الأم زينب تحمل ابنها عبد المنعم الذي يعاني من مرض نادر على كتفها من الحضانة حتى الجامعة بصبر وإرادة
بقلم / مدحت سالم
منذ فجر الإنسانية، كانت الأمومة رمز التضحية والحنان، ورافعة لأسمى معاني العطاء. وما تجسده السيدة زينب الشربيني من تفانٍ في خدمة ابنها عبد المنعم يثير في النفس مشاعر الإجلال والتقدير، لتصبح قصة حياتها نموذجًا إنسانيًا خالدًا يخلد في سجلات القيم النبيلة. في هذا المقال، نسلط الضوء على تفاصيل تلك الملحمة الإنسانية العظيمة التي تجاوزت حدود الجسد والإرادة، متعمقين في جذور المفاهيم الفلسفية والاجتماعية للأمومة.
الأمومة نموذج تاريخي للتضحية والعطاء
الأم ليست مجرد مربية أو راعية، بل هي تجسيد حي لمعنى التضحية غير المشروطة. يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر (( الإنسان هو ما يصنعه بنفسه )) إلا أن الأم تصنع نفسها من خلال الآخر، من خلال أبنائها. السيدة زينب الشربيني تحمل ابنها على كتفيها منذ طفولته وحتى دراسته الجامعية وكأنها تعلن انتصار الروح الإنسانية على قيود الجسد.
الديانات السماوية أعلت من شأن الأم، فجاء في القرآن الكريم: (( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا )) وفي الكتاب المقدس نجد وصية المسيح عليه السلام: (( أَكْرِم أَبَاكَ وَأُمَّكَ )) وكلا النصين يؤكد أن الأم تضحي بصحتها وحياتها من أجل أبنائها.
زينب الشربيني: قصة أم تتحدى المستحيل
بدأت رحلتها منذ كان عبد المنعم في رياض الأطفال، حيث اعتادت أن تحمله يوميًا إلى مدرسته، متحدية كل الصعوبات الصحية والاجتماعية والمادية. تقول السيدة زينب: (( الإرادة والإيمان بالله هما جناحا النجاح وأملي الوحيد أن أراه رجلاً ناجحًا يخدم مجتمعه)) . هنا نرى مثالًا حيًا للأم التي تجعل من آلامها سلمًا يرتقي به أبناؤها
في اليابان التي تُعد واحدة من أكثر الدول تقدمًا، تُعطى الأم مكانة عظيمة باعتبارها حجر الأساس في تنشئة الأجيال. ويقول المثل الياباني: (( اليد التي تهز المهد تهز العالم )) كذلك في دول الشمال الأوروبي، تُوفر الحكومات برامج دعم شاملة للأمهات ذوات الاحتياجات الخاصة مما يعكس أهمية الاعتراف بدور الأمومة في بناء المجتمعات.
يرى عالم النفس كارل يونغ أن الأم هي المصدر الأول للحب غير المشروط، وهي التي تُعلم الطفل معنى الأمن والاطمئنان. ويضيف قائلاً: “A mother’s arms are more comforting than anyone else’s” (( ذراعا الأم هما أكثر الأماكن راحة في العالم )). و يقول الإمام عبد القادر الجيلاني: (( الأم هي البئر التي لا ينضب ماؤها، والحب الذي لا ينفد عطاؤه ))
يقول الأديب الأمريكي مارك توين (( والدتي عانت معي كثيرًا، ولكن أعتقد أنها استمتعت بذلك )). وفي السياق ذاته، قال أرسطو: (( الأمومة هي أعظم فضيلة تهديها الطبيعة للإنسان ))
إن قصة الحاجة زينب الشربيني وابنها عبد المنعم ليست مجرد حكاية فردية، بل هي رسالة إنسانية خالدة تذكرنا بأن الأمومة ليست قيدًا بل هي أفقٌ واسع يحمل في طياته القدرة على التغيير والإلهام. تبقى الأم دائمًا هي النبراس الذي ينير دروب الأبناء، حتى لو كلفها ذلك كل ما تملك.
