“ميليشيا الجنجويد” فقدت الكثير من قياداتها الميدانية
استسلام بقية قيادات "الميليشيا" الميدانية أمر وارد
كتبت : د.هيام الإبس
استسلام اللواء أبو عاقلة كيكل بكامل قواته ومعداتها وآلياتها الحربية وخضوعه للقوات المسلحة وانحيازه للوطن ورجعوه للحق، شغل بال المشهد السوداني، وأقام الوسائط ولم يقعدها، عطفاً على أهمية كيكل وما يتمتع به من نفوذ في ولاية الجزيرة التى يعتبر فيها رجل مليشيا الدعم السريع الأول، وبحسب مراقبين فإن استسلامه تعتبر صفعة قوية فى وجه الميليشيا المتمردة التى ظل قادتها الميدانيون يتساقطون خلال الفترة الماضية تساقط أوراق الأشجار فى فصل الخريف.
فقدان قيادات ميدانية مؤثرة
وفقدت ميليشيا الدعم السريع فى الآونة الأخيرة عدداً كبيراً من قياداتها الميدانية المؤثرة فى مختلف محاور وجبهات القتال كان أبرزهم اللواء على يعقوب جبريل قائد الدعم السريع بولاية وسط دارفور ومسؤول العمليات بمحور شمال دارفور الذى لقى مصرعه فى يونيو الماضى 2024م على خلفية الهجوم الذى نفذته الميليشيا على مدينة الفاشر، وفى تخوم الفاشر أيضاً فقد المتمردون العميد عبد الرحمن قرن شطة فى سبتمبر الماضى 2024م، وقبله فقدت الميليشيا قائدها الميدانى فى قطاع جنوب كردفان عبد المنعم شيريا فى تخوم مدينة الأبيض فى مايو الماضى 2024م، وقبله قُتل المقدم عبد الرحمن البيشى قائد قطاع النيل الأزرق بميليشيا الدعم السريع جراء غارة جوية استهدفته فى مدينة سنار فى يوليو الماضى 2024م.
اختفاء غامض ومفاجئ لقيادات عن مشهد العمليات
وبخلاف فقدان ميليشيا الدعم السريع قياداتها المؤثرين ميدانياً، فقدت الميليشيا قيادات باختفائها المفاجئ عن المشهد العملياتى كاللواء ركن عثمان محمد حامد الشهير بـ عثمان عمليات، حيث يعتبر عثمان عمليات من العناصر الفاعلة فى التخطيط والتكتيك الميدانى لتمتعه بنفوذ متصاعد فى رزنامة القيادات الميدانية لميليشيا الدعم السريع، ولكن طبيعة تركيب الميليشيا المتمردة القائمة على الولاءات القبلية خصمت كثيراً من نفوذ عثمان عمليات الذى يكتنف غيابه عن المشهد غموض كثيف، ومثل اللواء عثمان عمليات اختفى النقيب سفيان محمد زين بريمة والذى تم إبعاده من القوات المسلحة بتهم تتعلق بالفساد، فانضم سفيان لميليشيا الدعم السريع، وكانت له تأثيرات معنوية كبيرة فى صفوف الميليشيا عبر الإطلالات المباشرة، ومقاطع الفيديو التى كان يظهر فيها فى بواكير الحرب، ولكنه لم يلبث وأن اختفى عن المشهد تماماً، واختفى عن مشهد العمليات القتالية اللواء النور قبة، أحد أبرز قادة ميليشيا الدعم السريع فى دارفور، حيث ظل قبة مختفياً عن الأنظار منذ مقتل قائد القوات علة يعقوب فى الفاشر.
قاصمة ظهر للمليشيا المتمردة
وفى ظل غياب القيادات الميدانية المدربة والمحترفة، ذات الكارزيما المؤثرة على مستوى قيادة العمليات فى مختلف جبهات ومحاور القتال، سواءً بالاختفاء القسرى عن طريق الموت، أو الاختفاء الشخصى لتقديرات خاصة، يعتبرها مراقبون بمثابة قاصمة ظهر للميليشيا المتمردة التى افتقدت البوصلة تماماً ومارست نوعاً من الفوضى وعدم الانضباط منذ الغياب الغامض لقائدها العام محمد حمدان دقلو حميدتى، وهروب قائدها الثانى عبد الرحيم دقلو، حيث ظلت الميليشيا المتمردة تتحرك فى ميادين القتال تحت إمرة قيادات وسيطة مثل جلحة وبرشم والسافنا، وأصبحت استراتيجية ميليشيا الدعم السريع تقوم على نظام حرب العصابات بالكر والفر، الأمر الذى أفقد المتمردين الكثير من الميزات وجعل القوات المسلحة ومنذ السادس عشر من فبراير 2024م، تاريخ عملية الاقتران التأريخى الناجح لقوات وادى سيدنا بالقوات المرابطة فى سلاح المهندسين بأم درمان، تمتلك زمام المبادرة على كافة المسارح والجبهات.
