى بحث شرعي مستقل، والله أعلم.
الآية رقم 54 من سورة الأعراف (عن أيام الخلق):
- وعن خلق السماوات والأرض في ستة أيام جاء في مختصر تفسير ابن كثير حول قوله تعالى في سورة الأعراف: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54))، قوله: “يخبر تعالى أنه خالق العالم؛ سماواته وأرضه وما بين ذلك في ستة أيام، واختلفوا في هذه الأيام هل كل يوم منها كهذه الأيام كما هو متبادر إلى الأذهان؟ أو كل يوم كألف سنة كما نص على ذلك مجاهد والإمام أحمد بن حنبل؟”.
- وقد اختار ذلك أيضا عمري (2004 أ) باعتبار أنه لو كانت مادة الخلق نيوكلينية (أي تتكون من ذرات لها أنوية) فتلك الأيام الستة كانت طويلة (كل يوم بألف سنة) اتفاقا مع قوله تعالى في سورة الحج: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47))، ويستثني عمري (2004 أ) أنه لو كانت مادة الخلق غير نيوكلينية فلا تحتاج إلى فترة طويلة ويكون يوم الخلق كيومنا المعهود.
- أما أطول مقدارٍ لليوم في القرآن وهو خمسين ألف سنة فقد ورد في سورة المعارج ضمن قوله تعالى: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)) ويقول مختصر ابن كثير أنه هناك أربعة أقوال في ذلك: الأول (المسافة من العرش إلى الأرض السابعة)، الثاني (عمر الدنيا من الخلق إلى القيامة)، الثالث (اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة)، الرابع (يوم القيامة: الذي ورد في الروايات أنه يكون أخف من صلاة فريضة على المؤمن، ويكون طويلا على الكافر)، فلا شك أن الاختيار هنا يحتاج إلى قرائن تساعد في الوصول إلى مراد الله تعالى من مفهوم ذلك اليوم.
آيات سورة فصلت (عن بعض تفاصيل الخلق):
وجاء في آيات سورة فصلت تفاصيل خلق السماوات والأرض في قوله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)):
- فالآية الأولى تشير إلى أن الأرض خلقت أولا (في يومين)، كما جاء في تفسير ابن كثير، وقال في المختصر: “أنه خلق الأرض أولا لأنها كالأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس ثم بعده بالسقف” … ويرى كاتب هذه السطور أن هذه النقطة تحتاج إلى البحث والتدقيق حول المعنى الذي تشير إليه كلمة “الأرض” التي خلقت في يومين، فمن المحتمل أن المقصود هنا ليس الكرة الأرضية، فهل تشير الكلمة هنا إلى الأرضين التي فوق السماوات (بالمعنى الفلكي) أم تشير إلى الأرضين في النصف السفلي من الكون (بالمعنى الاصطلاحي)؟
- وقد ذكر مختصر تفسير ابن كثير أيضا حول تفسير أيات سورة فصلت ما رواه ابن عباس في قوله: “أنَّ اليهودَ أتت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسألته عن خلقِ السَّماواتِ والأرضِ فقال: ((خلق اللهُ الأرضَ يومَ الأحدِ والإثنين، وخلق الجبالَ يومَ الثُّلاثاءِ وما فيهنَّ من منافعَ، وخلق يومَ الأربعاءِ الشَّجرَ والماءَ والمدائنَ والعمرانَ والخرابَ، فهذه أربعةٌ، [ثمَّ] قال : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)) لمن سأل. قال: وخلق يومَ الخميسِ السَّماءَ، وخلق يومَ الجمعةِ النُّجومَ والشَّمسَ والقمرَ والملائكةَ، إلى ثلاثِ ساعاتٍ بقيت منه، فخلق في أوَّلِ ساعةٍ من هذه الثَّلاثِ السَّاعاتِ الآجالَ من يحيا ومن يموتُ، وفي الثَّانيةِ ألقَى الآفةَ على كلِّ شيءٍ ممَّا ينتفعُ به النَّاسُ، وفي الثَّالثةِ آدمَ وأسكنه الجنَّةَ، وأمر إبليسَ بالسُّجودِ له وأخرجه منها في آخرِ ساعةٍ))، ثمَّ قالت اليهودُ: ثمَّ ماذا يا محمَّدُ؟ قال : ثمَّ استوَى على العرشِ، قالوا: قد أصبتَ لو أتممتَ، قالوا: ثمَّ استراح، فغضِب النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غضبًا شديدًا، فنزل قوله تعالى في سورة ق: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)” أخرجه ابن جرير الطبري عن ابن مسعود، وقال ابن كثير: وهذا الحديث فيه غرابة، وذكر موقع (الدرر السنية) أنه صحيح، وذكر موقع الحديث والسنة أن هذا الحديث ذكره الحاكم في المستدرك، واعتبره صحيحا على شرط الشيخان ولم يخرجاه.
