أراء وقراءات

مفهوم الكون الكبير (50) مكان الجنة والنار

بقلم: د.سعد كامل 

نصوص شرعية حول مكان الجنة والنار:

تتفاوت الآراء في ذلك، حيث يرى الصلابي (2011) وغيره أن الجنة فوق السماء السابعة، وأن النار في الأرض السابعة، ويرى كاتب هذه السطور أن الجنة فوق الأرضين السبع التي تقع فوق السماوات العُلى، ويرى أن النار فوق الأرضين السفلى، كما جاء في مخطط الكون (شكل 1)، ويعتقد كاتبنا أن هذا الرأي يتوافق مع نموذج بنية السماوات السبع للسمان (2017)، وأن هذا الاختيار يعتبر استنتاجا قائما على النصوص الشرعية المذكورة في مقالات سابقة، ويضاف إلى ذلك ما يلي:

مفهوم الكون الكبير (50) مكان الجنة والنار 2

شكل رقم (1): مخطط مقترح للكون، مع وصف موجز لمكونات الكون.

((لو الشكل لا يظهر: فضلا اضغط على الفراغ أعلاه))

-لاحظ كاتب هذه السطور اختلافا طفيفا بين نموذج السمان (2017) وبين تفاصيل رحلة المعراج التي وردت ضمن روايات حديث الإسراء المتواترة، التي يذكر الإمام ابن كثير (في تفسيره للآية الأولى من سورة الإسراء) أنها وردت عن أكثر من عشرين من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ويؤكد أن حديث الإسراء قد أجمع عليه المسلمون وأعرض عنه الزنادقة والملحدون… وقد ذكر ابن كثير في عرض موجز لرحلة المعراج أن الرسول صلى الله عليه وسلم استقبله في كل سماء مقربوها، وسلم على الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم، حتى مر بموسى الكليم في السماء السادسة، وإبراهيم الخليل في السابعة. وقد استنتج الباحث من فهم حديث الإسراء والمعراج أن السماوات التي التقى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء تعتبر من الجنان التي في السماوات العلى بما يليق بأنبياء الله عليهم السلام. وأن أهل كل سماء يسكنون فوقها، بعد اجتياز الأبواب والاستئذان.

-وعليه يمكن القول أن الأرض الأولى من الأرضين السبع (فلكيا) تقع فوق السماء الأولى، والثانية فوق السماء الثانية، وهكذا حتى تكون الأرض السابعة فوق السماء السابعة، وذلك حيث التقى الرسول صلى الله عليه وسلم بإبراهيم عليه السلام، ويتفق ذلك مع رأي عمري (2004) أن الكرة الأرضية ليست من الأرضين السبع مع اختلاف في التفاصيل … والله أعلم، ويوضح مخطط الكون المقترح في البحث الحالي (شكل 1) ذلك في صورة بسيطة، كما يمكن ملاحظة التماثل بين السماوات السبع (لأعلى) والأرضين السبع (لأسفل) على ذلك المخطط.

-كما نلاحظ عند مطالعة الآيات القرآنية، مع دراسة التفسير نلاحظ أن القرآن الكريم يستخدم مصطلح “الأرض” للإشارة إلى الجزء السفلي من السماوات السبع، كما أن القرآن الكريم يستخدم مصطلح “السماوات” و “السماوات العلى” للإشارة إلى الجزء العلوي لتلك السماوات، ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن كثير ضمن تفسير قوله تعالى من سورة الفرقان: ((الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)) حيث جاء في التفسير: “(الذي خلق السماوات والأرض) أي هو خالق كل شيء وربه ومليكه، الذي خلق بقدرته وسلطانه السماوات السبع في ارتفاعها واتساعها، والأرضين السبع في سفولها وكثافتها”، فهو هنا يقصر معنى كلمة السماوات على جهة العلو، ويحدد كلمة الأرضين أنها تشير إلى جهة السفل، وهناك العديد من الإشارات القرآنية التي تشير إلى هذين المصطلحين بنفس المفهوم، بالتالي يجب الانتباه إلى المقصود في كل آية من الآيات التي تذكر السماوات والأرض: هل المقصود هو المعنى الفلكي (اللغوي) -المذكور أعلاه-، أم المعنى الاصطلاحي القرآني المشار إليه هنا.

