مفهوم الكون الكبير ..(37) مقتطفات من أعمال الملائكة (أ)
بقلم: د.سعد كامل
ذكرنا في مقال سابق قائمة موجزة بأسماء وأعمال الملائكة الكرام نقلا عن القصير (2016). ويتفق الصلابي (2010) جزئيا مع تلك القائمة إلا أنه يصنف الأعمال العبادية للملائكة الكرام في فصل مستقل عن فصل أعمال الملائكة. أما أعمال الملائكة الخاصة بالمكلفين (من الجن والإنس) فيذكرها الصلابي بشكل موسع تحت عنوان: أعمال متعلقة ببني آدم (الصورة الرئيسية) حيث يصف الصلابي تلك الأعمال بأنها تشمل رعاية إلهية كاملة لبني آدم في كل شيء في الدنيا والآخرة بتوكيل الملائكة. أما عن أعمال الملائكة في تدبير أمر الملكوت التي جاءت عند القصير (2016) فيذكر الصلابي بعضها تحت عنوان: أعمال الملائكة المتعلقة بالكون (الصورة الرئيسية)، ونلاحظ أن الصلابي لم يذكر هنا أحد أكبر البنود في رعاية الملائكة للكون وهو ما ذكره ابن القيم والطحاوي وغيرهما ضمن: الموكلون بالأفلاك والشمس والقمر، وذكرها القصير (2016) تحت مسمى: المكلفون بحفظ السماوات، كما يضيف الصلابي قائمة من أعمال الملائكة تحت مسمى: قيامهم بأعمال أخرى.
وفيما يلي نقتطف بعض المعاني البارزة عن أعمال الملائكة منقولة بشكل عام من كتاب الإيمان بالملائكة للشيخ الصلابي (2010):
أولا: أعمال الملائكة المتعلقة ببني آدم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربعة برزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فوالله إن أحدكم أو الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) رواه البخاري. فهذا الحديث الشريف يوضح أن الملائكة موكلون برعاية ابن آدم قبل مولده بنفخ الروح وكتابة مستقبله الذي يتضمن رزقه وأجله ومصيره شقي أم سعيد.
وقد جاء تمام ذلك في مختصر تفسير ابن كثير فيما يرويه عن زيد ابن أسلم ضمن تفسير قوله تعالى من سورة فصلت: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)) حيث قال: “يبشرونه عند موته وفي قبره وحين يبعث”، فانظر أخي القاريء الكريم كيف أن ملائكة نفخ الروح معك قبل أن تولد، ثم الملائكة الحفظة تحفظك من كل سوء في حياتك، وأيضا الملائكة الكتبة يكتبون أعمالك للحساب، ثم ملائكة الموت يبشرون المؤمن بالجنة عند الموت، وملائكة النعيم يحيطونك بالحفاوة في الآخرة، كما أن الملائكة يقومون على رعاية مكونات الكون التي سخرها الخالق سبحانه وتعالى للمكلفين مثل: السحاب والمطر والريح والشمس والقمر والأفلاك وجميع السماوات.
ونقتطف من أعمال الملائكة بعض الأعمال المتعلقة ببني آدم المرتبطة بالكون، ومنها مشاركة الملائكة الكرام في تثبيت المؤمنين والقتال معهم، ومن ذلك نزول الملائكة في غزوة بدر لتثبيت المؤمنين والقتال معهم، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى من سورة الأنفال: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12))، وقد نقل الصلابي (2002) في كتاب السيرة النبوية الروايات التالية:
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل من المسلمين يوم بدر يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم (وهو اسم الفرس الذي يركبه المَلَكْ)، فنظر إليه فإذا هو خُطِمَ أنفه، وشق وجهه لضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة.
- وروى البخاري عن ابن عباس أيضا قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: هذا جبريل أخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب.