- وقد أفرد موقع (اسلام ويب) مقالا حول هذا الحديث قال فيه أن الذهبي قال أن هذا الحديث لا يصح في تعليقه على تصحيح الحاكم، وقال (موقع إسلام ويب) أن الألباني قال في سلسلة الأحاديث الضعيفة أنه حديث منكر، ثم ناقش الموقع تفاصيل ترتيب الخلق الذي اعتبره موضوع نزاع مشهور بين أهل العلم: قال الرازي في مفاتيح الغيب: “قوله: ثم استوى إلى السماء وهي دخان ـ مشعر بأن تخليق السماء حصل بعد تخليق الأرض، وقوله تعالى: والأرض بعد ذلك دحاها {النازعات: 30} مشعر بأن تخليق الأرض حصل بعد تخليق السماء، وذلك يوجب التناقض، واختلف العلماء في هذه المسألة”.
- وجاء في كلام الموقع (إسلام ويب): ونقل عنه -أي عن الرازي- أبو حيان في البحر المحيط قوله: “والمختار عندي أن يقال: خلق السماء مقدم على خلق الأرض، وتأويل الآية أن الخلق ليس عبارة عن التكوين والإيجاد، يدل عليه قوله: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ـ وهذا محال، لا يقال للشيء الذي وجد: كن، بل الخلق عبارة عن التقدير، وهو في حقه تعالى حكمه أن سيوجد، وقضاؤه بذلك بمعنى خلق الأرض في يومين، وقضاؤه بأن سيحدث كذا، أي مدة كذا، لا يقتضي حدوثه ذلك في الحال، فلا يلزم تقديم إحداث الأرض على إحداث السماء”. ثم اختار أبو حيان أنه لا تعرض في الآية للترتيب، وقال: “المقصود في الآيتين الإخبار بصدور ذلك منه تعالى من غير تعرض لترتيب زماني.”.
- وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: “جرى اختلاف بين علماء السلف في مقتضى الأخبار الواردة في خلق السماوات والأرض، فقال الجمهور ـ منهم مجاهد، والحسن، ونسب إلى ابن عباس: إن خلق الأرض متقدم على خلق السماء؛ لقوله تعالى هنا: (ثم استوى إلى السماء) وقوله (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) ـ إلى أن قال: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) ـ وقال قتادة، والسدي، ومقاتل: إن خلق السماء متقدم، واحتجوا بقوله تعالى: (بناها رفع سمكها فسواها) إلى قوله: (والأرض بعد ذلك دحاها) {النازعات: 27ـ 30}، وقد أجيب بأن الأرض خلقت أولًا، ثم خلقت السماء، ثم دحيت الأرض، فالمتأخر عن خلق السماء هو دحو الأرض”.
- ويضيف ابن عاشور: “وأرجح القولين هو أن السماء خلقت قبل الأرض؛ لأن لفظ: بعد ذلك -أظهر في إفادة التأخر من قوله: ثم استوى إلى السماء ـ، ولأن أنظار علماء الهيئة ترى أن الأرض كرة انفصلت عن الشمس، كبقية الكواكب السيارة من النظام الشمسي، وظاهر سفر التكوين يقتضي أن خلق السماوات متقدم على الأرض، وأحسب أن سلوك القرآن في هذه الآيات أسلوب الإجمال في هذا الغرض؛ لقطع الخصومة بين أصحاب النظريتين.”
