البحث العلمى

مفهوم الكون الكبير (47) من مواقف القيامة: الحشر والحساب والشفاعة والحوض

 

بقلم: د.سعد كامل

حشر الصلاة وحشر الحجيج وحشر الحساب:

ينادي  المؤذن للصلاة حول العالم خمس مرات كل يوم، فنرى جموع المصلين تهرع إلى المساجد لأداء الصلاة، ويجتمع عدد أكبر من المسلمين كل يوم جمعة لأداء الفريضة في مسجد الحي، فهذا حشر صغير إسبوعي. ويكون اجتماع الجمعة أكبر من الاجتماع للصلوات اليومية . وقد يجتمع المسلمون خلال العام مرات قليلة لصلوات متعددة مثل: صلاة التراويح، وصلاة الاستسقاء، وصلوات الخسوف والكسوف، وصلاة العيدين. فكل هذه الصلوات تعتبر اجتماعات في صورة حشد أكبر من اجتماع الجمعة، لذلك يؤدى بعضها في مصلى العيد بالخلاء، ومن الممكن أن يؤدي المسلم فريضة الحج إذا استطاع إليه سبيلا، وهناك في مكة المكرمة على جبل عرفات يجتمع الحجيج لأداء ركن الحج الأكبر، وفي ذلك الموقف يجتمع أعداد من المسلمين يتراوح عددهم بين 3 إلى 5 مليون سنويا… فهذا حشد أكبر من الحشود المذكورة أعلاه.

وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة)) رواه مسلم، وفي رواية ابن حبان من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله إلى سماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء)) وفي رواية: ((إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته، فيقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبادي، قد اتوني شعثا غُبراً ضاحين))، فلا يعرف أحد من المشتركين في حشود تلك العبادات هل سيقبل الله منه لأنه من المقبولين؟ أم أن الله تعالى سيقبله مع المقبولين الذين جاء معهم؟

جاء في كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي رحمه الله: ويروى عن علي بن موفق قال: حججت سنة فلما كان ليلة عرفة نمت بمنى في مسجد الخيف فرأيت في المنام كأن ملكين قد نزلا من السماء عليهما ثياب خضر فنادى أحدهما صاحبه: يا عبد الله فقال الآخر: لبيك يا عبد الله “قال: تدري كم حج بيت ربنا عز وجل في هذه السنة؟ قال: لا أدري قال: حج بيت ربنا ستمائة ألف أفتدري كم قبل منهم؟ قال: لا، قال: ستة أنفس، قال: ثم ارتفعا في الهواء فغابا عني فانتبهت فزعاً واغتممت غماً شديداً وأهمني أمري فقلت: إذا قبل حج ستة أنفس فأين أكون أنا في ستة أنفس؟. فلما أفضت من عرفة قمت عند المشعر الحرام فجعلت أفكر في كثرة الخلق وفي قلة من قبل منهم؛ فحملني النوم فإذا الشخصان قد نزلا على هيئتهما؛ فنادى أحدهما صاحبه وأعاد الكلام بعينه ثم قال: أتدري ماذا حكم ربنا عز وجل في هذه الليلة? قال: لا، قال: فإنه وهب لكل واحد من الستة مائة ألف، قال: فانتبهت وبي من السرور ما يجل عن الوصف (إحياء علوم الدين).

فالحمد لله الذي جعلنا نتعبد له سبحانه وتعالى -وهو الغني عن عبادتنا-، جعلنا نؤدي العبادات في جماعات تتدرج من عدد قليل في الصلوات المفروضة، ثم يزيد العدد في صلاة الجمعة الإسبوعية، ثم يزداد العدد في مسجد المدينة أو مصلى العيد وفي غيرها من الصلوات السنوية أو التي تتكرر مرات قليلة سنويا، ثم يزداد الحشد كثيرا في مناسك الحج. لذلك يأتي البعث ومن بعده الحشر للحساب كاجتماع وحيد بعد انقضاء الحياة الدنيا، ياتي في يوم القيامة، ويُحشر فيه جميع الخلائق منذ بدء الخلق إلى أن تقوم الساعة، فهذا هو الحشر الأكبر، حيث يُبعث الثقلين جميعا وغيرهم ممن أراد الله أن يبعثوا، وفي هذا اليوم لن يتكلم إلا من أذن له الرحمن سبحانه وتعالى، ويؤتى كل فرد كتابه ثم ينتقل على الصراط فإما أن ينجو وإما أن يهوي في الجحيم… فما أرحمك  يا ربنا، خلقتنا فهديتنا إلى طريق الحق المبين، وجعلت علينا ملائكة كتبة يكتبون أعمالنا، وملائكة حفظة يحفظوننا من المخاطر، وملائكة خزنة للجنة والنار، وأرسلت إلينا بالرسل الكرام عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، فاللهم سَلِّمْنَا في يوم الدين واحفظنا من النار.