رسالة محملة بعبق الإجلال والامتنان
إلى أبناء هذا الوطن الكريم وإلى كل من يعي معنى القيم الإنسانية النبيلة نوجه هذه الرسالة المحملة بعبق الإجلال والامتنان إلى قلوبكم جميعًا حيث نقف اليوم أمام مشهد إنساني سام تتجسد فيه أسمى معاني التضحية والوفاء والإيمان في صورة سيدة عظيمة اسمها زينب الشربيني حملت على عاتقها رسالة الأمومة في أعمق معانيها وأشد تجلياتها وأقدس أشكالها فأصبحت رمزًا خالدًا للعطاء الذي لا ينضب وللحب الذي لا يعرف حدودًا
زينب الشربيني ليست مجرد أم بل هي أسطورة من الإرادة تتحدى المستحيل وتقهر قسوة الأيام بجسارة لا تعرف الانحناء وصدق لا يعرف المساومة هي التي حملت ابنها عبد المنعم منذ نعومة أظفاره على كتفيها ليواصل دربه التعليمي من رياض الأطفال إلى محراب الجامعة لم ترضخ للظروف ولم تلتفت إلى العقبات بل صنعت من صبرها صرحًا ومن حنانها جناحين يحلق بهما ابنها نحو أحلامه.
عنوان الشرف الإنساني وسفيرة القيم العليا
أيها المجتمع الكريم إن هذه الأم هي عنوان الشرف الإنساني وسفيرة القيم العليا إنها درس عميق في معنى التضحية ورسالة حيّة تخاطب الضمائر وتوقظ القلوب وتدفعنا جميعًا إلى إعادة النظر في مفاهيم الإيثار والوفاء والإرادة هي التي ترسم لنا لوحة ناصعة من الأمومة التي خلدتها الشرائع السماوية في أبهى صورها فها هو القرآن الكريم يوصي بالوالدين إحسانًا ويتوج الأم تاج العظمة في قوله تعالى ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين
إن الاحتفاء بهذه السيدة العظيمة ليس واجبًا تجاهها فقط بل هو واجب تجاه أنفسنا وتجاه كل من يأتي بعدنا إنه واجبنا أن نكرّم من يصنعون الجمال في حياتنا ويعيدون إلينا الإيمان بأن الإنسان قادر على أن يتجاوز أعتى المحن وأن يُشرق في أحلك الظروف إنها فرصة لنصنع من تكريمها أيقونة تتناقلها الأجيال ونثبت لأنفسنا أن المجتمعات التي تكرم رموزها هي مجتمعات ترتقي بالإنسان وتسمو بالقيم
مثال يحتذى به وتكريمها واجب
فلنجعل من هذه السيدة العظيمة مثالًا يحتذى به ولنجعل من قصتها إرثًا خالدًا يُروى في المدارس والجامعات ولنوثق سيرتها لتكون نورًا يهدي كل أم وكل أب وكل إنسان يسعى لأن يجعل من الحب والإيمان قوة تغير العالم زينب الشربيني هي صوت الأمومة التي لا تنطفئ وهي شعاع الأمل الذي لا يغيب وهي درس العزيمة الذي لا ينسى
يا أيتها الأم العظيمة يا زينب يا من حملتِ الحياة على كتفيكِ يومًا بيوم وخطوة بخطوة وكنتِ صخرة صامدة في وجه المستحيل لقد صنعتِ تاريخًا لا ينسى وأيقظتِ فينا شعلة الإيمان بمعنى الأمومة الحقة فسلام عليكِ وعلى كل خطوة خطوتها وعلى كل دمعة ذرفتها وعلى كل ابتسامة رسمتها على وجه ابنك سلام على قلبك الذي احتوى العالم كله بحب صاف وسلام على روحك التي أضاءت لنا الطريق.
مدحت سالم
كاتب وباحث