- ثم يذكر الموقع (إسلام ويب) تنبيها مهما بقوله: “وها هنا ينبغي التنبيه على ضرورة التفريق بين النظريات العلمية القابلة للتغير والتطور، والإصابة والخطأ، وبين الحقائق الثابتة التي لا يصح الشك فيها بعد ثبوتها، ومن ناحية أخرى ينبغي التفريق بين النصوص الشرعية وبين فهمها، فالنصوص تحمل حقًّا محضًا، ولكن أفهام العلماء لها ليست معصومة، فإذا اختلفوا، كان منهم المصيب ومنهم المخطئ، والذي لا يمكن تعارضه هو قطعي الوحي، وقطعي العقل والواقع، فلا يمكن أن تتعارض حقيقة علمية وخبر شرعي قطعي.”.
حديث التربة:
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بيَدِي فَقالَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَومَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الجِبَالَ يَومَ الأحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَومَ الاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ المَكْرُوهَ يَومَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَومَ الأرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَومَ الخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ عليه السَّلَامُ بَعْدَ العَصْرِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ، في آخِرِ الخَلْقِ، في آخِرِ سَاعَةٍ مِن سَاعَاتِ الجُمُعَةِ، فِيما بيْنَ العَصْرِ إلى اللَّيْلِ)). وقد ناقش موقع (الإسلام سؤال وجواب 2) موضوع هذا الحديث حيث تناول باستفاضة تخريج الحديث، وانتهى إلى القول بأن الحديث صحيح لأنه مذكور في صحيح مسلم مع الرد على من يقولون بتضعيف الحديث.
- وأوضح أنه لا تعارض بين هذا الحديث وبين الأيام الستة التي ذُكِرَتْ في القرآن الكريم حول خلق السماوات والأرض، وذلك لأن هذا الحديث يتناول تفاصيل خلق الكرة الأرضية أثناء اليومين المذكورين في القرآن مع تقسيم هذه الفترة إلى سبعة مراحل وليست ستة، ويؤكد أن اليوم مرحلة زمنية الله عز وجل أعلم بحقيقتها.
- وقد ذكر كاتب المقال (الإسلام سؤال وجواب 2) رأي الدكتور شرف القضاة (القضاة، 2011) في بحث محكَّم بعنوان: “هل يتعارض الحديث مع القرآن والعلم؛ حديث التربة نموذجا “.الذي أكد على صحة الحديث، ثم أكد أن الحقائق العلمية تؤيد كل ما جاء في الحديث بالترتيب المذكور. حيث أن الثابت علميا هو أن التطور على الأرض قد بدأ بظهور القشرة الأرضية، ثم الجبال، ثم النباتات البحرية، ثم الأسماك (أو النون من روايات الحديث)، ثم النباتات البرية، ثم الحيوانات، ثم الإنسان، وهذا هو بالضبط الذي ورد في هذا الحديث .وبهذا ينحل الإشكال الوارد في السؤال بأن النور ضروري للنبات، فالأصل أن يخلق قبله .ثم يضيف (الإسلام سؤال وجواب 2) كما يمكن أن يجاب عن هذا الإشكال أيضا بأن (النور) المقصود في الحديث ليس المقصود به (ضياء الشمس)، فالشمس قد خلقت مع خلق السماء سابقا، وإنما المقصود بالنور هنا النور المعنوي، وهو الخير .
يتضح من النصوص الشرعية المذكورة أعلاه أن أوائل المخلوقات في الكون تضم الماء والعرش والقلم، وأن خلق السماوات والأرض في ستة أيام من الأمور الخلافية:
- من حيث مفهوم اليوم (24 ساعة أو 1000 سنة أو 50000 سنة أو مطلق الوقت).
- ومن حيث ترتيب الخلق: هل الأرض خلقت أولا؟ أم السماوات؟
- وما هو المقصود بكلمة الأرض (الكرة الأرضية؟ أم الأرضين السبع فوق السماوات؟).