- وجاء في مسند أحمد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: فجاء رجل من الأنصار قصير بالعباس بن عبد المطلب أسيرا، فقال العباس: يا رسول الله إن هذا والله ما أسرني ، لقد أسرني رجل أجلح (أي انحسر شعره من جانبيه)، من أحسن الناس وجها على فرس أبلق (أي الذي ارتفع التحجيل إلى فخذيه)، وما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال: اسكت فقد أيدك الله بملك كريم.
أما ملائكة الموت فيقبضون أرواح بني آدم بما يتناسب مع الحالة الإيمانية لكل فرد، وقد جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، مما رواه الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن البراء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن إذا حضره الموت جاءه الملائكة بيض الوجوه بيض الثياب، فقالوا اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان ورب غير غضبان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء). في حين أن الملائكة حين تقبض روح الكافر فالأمر يختلف كما جاء في قوله تعالى من سورة الأنعام: (…وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93))، فالملائكة يبسطون أيديهم لضرب هذا الكافر حتى تخرج روحه مع تبشيرهم بالعذاب المهين، وقد جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ومعهم مسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول)، ثم يذكر هذا الحديث الشريف كيف أن الملائكة تصعد بالروح الطيبة إلى السماء السابعة في حفاوة من الملائكة الكرام في كل سماء، في حين أن روح الكافر لا تفتح لها أبواب السماء وترد إلى أسفل سافلين.
ثانيا: أعمال الملائكة المتعلقة بتدبير أمر الملكوت:
يتضح من تناول المراجع المذكورة أعلاه لأعمال الملائكة المتعلقة بالملكوت (وفقا للقصير، 2016) أن هذه الأعمال تعتبر تكليف إلهي لهؤلاء الخلق الكرام، وقد ذكرنا قول الإمام ابن القيم: “إن الله سبحانه وكل بالعالم العلوي والسفلي ملائكة، فهي تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره، فلهذا يضيف التدبير إلى الملائكة تارة، لكونهم هم المباشرين للتدبير، كقوله تعالى: (فالمدبرات أمرا)، ويضيف التدبير إليه كقوله تعالى: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر)، فهو سبحانه المدبر أمرا وإذنا ومشيئة، والملائكة المدبرات مباشرة”، كما ذكرنا قول صاحب كبرى اليقنيات أن قيام الملائكة الكرام بتدبير أمور الكون يعتبر مظهرا لسلطان الله تعالى.
وقد توقف كاتبنا كثيرا عند قول المدهون (2009): “فيجب الإيمان بالملائكة بما ورد في الكتاب والسنة من أوصافهم وأعمالهم، ويجب الإمساك عما وراء ذلك”، فهل المقصود بذلك الإيمان أن يكون في حدود ما ورد بالكتاب والسنة نصا بحيث لا يمكننا القول بأعمال لم تأتي نصا في القرآن الكريم أو في الأحاديث الشريفة؟ أم يمكن لنا استنتاج أعمال لم ترد في القرآن والسنة نصا لكنها تتفق معهما روحا وفعلا؟
يمكن القول من استقراء المراجع المذكورة أعلاه أن الاختيار الثاني هو المعمول به عند أهل العلم، فإن كل مقولة ترتبط بالعالم الغيبي تحتاج لإثباتها إلى دليل من النقل عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وقد أشار الشيخ سفر الحوالي إلى ذلك المبدأ الرصين في شرحه لكتاب العقيدة الطحاوية، إذ يقول صاحب العقيدة الطحاوية: [ووكل بالأفلاك ملائكة يحركونها، ووكل بالشمس والقمر ملائكةً]. فيقول الحوالي: “وقد بحثت في هذه المسألة -ولم أستقص البحث- فلم أجد ما يدل نصاً على أن للشمس أو للقمر أو للأفلاك ملائكة، ولكن عموم الأدلة التي ذكرها المصنف تدل على ذلك؛ لأنهم هم الذين وردت صفاتهم في سورة الصافات والمرسلات والنازعات، فهم يدبرون أمر هذا الكون، ويدخل في عموم التدبير هذه الأجرام العظيمة، ومن ذلك الأفلاك والشمس والقمر، وغيرها مما هو أعظم منها في العالم العلوي الذي لا نعلمه.”