-وفى صحيح البخارى عن أبى هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيل الله ما بين الدرجتين، كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة .

كلام قيم لابن القيم:

جاء في حادي الأرواح لابن القيم حول هذا المعنى قوله: “قال شيخنا أبو الحجاج المزي: والصواب رواية من رواه وفوقُه بضم القاف على أنه أسم لا ظرف، أي: وسقفه عرش الرحمن؛ فإن قيل: فالجنة جميعها تحت العرش والعرش سقفها، فإن الكرسي وسع السموات والأرض والعرش أكبر منه، قيل: لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مما دونه من الجنات بحيث لا جنة فوقه دون العرش كان سقفا له دون ما تحته من الجنات، ولِعظم سعة الجنة وغاية ارتفاعها يكون الصعود من أدناها إلى أعلاها بالتدريج شيئا فشيئا درجة فوق درجة، ويرى الباحث الحالي أن ذلك يتفق مع مفهوم الكون في المخطط المقترح (شكل 1)، ويرجو الباحث من القاريء الكريم أن يتفكر في استنتاج الإمام ابن القيم أن جنة الفردوس تحت العرش مباشرة فيكون لها سقفا دون ما تحتها من الجنات، فذلك يؤكد على فهمنا أن الجنة فوق السماوات العلى، وأن أعلاها الفردوس الأعلى.

-وروى الحاكم (8698) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، قَالَ: ” إِنَّ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ ، وَإِنَّ النَّارَ فِي الْأَرْضِ ” وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .وقد جاء في حادي الأرواح لابن القيم حول هذا المعنى قوله: “قال تعالى: (وَفِي ‌ٱلسَّمَآءِ ‌رِزۡقُكُمۡ ‌وَمَا ‌تُوعَدُون) الذاريات: 22، قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: “هو الجنة”، وكذلك تلقاه الناس عنه، وقد ذكر ابن المنذر في تفسيره وغيره أيضا عن مجاهد قال: “هو الجنة والنار”. وهذا يحتاج إلى تفسير فإن النار في أسفل السافلين ليست في السماء، ومعنى هذا ما قاله في رواية ابن أبي نجيح عنه وقاله أبو صالح عن ابن عباس: الخير والشر كلاهما يأتي من السماء. وعلى هذا فالمعنى: أسباب الجنة والنار بقدر ثابت في السماء من عند الله.

ويرى الباحث الحالي أنه يمكن فهم كلام مجاهد الذي رواه ابن المنذر في تفسيره أن الجنة والنار في السماء بالمعنى المتفق مع ظاهر النص دون تأويل، وذلك وفق المعنى الفلكي للسماوات المشار إليه سابقا (شكل 1) أي أن السماوات السبع تحيط إحاطة تامة بالكون المدرك، وأنها تنقسم إلى سماوات عليا فيها الجنات، وسماوات سفلى فيها الجحيم.

بين المعنى الفلكي والمعنى الاصطلاحي للسماوات والأرضين:

-ورد عن الحسن البصري قوله: “خلق الله سبع سماوات طباقا على سبع أرضين، بين كل أرض وأرض، وسماء وسماء خلق وأمر”. وقوله: “سبع سماوات طباقا أي متشابهة هذا مطابق لهذا أي شبيه به، أو بعضها فوق بعض، وسبع أرضين بعضها فوق بعض، بين كل سماء وأرض خلق وأمر” الدر المنثور: ج 14، ص 564.

يمكن القول أن هذين القولين للإمام الحسن البصري يتضمنا كلا من المعنى الفلكي والمعنى الاصطلاحي للسماوات، فالنص الأول يشير إلى المعنى الفلكي للسماوات في شطره الأول بقوله أنهن سبع سماوات على سبع أرضين، وفي الشطر الثاني منه يشير إلى المعنى الاصطلاحي القرآني للسماوات حيث يميز ما بين كل أرض وأرض عما بين كل سماء وسماء من الخلق والأمر… أما في النص الثاني فيشير إلى المعنى الفلكي للسماوات التي يعلو كلا منها أرضا حيث يشير إلى أن ما بين كل سماء وأرض خلق وأمر.