- وهل يمكن التوفيق بين العلوم المادية والنصوص الشرعية إذا اتضح وجود توافق بينها؟
وتشير النقطة التالية حول التوافق بين عمر الأرض في العلوم المادية وبين النصوص الشرعية إلى إمكانية استنتاج ذلك التوافق بنفس الآلية التي ينادي بها كاتب هذه السطور، وذلك بالتكامل بين الجانبين بالضوابط المعروفة للبحث العلمي عند الجانب الشرعي والجانب العلمي المادي.
ثانيا: استنتاج علاقة للتوافق عن عمر الأرض في العلوم المادية والشرعية:
عند مطالعتي كتب التفسير حول آيات خلق السماوات والأرض (في سور البقرة وفصلت والنازعات وغيرها)، بالإضافة إلى نصوص الأحاديث المذكورة في النقطة السابقة (حديث سؤال يهود عن أيام الخلق، وحديث التربة)، وقبل أن أقرأ كلمات د. شرف القضاة حول التوافق بين معلومات علوم الأرض وحديث التربة… كنت أستشف من هذه النصوص توافقا كبيرا في ترتيب الخلق بين هذه النصوص الشرعية وبين ما نعرفه في علوم الأرض من مراحل خلق الكون وتدرج عمارة الأرض بالحياة، وأبرز هذه المراحل هي مرحلة خلق آدم عليه السلام قرب نهايات الزمن الأرضي الكبير (4500 مليون سنة).
ومن النماذج التي تُحقق ذلك التوافق الكبير ما كنا ندرسه ضمن مقررات الجيولوجيا التاريخية بعنوان الجدول السنوي لتاريخ الكون (الجداول 1-3) حيث يتم تشبيه تاريخ الكون (13.7 مليار سنة) بشهور السنة، ويمكن على الجدول (2) ملاحظة العمر الجيولوجي لأهم الأحداث الحيوية في تاريخ الكرة الأرضية أمام ما يناظرها من أيام السنة، ونلاحظ على الجدول (3) مراحل التطور البشري اعتبارا من بداية حقب الحياة الحديثة.
جدول (1): أهم مراحل الزمن الكوني على مقياس السنة الكونية، (bya= بليون سنة مضت، ويكيبيديا).
((إذا لم يظهر الجدول نرجو الضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))
جدول (2): أهم مراحل تدرج عمارة الأرض بالحياة على مقياس السنة الكونية (ويكيبيديا).
((إذا لم يظهر الجدول نرجو الضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))
جدول (3) أهم مراحل التطور البشري على مقياس السنة الكونية (ويكيبيديا).
((إذا لم يظهر الجدول نرجو الضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))
وعندما قرأت كلمات د.شرف القضاة (القضاة، 2011)، وجدت في نفسي إطمئنانا للمعنى الذي استنتجته من وجود توافق بين تلك النصوص الشرعية وبين المفاهيم المعروفة في علوم الأرض عن الزمن الجيولوجي، وقد وجدت الجداول المنشورة على موقع ويكيبيديا تعبر عما ندرسه في مقررات الجيولوجيا التاريخية ضمن مفهوم التقويم السنوي لتاريخ الكون (المدرك)، مع استثناء مفهوم بدء تاريخ الكون (المدرك) بالانفجار العظيم لأن كاتب هذه السطور يتبنى فكرة البناء العظيم حول خلق السماوات السبع بما فيها الكون المدرك (انظر المقال رقم 19 من هذه السلسلة حول خلق الكون).
كما أن كاتب هذه السطور يعتقد أن مراحل التطور البشري المذكورة في جدول (3) عن ويكيبيديا ليست مقبولة لأننا نعرف أن الإنسان قد خلقه الله خلقا ذاتيا (قصة أبو البشر آدم عليه السلام الواردة في القرآن الكريم)، والغريب أن كتب الجغرافيا التاريخية تشير إلى مراحل ظهور القردة العليا على أنها من مراحل التطور البشري، ثم تقول تلك الكتب: (فجأة وبدون مقدمات ظهر الإنسان العاقل ذو الحضارات)، فتطور الإنسان الحديث عن القردة العليا ليس له أساس علمي، لكنها نظرية التطور العضوي التي يريد أنصار العلمنة وضعها ضمن الفكر البشري لإلغاء فكرة الإله الخالق سبحانه وتعالى.