من بشريات المؤمنين:

1)  لا يخافون ولا يحزنون  ولا يفزعون يوم الفزع الأكبر: يتلقى العبد المؤمن بشراه بالجنة عند الاحتضار من ملائكة قبض الأرواح المكرمين، وفي اليوم الآخر يستقبل الملائكة عباد الله الصالحين لتثبيت قلوبهم، وتأمينهم من الفزع الأكبر، قال تعالى في سورة الأنبياء: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)).

 

2) بياض وجوههم: قال تعالى في سورة آل عمران: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)).وقال تعالى في سورة عبس: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39))، قال الصلابي (2011) مسفرة: قيل مشرقة أو مضيئة أو مستنيرة.

3) الذين يظلهم الله في ظله: قال صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)) رواه البخاري ومسلم، وقد وردت أحاديث أخرى عن فئات يظلها الله تبارك وتعالى في ظله مثل: من يُنْظِر المُعْسِر أو يضع عنه. ونلاحظ هنا أحد الأبعاد الكونية من بشريات المؤمنين، فيمكن فهم هذه النصوص على أن الله تعالى يقرب هؤلاء المؤمنين حتى يظلهم العرش المجيد وهذا يعتبر أحد الأبعاد الكونية يوم القيامة، كما يمكن أن يكون المقصود أن تظلهم العناية الإلهية، بأن تحميهم الملائكة من الفزع الأكبر… والله أعلم

4) الذين يسعون في حاجة إخوانهم يفرجون كربهم: روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة… الحديث)).

ثم يعدد الصلابي (2011) حالات من فعل الخير يكون جزاؤها كبير يوم القيامة، مما يجعل الملائكة تبشر المؤمنين بالنعيم والسعادة، ومن هذه الحالات ما يلي: التيسير على المعسر، والعدل في الحكم ومع الأهل الذين هم رعيته، والشهداء والمرابطون فإن رباط يوم في سبيل الله يجعل المؤمن آمنا من الفزع الأكبر، والكاظمون الغيظ الذين يتخيرون ما يشاؤن من الحور العين، وعتق الرقاب الذي يسهل على المؤمن اقتحام العقبات يوم القيامة، والمؤذنون الذين هم أطول أعناقا يوم القيامة، والذين يشيبون في الإسلام فتكون شيبتهم نورا لهم يوم القيامة، وفضل الوضوء للذين يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء.

الشفاعة:

ثم يستعرض الصلابي (2011) الموقف التالي من مواقف القيامة وهو الشفاعة، فيسوق أدلتها من القرآن الكريم ومن السنة المطهرة، موضحا شروط الشفاعة المقبولة، وكذلك أسباب بطلان الشفاعة للكافرين، ثم يذكر أنواع الشفاعة.

وأكبر أنواع الشفاعة هي الشفاعة العظمى للرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك حين يذهب الناس إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ولما لم يقبل أي من الأنبياء عليهم السلام أن يشفعوا للناس  يذهب الناس إلى محمد صلى الله عليه وسلم يطلبوا منه أن يشفع لهم عند ربهم، ويقول الرسول: ((فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده، وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد من قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك سل تعطه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وبصرى)) رواه مسلم، ونلاحظ هنا بعدا كونيا في اتساع أبواب الجنة، فما بين المصراعين كما بين مكة وبصرى وهذه المسافة ممكن ان تتجاوز آلاف الكيلومترات، والله أعلم.

الحساب:

ذكر الله سبحانه وتعالى مشهد الحساب والجزاء حيث قال عز وجل في سورة الزمر: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69))، يوضح الصلابي (2011) معنى الحساب فيقول: الحساب هو أن يقف العباد بين يدي الله تبارك وتعالى، وان يُعَرَّفوا بما عملوا، ثم يستلموا كتبهم بأيمانهم إن كانوا مؤمنين صالحين، أو بشمالهم إن كانوا طالحين، وأول مواقف الحساب هو إيتاء العباد كتبهم، كما جاء في سورة الانشقاق: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ( 8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12))، فالذي يؤتى كتابه بيمينه سيكون حسابه يسيرا، فسوف يذهب إلى أهله في الجنة مسرورا، وأما الذي يؤتى كتابه بشماله ومن وراء ظهره، فسوف يعض أصابع الندم ويذهب إلى الجحيم والعياذ بالله.