السماوات جنانا والأرض كلها نار:

-ورد في مختصر تفسير ابن كثير حول قوله تعالى من سورة إبراهيم: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)) قال: أي أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، وقال الربيع، عن أبي بن كعب قال: “تصير السماوات جنانا”، وقال الأعمش: عن عبد الله بن مسعود: “الأرض كلها نار يوم القيامة”… ونلاحظ في هذين الأثرين النص بوضوح على أن الجنة في السماوات كلها، وأن النار في الأرضين، وذلك يتفق مع مخطط الكون المقترح (شكل 1). ويؤكد ذلك ما ورد عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى من سورة الأنبياء: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)) قال: “أرض الجنة”. كما أشار ابن كثير إلى أن الأرض في هذه الآية يمكن أن تُحْمَلَ على انتشار الدين في الفتوحات الإسلامية.

-وجاء في موقع الشيخ ابن العثيمين -رحمه الله- وصفا موجزا لمكان الجنة والنار (الصورة الرئيسية).

-كما ورد في مختصر تفسير ابن كثير أيضا حول قوله تعالى من سورة الشعراء: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)) قوله: “(وأزلفت الجنة) أي قربت وأدنيت من أهلها مزخرفة مزينة لناظريها، وهم المتقون، وقوله تعالى (وبرزت الجحيم للغاوين) أي أظهرت وكشف عنها، وبدت منها عنق فزفرت زفرة بلغت منهم القلوب الحناجر”. … ويتضح من هذا النص أن تقريب الجنة للمتقين قد يشير إلى سهولة وصول المتقين إلى دار النعيم، حيث يسرعون على الصراط كالبرق فيقطعون المسافات الكبيرة بين الجنان في السماوات العلى في وقت قصير، والله أعلم. كما يتضح أيضا أن الذي يبرز ليس كل جهنم ولكن جزء منها وهو الذي يزفر زفرة لإلقاء الخوف في قلوب الغاوين، وقد ورد في مختصر تفسير ابن كثير حول قوله تعالى من سورة الفجر: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ … الآية (23)) قوله: “روى الإمام مسلم في صحيحه: عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون الف ملك يجرونها)).

الحوار الثقافي حول مكان الجنة والنار:

جاء فى سفر التكوين‏ (‏تكوين ٢:‏٧-‏١٥‏)‏ وصف الكتاب المقدس الجنة بأنها مكان حقيقى عاش فيه الزوجان البشريان الأولان حياة خالية من المرض والموت. ولكن لم يُسمح لهما بالبقاء فيها لأنهما عصيا الله، ويرى مزمور ١١٥:‏١٦‏‏ أن “السموات سموات ليهوه،‏ أما الأرض فأعطاها لبنى البشر”. بينما جاء فى إنجيل متى 25 عدد 34 و41 و46 “يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، ثم يقول أيضا للذين عن اليسار اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس، فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى والأبرار إلى حياة أبدية” (انظر الشريف، 2018). ولا شك أن في ذلك فرصا للتعاون بين البشر المؤمنين بالله الخالق لتحقيق هذه النصوص وصولا إلى المفهوم الأفضل للكون الكبير.

المراجع:

  • مراجع التفسير والحديث الشريف المذكورة في النص.
  • الشريف، أ (2018): أين الجنة والنار؟ جريدة اليوم السابع، القاهرة (30 أكتوبر 2018).
  • السمان، ع, (2017): حول بناء السماوات والأرض، رؤية علمية إيمانية. المؤتمر العلمي الدولي الخامس بكلية اللغة العربية – جامعة الأزهر بالزقازيق، (آفاق الإعجاز في القرآن الكريم).
  • الصلابي، ع (2011): سلسلة أركان الإيمان، (5) الإيمان باليوم الآخر (فقه القدوم على الله)، دار المعرفة، بيروت – لبنان، 435 ص.
  • عمري، ح. (2004): خلق الكون بين الآيات القرآنيّة والحقائق العلميّة، مؤتة للبحوث والدّراسات (سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة)، المجلد 19، العدد 4 ، ص 11 –41 .

مفهوم الكون الكبير (50) مكان الجنة والنار 3

بقلم: د.سعد كامل

أستاذ مشارك في الجيولوجيا – الإسكندرية – مصر

saadkma2005@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.