كما يؤكد كاتب هذه السطور على ما ذكره موقع (الإسلام سؤال وجواب 1) أنه لا تعارض بين حقيقة علمية موثقة بالأدلة البحثية، وبين خبر شرعي صحيح قطعي الدلالة، ويرى أننا نحتاج إلى مراجعة مفهوم اليوم المذكور ضمن أيات خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وذلك لاختيار المفهوم الأنسب لليوم في ضوء التوافق المذكور بين حديثي سؤال يهود والتربة مع الروزنامة العلمية عن التقويم السنوي لتاريخ الكون (المدرك)، وأيضا للبحث عن حل مناسب للتداخل الملاحظ ضمن مراحل خلق السماوات والأرض المستنتجة من ظاهر آيات سورة فصلت، وتلك المراحل المذكورة ضمن الروزنامة الموضحة في جدول (1)عن ويكيبديا.
فهل نعتبر وفق ظاهر النص أن الأرض خلقت أولا؟ (وذلك اختيار ابن كثير وغيره، ما لم يكون لذلك الاختيار تأويلا مناسبا)، أم نجتهد وفق رأي ابن عاشور وأبو حيان والآراء المذكورة أعلاه أن اليوم يقصد به مطلق الوقت، وان آيات سورة فصلت لا تعرض للترتيب، بل للإخبار عن وقوع الخلق، وأن القرآن يعرض القضية بهذا الإجمال لقطع الخصومة بين المختلفين.
وقد استراح قلبي عندما وجدت كلمات الأستاذ المتخصص في الفيزياء الفلكية، والمتبحر في العلوم الشرعية ذات العلاقة، الأخ الكريم عز الدين كزابر المدافع عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة إذ ينفي الشكوك عليه بكلمات قوية وأسلوب رصين، حيث يعرض سيادته (كزابر، 2014) طرحا متميزا لتفسير أيام الخلق الستة، ويقدم في ذلك حلولا تفسر التداخل الذي حيرني -كما احتار فيه معظم العلماء- من حيث أيهم أولا السماوات أم الأرض؟ كما يفتح الباب على مصراعيه لقبول التوافق بين النصوص الشرعية وبين العمر الجيولوجي الكبير للكرة الأرضية الذي اعتبره الشيخ ابن عقيل من ثقافة الديناصور، فإلى الحلقة الثالثة حول مفهوم الزمن وخلق الكون.
المراجع:
-القضاة، ش. م. (2011): هل يتعارض الحديث الصحيح مع القرآن الكريم أو العلم؟ حديث: خلق الله التربة يوم السبت نموذجا. مجلة البيان، جامعة الملايا، كوالالمبور، العدد التاسع، ص ص : 223-240.
-عمري، ح. (2004أ): خلق الكون بين الآيات القرآنيّة والحقائق العلميّة، مؤتة للبحوث والدّراسات (سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة)، المجلد 19، العدد 4 ، ص 11 –41 .
-كزابر، ع. (2014): كتاب: براءة التفسير والإعجاز العلمي في القرآن من الشكوك عليه؛ الفصل (أ20) – محمد الصادق عرجون.
-موقع إسلام ويب: هل خلقت الأرض قبل السماء؟
-موقع الإسلام سؤال وجواب (1): ما ترتيب أوائل المخلوقات المذكورة في الشرع، وكيف تعرج الملائكة إلى السماء؟
-موقع الإسلام سؤال وجواب (2): تفصيل اختلاف العلماء في حديث التربة ومناقشة أدلتهم.
-موقع الدرر السنية.
-موقع ويكيبديا: تقويم كوني.
بقلم: د.سعد كامل
أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر
saadkma2005@yahoo.com