وللكافرين معاملة تتناسب مع كفرهم فلا يُسألون عن ذنوبهم، كما جاء في سورة القصص: (وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78))، وقوله تعالى من سورة المرسلات: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36))، ويشير الصلابي (2011) إلى قول العلماء أن الكافرين يُسألون يوم القيامة في موطن دون موطن، فموطن يكون فيه سؤال وكلام، وموطن لا يكون ذلك، كما قال العلماء إن الكفارلا يُسألون سؤال شفاء وراحة بل سؤال تقريع وتوبيخ، كما أن الملائكة إذا ساقوا الكافرين إلى النار يعرفونهم بسواد وجوههم زرقا مكروبين، كما جاء في تذكرة القرطبي.

ويتفاوت الكفار في مكانتهم من النار حسب ذنوبهم، فالنار دركات تحت بعض كما قال تعالى في سورة النساء: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)). وهذا يؤكد أن النار طبقات تحت بعض ويتوافق ذلك مع مخطط الكون المقترح (انظر الصورة المرفقة أعلاه) أن السماوات السبع لها نصف سفلي بعيدا عن العرش فيه النار، وللسماوات السبع نصفا علويا باتجاه العرش فيه الجنة، ونسأل الله أن يدخلنا الجنة بسلام.

أسس العدل الإلهي

ويذكر الصلابي (2011) القواعد التي يحاسب المولى عز وجل الناس على أساسها، ويورد تحت كل منها نصوصا من القرآن والسنة المطهرة، وننقل هنا عناوين هذه القواعد، فهي أسس عامة للعدل الإلهي، لكن لا نجد أنها ترتبط بالأمور الكونية، فنذكر العناوين التي تتضمن ما يلي:

1)            عدل الله التام.

2)            لا يتحمل أحد ذنب أحد.

3)            إطلاع العباد على ما قدموه من اعمال.

4)            مضاعفة الحسنات دون السيئات.

5)            تبديل السيئات إلى حسنات.

اقتصاص المظالم بين الخلق:

يُقتص للناس بعضهم من بعض في يوم القيامة، فالحساب لظلم العبد نفسه، وظلمه لغيره من الناس، وحيث أن القصاص لا يكون بالمال أو السجن كما يحدث في الدنيا، بل يكون بالحسنات والسيئات، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه قدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)) رواه البخاري، فإن تنفيذ هذه النصيحة النبوية بأن يتحلل العبد من المظالم التي وقعت منه على من حوله، وذلك حفاظا على رصيده من الحسنات، وحماية لنفسه من أن يؤخذ من سيئات المظلومين وتوضع عليه والعياذ بالله، كما أن أول ما يقضى بين الناس مظالم الدماء.

الحوض:

ما رأيكم أيها الأحباب؟

لو قام كبير القوم بعمل حفل استقبال لأهل البلد جميعا،

فكيف سيكون نظام ذلك الحفل؟ وما الذي سوف يوضع لتحية الناس من طعام وشراب؟

فهاهنا حفل استقبال جميع الخلق من المؤمنين من الإنس والجن، الذين خلقهم الله سبحانه وتعالى من بداية الخلق إلى يوم القيامة… لا شك أن ذلك الحفل سيكون حفلا مذهلا الناجي منا سيحضره في ذلك اليوم العظيم، فيكفي أنك سوف تلتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوف تأخذ من يده الشريفة كأسا من ماء الحوض فتكون شربة هنيئة لا تظمأ بعدها أبدا، جعلنا الله وإياكم ممن يشربون من ذلك الحوض.

وعلى الجانب المظلم من المشهد سوف ترى الكافرين المحرومين من رحمة الله يتصببون عرقا، ويتمنى كل منهم أن يعود للدنيا ليصحح عمله لعله يفوز، لكن هيهات… وتراهم يتلاومون بإلقاء كل منهم التهمة على أمه وأبيه وعلى المضلين من سدنة الأوثان وغيرهم، ولكن لا حياة لمن ينادي.

ألا يستوجب ذلك التكريم للمؤمنين الذي جاء في القرآن وفي السنة النبوية؟ ألا يستوجب استعدادا؟

قال تعالى في سورة الكوثر: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3))، وروى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: ((أنزلت عليَّ آنفا سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3))، ثم قال: ((أتدرون ما الكوثر؟)) فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، عليه حوض تَرِد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم قأقول: رب إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك))، وذلك يدل على أن الحوض يتفرع من النهر، ويدل الحديث أن الحوض موجود في عرضات يوم القيامة قبل دخول الجنة، لقوله: ((فيختلج العبد منهم))… وهذا لا يكون في الجنة، لأنهم في الجنة لا يمنعون من شيء يشتهونه، وقد يبدو من ظاهر النص أن المختلجين هم ممن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتدوا بعده، لكن العلماء يشيرون  أيضا إلى من بدل أو أحدث في الدين ما ليس منه بعد وفاة النبي إلى يوم القيامة (انظر الصلابي، 2011).