فهاهنا يذكر الحوالي أنه بحث عما يؤيد كلام الأمام الطحاوي على أن للشمس أوللقمر أو للأفلاك ملائكة فلم يجد وهذا هو ديدن أهل الذكر من علماء الشريعة إذ يبحثون دوما عن النص الواضح الصريح حول القضية قيد المناقشة، لكنه لم يعتبر ذلك نهاية الأمر فرجع يستدل على أن للملائكة دورا في تدبير أمور الكون من عموم الأدلة التي ذكرها المصنف.
هذا وقد ذكر الصلابي (2010) بعضا من أعمال الملائكة تحت عنوان: “أعمال الملائكة المتعلقة بالكون” (الصورة الرئيسية)، وقد أشرنا أعلاه إلى الاختلاف بين المؤلفين في تصنيف أعمال الملائكة الكرام.
وعليه يرى كاتب هذه السطور أنه يمكننا اختيار قائمة بالأعمال التي تتناسب مع مفهوم الكون الذي تتناوله هذه السلسلة من المقالات، وعليه سيتم فيما يلي مناقشة بعض أعمال الملائكة الكرام المتعلقة بالملكوت وتتضمن: أ) حملة العرش ومن حوله, ب) نفخهم في الصور، جـ) الموكلون بالجبال، د) الموكلون بالسحاب والمطر.
1) حملة العرش ومن حوله:
جاء في سورة غافر قوله تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7))، كما جاء في سورة الحاقة قوله تعالى: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17))، ويتضح من هاتين الآيتين أن من الملائكة من يحملون العرش، ومنهم من يكونون حول العرش المجيد، وأنه في يوم القيامة يحمله ثمانية وقد ورد في التفسير أن هؤلاء الثمانية قد يكونون ثمانية أملاك أو ثمانية أصناف أو صفوف (الصلابي، 2010)، وقد ذكر مختصر تفسير ابن كثير حول الآية (7) من سورة غافر “قال شهر بن حوشب رضي الله عنه : حملة العرش ثمانية: أربعة يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك”.
ويقول الصلابي (2010) في معرض بيان مدح الله تعالى للملائكة من حملة العرش والملائكة الذين يطوفون حول العرش: “وتخصيص هذين الصنفين من الملائكة بالذكر في الموضعين السابقين دليل على ما لهما من شأن عظيم، إذ اختارهم الله تعالى لحمل عرشه العظيم والطواف من حوله، فلا شك انهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم وأقربهم منه سبحانه وتعالى”, كما نقل الصلابي أيضا عن ابن كثير قوله عن الملائكة المقربون: “ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش، وهم أشرف الملائكة مع حملة العرش وهم الملائكة المقربون”، كما قال تعالى في سورة النساء: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ…. الآية (172))، ويتابع الصلابي (2010) موضحا من هم أفضل الملائكة المقربين فيقول: “وأفضل المقربين رؤساء الملائكة الثلاثة الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم في دعائه الذي يفتتح به صلاته إذا قام من الليل حيث يقول: ((اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض… الحديث))”…. وبعد ذلك يعدد الصلابي صفات جبريل عليه السلام موضحا أنه أفضل الملائكة ويليه ميكائيل ثم إسرافيل.
