مفهوم الكون الكبير ..(32) الأرض أو الكرة الأرضية
الحلقة الثالثة: الأرض بمعنى التربة أو جزء من الكرة الأرضية
بقلم: د.سعد كامل
يؤكد كاتب هذه السطور على الفضل الإلهي الكبير فيما يخص رعاية البشر الذين يسكنون تلك الكرة الصغيرة التي تكاد لا يكون لها وزن في هذا الكون الواسع، وذلك لأن الكرة الأرضية التي يسكنها بني آدم -عليه السلام- تأخذ مكانتها من إيمان ساكنيها بالرب المعبود خالق الكون الكبير، وقد رأينا أن كلمة الأرض تتعدد معانيها في القرآن الكريم كما ذكرنا في المقال قبل السابق من هذه السلسلة، ومن ضمن هذه المعاني تأتي الأرض بمعنى الكرة الأرضية في نحو 150 موضعا من القرآن الكريم، وقد استعرض المقال السابق من هذه السلسلة بعض المعاني التي تشير إليها الآيات المصنفة في الجداول (1 إلى 4، انظر صورة الغلاف). وتتضمن:
1) صفات عامة للكرة الأرضية (جدول رقم 1).
2) بعض أفعال البشر على الكرة الأرضية (مثل: الاستخلاف (جدول رقم 2) والإفساد والاستكبار في الأرض (جدول رقم 3) وغيرها).
3) حالات نفسية واجتماعية للبشر على الكرة الأرضية (جدول رقم 4).
الحلقة الأخيرة عن الكرة الأرضية
ونلتقي اليوم لاستكمال الحلقة الأخيرة عن الكرة الأرضية التي سوف تتضمن استكمال موضوعين آخرين عن الكرة الأرضية في القرآن الكريم:
4) الأرض بمعنى التربة.
5) الأرض بمعنى الموقع أو جزء محدد من الكرة الأرضية.
أولا: آيات تتناول نزول المطر والإنبات كدليل على البعث:
سبحانك ربي ما أرحمك، نعم رحمتك شملت كل شيء يا الله، ومن الأشياء التي شملتها رحمة المولى تبارك وتعالى هي ذلك الإنسان الضعيف، ذلك الإنسان الذي لا يعرف من الأشياء إلا ما يأذن به الله، ثم بعد ذلك يتكبر ويقول “إنما أوتيته على علم عندي” كما قال عدو الله قارون، وبالرغم من ذلك الضلال البشري –إلا من رحم ربي-، فإن المولى سبحانه وتعالى يقابل هذا التطاول بالرحمة والحنو على عباده، فيرشدهم إلى الطريق المستقيم، ويخصص الكثير من آيات كتابه الكريم لاستمالة قلوب عباده نحو الإيمان للنجاة من العذاب، فنحن في هذا الجزء من مناقشة ما يحدث على سطح البسيطة نقف أمام 32 موضع من القرآن الكريم (جدول 5) حول كلمة الأرض بمعنى التربة وحول الإنبات كدلائل على إعادة حياة القلوب وبعث الأجساد.
جدول (5): ((لو الجدول لا يظهر: فضلا اضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))
- جاء في مختصر تفسير ابن كثير حول معنى البعث وإحياء الأرض والقلوب ضمن تفسير قوله تعالى من سورة فاطر: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)) قال ابن كثير: “كثيرا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها، ولهذا جاء في الصحيح من حديث ابن رزين، قلت: يا رسول الله كيف يحي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا رزين أما مررت بوادي قومك ممحلا ثم مررت به يهتز خضرا)) قلت: بلى، قال صلى الله عليه وسلم: ((فكذلك يحي الله الموتى)) أخرجه الإمام أحمد وأبو داوود وابن ماجة”.
- كما جاء في المختصر أيضا ضمن تفسير قوله تعالى من سورة النحل: (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65))، جاء ما يلي: “كما جعل سبحانه القرآن حياة للقلوب الميتة بكفرها، كذلك يحي الأرض بعد موتها بما أنزله عليها من السماء من ماء”.