تأثيرات متفاوتة للقيادة
فى السياق، يقول الخبير العسكرى مقدم ركن متقاعد على ميرغنى، بضرورة النظر لتأثير كل قائد على حده، وأبان أن بعضاً من قادة الميليشيا المتمردة يمتاز بثقل قبلى أو شخصى، مثل اللواء على يعقوب الذى وصفه بغير المؤثر من الناحية العسكرية، وزاد”بمعنى أن فعاليته عملياتياً غير مؤثرة، فإذا تم تجريده من رتبة اللواء نجده لا يختلف كثيراً عن أى جندى، ولكن له ثقل وكارزيما تجعل مقتله ذا تأثير سالب ويدفع كثيرين للانسحاب من ميادين القتال” ، وأقرَّ الخبير العسكرى على ميرغنى، بتأثير اللواء عثمان محمد حامد ( عمليات) على سير العمليات لخبرته القتالية وقدرته على تقدير الموقف ووضع الخطط العسكرية التى أدت لتطاول أمد الحرب، بيد أنه إذا رجع للجيش أو تم تحييده، فسيكون تأثيره محصوراً فقط فى التخطيط للعمليات العسكرية، ولن يكون له تأثير على العديد من جنود الدعم السريع، لعدم وجود أى رابط دم أو قرابة معهم، ورابطة الدم هى الالتزام الأقوى فى استمرارية الفرد ضمن هذه القوات، منوهاً إلى الأهمية التى يتمتع بها أبو عاقلة كيكل الذى قال إنه يمتلك كارزما عالية وقدرة على جذب الأفراد وإقناعهم بالانضمام للدعم السريع، لكنه بلا خبرة عسكرية أو دراية بالتكتيكات، مؤكداً أن انحياز كيكل للقوات المسلحة سيخصم من ميليشيا الدعم السريع من حيث وجودها فى كل المنطقة المحصورة بين الفاو وشرق الجزيرة حتى شرق الجيلى وشندى، هذا فضلاً عن إزاحة عبء عسكرى كبير عن كاهل القوات المسلحة التى كانت مجبرة على وضع قوات احتياط وقطع، فى سهول البطانة بقدرات ذات مناورة عالية وسرعة تحرك من أجل تأمين مدن مثل شندى والدامر وحلفا الجديدة من أى تهديد من قوات كيكل.
خيبة أمل وفقدان ثقة
قطعاً استسلام أبو عاقلة كيكل وغياب الكثير من قادة الميليشيا المتمردة عن مشهد العمليات، سيكون له تأثيرات سلبية في عدة جوانب، هكذا ابتدر العميد الخبير العسكرى العميد معاوية على عوض الله ، منوهاً إلى انعكاس هذا الواقع على خفض الروح المعنوية لمنسوبى الدعم السريع الذين ستصيبهم خيبة كبيرة ويفقدون الثقة فى ما تبقى من قادتهم الميدانيين بإمكانية الاستسلام للجيش فى أى لحظة مما ينذر بانهيارهم الكامل فى أى وقت، فى مقابل ذلك ستبلغ معنويات القوات المسلحة والقوات المساندة لها عنان السماء، وأبان العميد معاوية على عوض الله، أن جبهات ومحاور القتال ستشهد خلال الأيام المقبلة المزيد من الضربات الموجعة التى ستطال الميليشيا المتمردة، وربما تحدث صراعات وانقسامات داخلها جراء هذا الواقع بغياب قيادات ميدانية مؤثرة.
بداية نهاية المليشيا
من جانبه، أوضح الرائد أحمد حسين مصطفى الناطق الرسمى باسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح أن ميليشيا الجنجويد فقدوا الكثير من قياداتهم الميدانية وخاصة على أسوار مدينة الفاشر، الأمر الذى انعكس على القضاء على قوتهم الصلبة، وقال الرائد أحمد حسين إن استسلام بقية قيادات الميليشيا الميدانية أمر وارد عطفاً على ما تم من تكسير شوكتهم، مؤكداً أن ميليشيا الجنجويد غير قادرة حالياً على الهجوم مثلما كانت عليه فى بواكير الحرب، مبيناً أن استسلام أبو عاقلة كيكل له مآلات كثيرة على مجريات الحرب فى البلاد، مما يعنى بداية العد التنازلى لانتهاء هذه الميليشيا ومرتزقتها، وبالتالى انتهاء الحرب.
فى الختام
تبدو قصة ميليشيا الدعم السريع فى طريقها إلى كتابة نقطة النهاية، فى ظل احتجاب القيادات الرئيسة عن المشهد العملياتى، سواءً بالموت أو الاختفاء أو الاستسلام، مما يجعلها تفقد البوصلة وتبقى على شفا حفرة من الانهيار والذى بات وشيكاً علاوة على استمرارها فى تلقى الضربات الموجعة من قبل القوات المسلحة، والقوة المشتركة، والقوات المساندة لها، من القوات النظامية، والأجهزة الأمنية، والمستنفرين، فهل ستمضى رياح العمليات الميدانية، وفقاً للجيش وما يريد، وعكساً على ما تشتهى سفينة الجنجويد.