2) النفخ في الصور:
صنف الصلابي (2010) نفخ الملائكة في الصور ضمن أعمال الملائكة المتعلقة ببني آدم، لكن العزازي (2016) يعتبر جميع أعمال الملائكة تندرج تحت مسمى واحد وهو “المدبرات أمرا” كما جاء في مطلع سورة النازعات التي تذكر عدة أسماء لأعمال الملائكة ويأتي في نهاية تلك الأسماء هذا الاسم الشامل: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5))، وقد جاء في مختصر تفسير ابن كثير: “(المدبرات أمرا) هي الملائكة تدبر الأمر من السماء إلى الأرض بأمر ربها” ويتفق مع ذلك قوله تعالى في سورة الذاريات: (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4))، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “هم الملائكة وكلهم الله بأمور عرفهم العمل بها، والوقوف عليها، بعضهم وكل ببني آدم يحفظون ويكتبون، وبعضهم وكل بالأمطار والنبات، والخسف والمسخ، والرياح والسحب”. ومن هذه الأعمال التي وكل الله فيها الملائكة المدبرات أمرا: النفخ في الصور، ويرى كاتب هذه السطور أن هذا العمل العظيم، الذي يقوم به أحد الملائكة المقربين –على خلاف بين العلماء إن كان هو إسرافيل عليه السلام أم لا-، لكنه عمل ضخم حيث تصل النفخة إلى جميع من في السماوات والأرض، فالأولى وضع هذا العمل العظيم بين أعمال الملائكة المتعلقة بأمر الملكوت، وقد ذكر الصلابي (2010) أن النفخ في الصور من دلائل اتصاف الملائكة الكرام بقدرات خارقة، حيث يقول تعالى في سورة الزمر: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68))، فهذه النفخة يصعق لها من في السماوات والأرض، فكم تكون قوة هذا الملك الكريم حتى يصل صوت تلك النفخة إلى أطراف السماوات الواسعة؟… والله أعلم.
أما حول معنى كلمة الصور وعن أسمائه وأصواته فقد ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: جاء إعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم سائلا: ما الصور؟ قال: ((الصور قرن ينفخ فيه))، وذكر مختصر تفسير ابن كثير حول قوله تعالى من سورة الحاقة: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13))، ذكر أن الله تعالى يخبرنا عن أهوال يوم القيامة وأولها النفخ في الصور وهي ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفزع، ثم يعقبها نفخة الصعق حين يصعق من في السماوات والأرض، إلا من شاء الله، ثم بعدها نفخة القيام لرب العالمين، وقد أكدها ههنا بأنها واحدة لأن أمر الله لا يخالف ولا يمانع، ولا يحتاج إلى تكرار ولا تأكيد.
كما جاء في سورة المدثر قوله تعالى: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8))، ففي هذه الآية الكريمة يوصف الصور باسم الناقور، ويقول الصلابي (2010) أن الله تبارك وتعالى قد سمى الصوت الذي يخرج من نفخ الملك المكلف بالنفخ في الصور بأسماء هي: النفخة وهو الاسم المذكور في آية سورة الحاقة المذكورة أعلاه، والراجفة في قوله تعالى من سورة النازعات: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6))، والزجرة كما في قوله تعالى من سورة النازعات أيضا: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13)).
المراجع:
-مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.
-البوطي، م. س. (1997): كبرى اليقينيات الكونية – وجود الخالق ووظيفة المخلوق، دار الفكر المعاصر، بيروت، 392 ص.
-الحوالي، س. (معاصر): شرح العقيدة الطحاوية.
-الصلابي، ع. (2002): السيرة النبوية، دار الإيمان للطبع والنشر، الإسكندرية، مصر، 2 مجلد.
-الصلابي، ع. (2010): سلسلة أركان الإيمان، (2) الإيمان بالملائكة، مركز الكتاب الأكاديمي، 213ص.
-العزازي، ع. (2016) وظائف وأعمال الملائكة مع الأدلة (موقع الألوكة)،
-القصير، ع. (2016): أعمال ووظائف الملائكة، موقع الألوكة.
-المدهون، مي (2009): الملائكة والجن – دراسة مقارنة في الديانات السماوية الثلاث (اليهودية – النصرانية – الإسلام). رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى –مكة المكرمة، السعودية، 469 ص.
بقلم: د.سعد كامل
أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر
saadkma2005@yahoo.com