- وكذلك يضرب الله المثل في القرآن عن الحياة الدنيا على سطح الكرة الأرضية بالنبات الذي يزهو ويخضر ثم يذبل ويصفر فتذروه الرياح كما جاء في قوله تعالى من سورة الكهف: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45))، وذلك كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: ((الدنيا حلوة خضرة)).
- وتأتي كلمة الأرض في القرآن الكريم للإشارة إلى التربة وهي الرواسب المفككة التي تغطي أجزاء من سطح الكرة الأرضية وبعضها يعتبر من أنسب الأراضي للزراعة، ومن ذلك ما جاء في قصة ابني آدم أن قابيلا -بعد أن قتل أخاه- حيث بعث الله له غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه (المائدة 31).
- وفي سورة الأنعام يأتي التأكيد على سعة علمه عز وجل: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)) فهو سبحانه يعلم مصير الحبة في ظلمات الأرض في الصخور الصلبة أو في التربة المفككة، ويعلم أي من هذه الحبوب أو الأشياء رطبا وأيها يابسا، جاء في مختصر تفسير ابن كثير حول هذه الآية قوله: “قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) قال: ما من شجرة في بر ولا بحر إلا وملك موكل بها يكتب ما يسقط منها، وقوله (ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) قال عبد الله ابن الحارث: ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبرة إلا وعليها ملك موكل يأتي الله بعلمها رطوبتها ويبوسها إذا يبست”.
- كما يضم القرآن الكريم ايضا إشارات إلى الدورة المائية التي تبدأ بتبخر الماء لتكوين السحب، ثم هطول الأمطار وجريان الماء سطحيا أو جوفيا حتى يصل إلى البحار أو يتجمد بعضه في المناطق الجليدية، وذلك كما في قوله تعالى من سورة المؤمنون: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)). ونرى ذلك أيضا ضمن ما ورد في القرآن الكريم عن طوفان نوح عليه السلام كما في قوله تعالى من سورة هود: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)).
- وقد ذكرنا سابقا ضمن الآيات الجامعة (انظر المقال رقم 30 من هذه السلسلة) بعض الآيات التي تتناول أنواع النباتات على الأرض (الكرة الأرضية) مثل قوله تعالى في الآيات: 10-12 من سورة النحل، و24-32 من سورة عبس، ونلاحظ في هذه الآيات وغيرها ذكر تفاصيل عن الأنواع العامة والهامة من النباتات، فنجد آيات سورة عبس قد ذكرت أهم المجموعات التصنيفية من النباتات بإيجاز ودقة بالغين، كما نرى في آيات سورة النحل ذكرا موجزا لبعض النباتات مع تفاصيل عن عملية الإنبات من نزول الماء للشرب، ثم إنبات الشجر والزرع والحبوب والثمار، ثم يلي ذلك كله معلومات فلكية عن الليل والنهار وغيرهما مما يجعل الذي يقرأ تلك الآيات يهتف بقوله: سبحانك فقنا عذاب النار.
ثانيا: آيات تشير إلى جزء من الكرة الأرضية (بلد أو منطقة):
تتناول بعض الآيات أحداثا تاريخية وقعت على الأرض أو الكرة الأرضية مثل الآيات المذكورة في جدول (6)، ومن المؤكد أن كل حدث من هذه الأحداث وقع على نقطة محددة من الكرة الأرضية، لكن القرآن الكريم يشير إلى ذلك بكلمة (الأرض) مثل الأمثلة التالية:
جدول (6): ((لو الجدول لا يظهر: فضلا اضغط على الفراغ أعلى هذا الكلام))
- مكة المكرمة: في قوله تعالى من سورة الإسراء: (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)) وذلك عند محاولات اليهود والمشركين لإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة.
- المدينة المنورة: في قوله تعالى من سورة المائدة: (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ … (33)) من أحكام الحرابة أو عقاب الذين يحاربون الله ورسوله، وهذه من الأحداث التي تمت في المدينة المنورة، وكلمة الأرض هنا تشير إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في مختصر تفسير ابن كثير، ويمكن وفق قاعدة عموم اللفظ أن تشير كلمة الأرض إلى بلدان أخرى غير المدينة المنورة.