روى مسلم في صحيحه أيضا عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن حوضي لأبعد من أبله (مدينة شمال الشام) من عدن، والذي نفسي بيده إني لأذود عنه الرجال كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه، قالوا: يا رسول الله، وتعرفنا؟ قال: نعم تردون عليَّ غرا محجلين من آثار الوضوء))، فانظر أيها القاريء الكريم إلى التجهيزات العظيمة لذلك اليوم العظيم، انظر إلى تكريم خير خلق الله بتخصيص نهر عظيم من أنهار الجنة له صلى الله عليه وسلم، وانظر إلى اتساع الحوض الذي هو من روافد نهر الكوثر، إنه حوض يصل اتساعه إلى آلاف الكيلومترات، وانظر إلى عدد الآنية التي سوف تخدم المؤمنين من أهل المحشر، إنها بعدد النجوم، ونحن نعرف أن النجوم لا تعد ولا تحصى، ففي الكون المدرك 300 ألف مليون مجرة، وكل مجرة فيها نحوا من تريليون من النجوم، ناهيك عن النجوم التي توجد في السماوات العلى التي لا يعلمها ولا يحصيها إلا الله…. سبحانك ربي ما أكرمك؟ سبحانك ربي ما أعظمك؟ نحمدك ربنا حمدا يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك وسعة عطاءك.

الخلاصة:

تناول المقال سنة الحشود والجماعات، حيث يجتمع المسلمون يوميا في الجماعات، وإسبوعيا في صلاة الجمعة، كما يجتمعون مرات معدودة سنويا في صلوات من النوافل كصلاة العيدين وغيرها، كما أن هناك حشدا سنويا يجتمع فيه المسلمين من شتى بقاع الأرض في مكة المكرمة لأداء مناسك الحج… ويشاء المولى عز وجل أن تبدأ أعمال يوم القيامة بالحشد الأكبر الذي يجتمع فيه جميع الخلائق منذ بدأ الخلق إلى يوم البعث… فهل استعد كل منا لذلك اليوم العظيم؟

ثم استعرض المقال بعض بشريات المؤمنين في ذلك اليوم العظيم ومنها: أنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا يفزعون يوم الفزع الأكبر، وأنهم يبعثون بوجوه بيضاء منيرة، وأن الله تعالى يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ويفرج عنهم من كربات يوم القيامة نظير قيامهم بفك كربات الناس في الحياة الدنيا، ومن البشريات أيضا أن الله تعالى يثيبهم على كل أعمال الخير التي قدموها في الدنيا خير الجزاء من جنس كل عمل من أعمال الخير.

ثم يذكر المقال موقف الشفاعة مع التركيز على الشفاعة العظمى للرسول صلى الله عليه وسلم، ويذكر حديث الشفاعة حيث يسجد عليه الصلاة والسلام تحت العرش، ويقال له: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن للجنة، ويشير صلى الله عليه وسلم إلى أن باب الجنة واسع جدا لأن ما بين المصراعين كما بين مكة وبصرى.

ومن ثم ينتقل المقال إلى مشهد الحساب حيث يقف الخلائق بين يدي الله تعالى، ويستلموا كتبهم باليمين للمؤمنين، وبالشمال للطالحين الذين يُسألون سؤال توبيخ، ويختلف المؤمنين عن الفاسدين أن وجوه المؤمنين تكون بيضاء منيرة، بينما وحوه الفاسدين سوداء كالحة. ويتضمن موقف الحساب اقتصاص المظالم بين الخلق، لذلك ينصحنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحلل من المظالم في الدنيا، حفاظا على رصيد الحسنات وحماية لأنفسنا من زيادة أحمالنا من سيئات الآخرين.

ثم يأتي موقف الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، والحوض من روافد نهر الكوثر الذي ينبع من الجنة، لكن الحوض يكون على أرض الحساب حيث يشرب منه المؤمنين بالرسول الكريم الذين لم يبدلوا في الدين بعده صلى الله عليه وسلم، والحوض طول ضلعه يصل إلى آلاف الكيلومترات، وآنيته بعدد النجوم.

المراجع: 

  • مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.
  • إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (450 هـ – 505 هـ).
  • الصلابي، ع. (2011): سلسلة أركان الإيمان، (5) الإيمان باليوم الآخر (فقه القدوم على الله)، دار المعرفة، بيروت – لبنان، 435 ص.

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.