- بيت المقدس: في قوله تعالى من سورة المائدة: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ… (21)) وذلك ضمن توجيهات موسى عليه السلام لبني إسرائيل وهم في التيه قبل دخول بيت المقدس.
- أرض الشام: في قوله تعالى من سورة الأنبياء: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)) وذلك حكاية عن نجاة نبي الله إبراهيم ونبي الله لوط عليهما السلام من قومهم بالعراق إلى أرض الشام كما جاء في مختصر تفسير ابن كثير.
- مصر: في قوله تعالى من سورة الإسراء: (فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)) وذلك حكاية عن إخراج فرعون لبني إسرائيل من مصر.
- مدائن صالح: في قوله تعالى من سورة هود: (…هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا …. (61)) وذلك ضمن نصائح صالح عليه السلام لقومه وتذكيرهم أن الله قد أنشأهم من أرض تلك المدائن.
فهذه أيها القارئ الكريم هي تطوافة سريعة ضمن بعض الآيات التي تذكر أجزاء محددة من الكرة الأرضية عاش فيها أنبياء الله مع أقوامهم، والقرآن الكريم يشير إلى تلك الأماكن بكلمة الأرض ويقصد ذلك الجزء من الكرة الأرضية.
الخلاصة:
تتعدد معاني كلمة “الأرض” في القرآن الكريم حيث وردت في 458 موضعا من المصحف الشريف، وقد أحصى الكاتب 150 موضعا من تلك المواضع تتضمن كلمة الأرض بمعنى الكرة الأرضية أو الغبراء وفق الوصف الوارد في كتب التراث، وقد تشير كلمة الأرض (انظر المقال قبل السابق من هذه السلسلة) إلى المعاني التالية: الأرض الأولية (مرحلة الرتق), أو الأرضين السبع فوق السماوات السبع (بالمعنى الفلكي)، أو النصف السفلي من السماوات السبع بعيدا عن العرش (أو النار)، أو أرض الجنة في النصف العلوي من السماوات باتجاه العرش، ويضاف إلى ذلك المعاني المرتبطة بالكرة الأرضية.
وقد تم تجميع وتصنيف الآيات التي تذكر “الأرض” بمعنى الكرة الأرضية في الجداول (1 – 6)، كما ناقش البحث بعض تلك الآيات مؤكدا على أنها تشير إلى الكرة الأرضية دار الاختبار بالنسبة للإنسان، ومشيرا إلى أن تركيز القرآن الكريم على وصذف كل تلك الجوانب من حياة البشر في الكرة الأرضية يعتبر من دلائل الرحمة الإلهية بذلك المخلوق المميز على هذا الكوكب المميز، وفي ضوء ذلك فقد ناقش البحث النقاط التالية:
- كروية الكرة الأرضية ومد الأرض وتذليلها، والمعنى الجيولوجي للرواسي وطريقة تكوينها بإيجاز شديد، وعمارة الكرة الأرضية بصور الحياة لخدمة الإنسان (جدول 1).
- استخلاف البشر على الكرة الأرضية جيلا بعد جيل مع ما في ذلك من معاني التمكين، وأمر الله تعالى للعباد أن يسيروا في الكرة الأرضية ليعتبروا بما حدث للسابقين (جدول 2).
- الصور المتعددة للإفساد والاستكبار في الكرة الأرضية (جدول 3).
- بعض الحالات الاجتماعية والنفسية للبشر على الكرة الأرضية (جدول 4).
- اللمسة القرآنية الحانية على البشر الضعفاء من حيث نعمة خلق النباتات، وإحياء الأرض (التربة) بعد موتها وربط ذلك بإحياء القلوب بالقرآن (جدول 5).
- الأرض بمعنى الموقع أو أي جزء من الكرة الأرضية وقعت عليه بعض الأحداث التاريخية (مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرهما، جدول 6).
المراجع:
- مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.
بقلم: د.سعد كامل
أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر
saadkma2005@yahoo.com